لم تترك الحرب السورية، أي فرصة للتلاقي بين أنصار أطرافها، ورغم إصرارهم على إنكار صفة الحرب الأهلية، إلا أن التفسخات الاجتماعية والنفسية المرافقة لتلك الحروب موجودة بوفرة في الحالة السورية.
فمشاركة متسابق سوري في برنامج فني، أو مباراة لمنتخب سوري في منافسة رياضية، لم تنجح في جمع السوريين حول شعور واحد، إذ من الممكن عادةً، البناء على مناسبات كهذه، لصنع مساحات تفاعل وطني عابر للحساسيات، ولكن العكس هو ما حصل، فتفاصيل من قبيل أي علم يرفع المتسابق، وخلفيته العائلية أو الطائفية، ورفع صور بشار في المباريات، عززت الشحن وألغت أي إمكانية للتوافق.
وإذا كانت الحروب الأهلية تقود بالضرورة لشمل "مدنيي" الطرف الآخر في الكراهية، فقد تعمم هذا الخطاب في سورية، وتم اعتبار المدنيين بيئات حاضنة للإرهاب أو التشبيح، الأمر الذي سهّل لاحقاً تبرير الجرائم بحقهم، باعتبارها عقوبة ردع أو انتقام مشروع، وإن لم يخل الأمر من اعتراض، وضمن جمهور الثورة تحديداً، على تعميم كهذا ومآلاته الحتمية، إلا أن صوت الاعتراض كان أضعف بكثير من التأثير، بل وقوبل بحملات تخوين وتسفيه، تصفه بالخطاب الرخو في زمن يتطلب الصلابة!
اقــرأ أيضاً
بدت مسيرة عبور اللاجئين وكأنها قضية مشتركة لوهلة، فهم من خلفيات شتى، والممارسات العنصرية التي واجهوها كانت بصفتهم الجماعية وليس الفردية، كما أن قصص الغرق والجوع والبرد تستدعي التعاطف بالفطرة، وإذ تشارك جمهور مختلط بين النظام والثورة صورة جثة الطفل إيلان، أو فيديو عرقلة الصحافية الهنغارية لأب وابنه، إلا أن الأمر لم يطل، فالموالون يعتبرون قضية اللجوء بمثابة الخيانة، كما اعتبر بعض جمهور الثورة أن اللجوء حق مكتسب لبيئة الثورة فقط.
وفي السياق نفسه، جاء خبر كشف شبكة التجارة الجنسية في لبنان، التفاصيل مروعة، وتتعلق بـ75 فتاة أغلبهن سوريات تم احتجازهن وإجبارهن على الدعارة، وتم تعذيب بعضهن بقسوة..
ردود الفعل السورية الأوليّة استفظعت ما جرى، وتعاطفت مع الضحايا، مطالبة بالقصاص من العصابة، لكن مع ملاحظة أن هذه الردود كانت فردية، حيث نأت مؤسسات المعارضة أو النظام بنفسها عن أي ردة فعل، ثم بدأ الموالون بالغمز من قناة الثورة، وأن هذه الحوادث لها ما قبلها في المخيمات، عبر زواج مسنين من سوريات صغيرات، دون أن يشيروا إلى سبب النزوح وهو قصف النظام الوحشي لمناطق سورية وتدميرها بالكامل.
كما اعتبر معارضون أن النظام هو المسؤول، دون الكلام عن حقيقة قيام فصائل معارضة بخطف سوريات وبعضهن ناشطات شهيرات، ووضع أخريات مع أطفالهن في أقفاص على الأسطح دروعاً بشرية، فقط لأنهن من طوائف مختلفة من دون ذنب اقترفوه.
اقــرأ أيضاً
أما الحرص على كرامة النساء السوريات، فسبق وجرى تبديده عبر كذبة "جهاد النكاح" التي اخترعها تلفزيون ممانع، ولاقت رواجاً واسعاً، مستفيدة من فظائع داعش، وتصديق الناس لما يُرْوى عنه، ومن ثم كذبة "نساء الترفيه" التي اخترعها تلفزيون محسوب على الثورة، ويدعي فيها توفير النظام لفتيات سوريات لتقديم الخدمات الجنسية للجنود الروس، ولم تعدم من يتناقلها رغم استهجانها من قبل أغلب أهل الثورة.
وإذا كانت كل هذه القضايا وما يماثلها، لم تنجح في إيجاد رأي عام سوري ينبذ المتاجرة بأساسيات الحقوق الإنسانية في سبيل تسجيل النقاط ، فالأرجح، مع استمرار الحرب أن تضعف المشتركات العامة بين السوريين، وتترسَّخ فيدرالية نفسيَّة فيها "ما يخصنا" و"ما يخصهم"، في الوقت الذي يكاد يكون رفض الفيدرالية المعلنة من قبل الطرف الكردي، هو الجامع الوحيد الذي تلاقى عليه أنصار النظام والثورة.
اقــرأ أيضاً
فمشاركة متسابق سوري في برنامج فني، أو مباراة لمنتخب سوري في منافسة رياضية، لم تنجح في جمع السوريين حول شعور واحد، إذ من الممكن عادةً، البناء على مناسبات كهذه، لصنع مساحات تفاعل وطني عابر للحساسيات، ولكن العكس هو ما حصل، فتفاصيل من قبيل أي علم يرفع المتسابق، وخلفيته العائلية أو الطائفية، ورفع صور بشار في المباريات، عززت الشحن وألغت أي إمكانية للتوافق.
وإذا كانت الحروب الأهلية تقود بالضرورة لشمل "مدنيي" الطرف الآخر في الكراهية، فقد تعمم هذا الخطاب في سورية، وتم اعتبار المدنيين بيئات حاضنة للإرهاب أو التشبيح، الأمر الذي سهّل لاحقاً تبرير الجرائم بحقهم، باعتبارها عقوبة ردع أو انتقام مشروع، وإن لم يخل الأمر من اعتراض، وضمن جمهور الثورة تحديداً، على تعميم كهذا ومآلاته الحتمية، إلا أن صوت الاعتراض كان أضعف بكثير من التأثير، بل وقوبل بحملات تخوين وتسفيه، تصفه بالخطاب الرخو في زمن يتطلب الصلابة!
بدت مسيرة عبور اللاجئين وكأنها قضية مشتركة لوهلة، فهم من خلفيات شتى، والممارسات العنصرية التي واجهوها كانت بصفتهم الجماعية وليس الفردية، كما أن قصص الغرق والجوع والبرد تستدعي التعاطف بالفطرة، وإذ تشارك جمهور مختلط بين النظام والثورة صورة جثة الطفل إيلان، أو فيديو عرقلة الصحافية الهنغارية لأب وابنه، إلا أن الأمر لم يطل، فالموالون يعتبرون قضية اللجوء بمثابة الخيانة، كما اعتبر بعض جمهور الثورة أن اللجوء حق مكتسب لبيئة الثورة فقط.
وفي السياق نفسه، جاء خبر كشف شبكة التجارة الجنسية في لبنان، التفاصيل مروعة، وتتعلق بـ75 فتاة أغلبهن سوريات تم احتجازهن وإجبارهن على الدعارة، وتم تعذيب بعضهن بقسوة..
ردود الفعل السورية الأوليّة استفظعت ما جرى، وتعاطفت مع الضحايا، مطالبة بالقصاص من العصابة، لكن مع ملاحظة أن هذه الردود كانت فردية، حيث نأت مؤسسات المعارضة أو النظام بنفسها عن أي ردة فعل، ثم بدأ الموالون بالغمز من قناة الثورة، وأن هذه الحوادث لها ما قبلها في المخيمات، عبر زواج مسنين من سوريات صغيرات، دون أن يشيروا إلى سبب النزوح وهو قصف النظام الوحشي لمناطق سورية وتدميرها بالكامل.
كما اعتبر معارضون أن النظام هو المسؤول، دون الكلام عن حقيقة قيام فصائل معارضة بخطف سوريات وبعضهن ناشطات شهيرات، ووضع أخريات مع أطفالهن في أقفاص على الأسطح دروعاً بشرية، فقط لأنهن من طوائف مختلفة من دون ذنب اقترفوه.
أما الحرص على كرامة النساء السوريات، فسبق وجرى تبديده عبر كذبة "جهاد النكاح" التي اخترعها تلفزيون ممانع، ولاقت رواجاً واسعاً، مستفيدة من فظائع داعش، وتصديق الناس لما يُرْوى عنه، ومن ثم كذبة "نساء الترفيه" التي اخترعها تلفزيون محسوب على الثورة، ويدعي فيها توفير النظام لفتيات سوريات لتقديم الخدمات الجنسية للجنود الروس، ولم تعدم من يتناقلها رغم استهجانها من قبل أغلب أهل الثورة.
وإذا كانت كل هذه القضايا وما يماثلها، لم تنجح في إيجاد رأي عام سوري ينبذ المتاجرة بأساسيات الحقوق الإنسانية في سبيل تسجيل النقاط ، فالأرجح، مع استمرار الحرب أن تضعف المشتركات العامة بين السوريين، وتترسَّخ فيدرالية نفسيَّة فيها "ما يخصنا" و"ما يخصهم"، في الوقت الذي يكاد يكون رفض الفيدرالية المعلنة من قبل الطرف الكردي، هو الجامع الوحيد الذي تلاقى عليه أنصار النظام والثورة.