عن الغُرَف التي لا تنتحر

28 سبتمبر 2015
سعد الربضي/ الأردن
+ الخط -
الغُرَفُ، الزّائدة عن الحاجة، خزّان وحدة، حتّى لو كانت واسعة، مُلوّنة، بسقفٍ عال، غُرفتك هي فقط ما يُحيط بك، كلّ ما حولها فراغ، لايؤلمك، لكنّه لا يحتويك.
*

الأشخاص، الزّائدون عن الحاجة، خزّان وحدة أيضاً، حتّى لو كانوا مُلوّنين، بسقفٍ عال، هم أيضاً فراغٌ يُحيط بك ولا يحتويك، ليسوا أبداً غرفتك الصغيرة، المُدوّرة.
*
أنت، غرفةٌ دافئة لأحدهم، فراغٌ زائد لأحدٍ آخر.
*
كُلّنا، مُدُنٌ، يَسكنها آخرون، بعضهم أشخاص، بعضهم بيوت، أنهار، جسور، أشجار خضراء، أشجار ذابلة، طرق معبّدة، طرق وعرة، حدائق، ثم نصيرُ مُدناً تسكن مدناً أخرى، نكون فيها نهراً أو جسراً أو قصراً، إلخ.
*
بعضنا، جسورٌ حديدية، آمنة، لكنّها، ليست بيوتاً، لا تكون، حتى لو جلسَ مُشرّد قربها، سيرحل قريباً تاركاً كيس نومه المهترئ، وما كتبهُ بأداة حادة كنوعٍ من الذكرى، ذكراهُ قليلٌ من الشِعر الذي لا يؤلم، لكن، لا يزول أيضاً.
*
هناك من هو قاربٌ، قاربٌ خشبي صغير بين جزيرتين، طيب ودافئ غالباً، كثيرٌ من الذكريات والقصص الحلوة، لكنّه حزينٌ في معظم الأحوال، يعلمُ أنّه قارب، وأنّه مهما حاول، لن يصير بيتاً، ربّما فقط سفينة مُلوّنة تقيم سهرات مسائية لِغُرباء يَسكَرون ولا يعرفون اسم السفينة التي تحملهم.
*
ومنّا، من يصيرُ فندقاً، كبيراً، يعرفه الجميع، أو نزلاً صغيراً قُرب طريق بين مدينتين، لا فرق، قد تجد فيهم دفئاً مؤقتاً، كاذباً، لكن، في الحالتين سيترك الزوّار سوائلهم، بقايا طعامهم، ويرحلون، تاركين لك بعض البقشيش.
*
تظنّ أنّك تنتقل لمدينة حلمك، تسافرُ، ثم تكتشف أنّها كانت من غادرتها سابقاً، تعودُ، لكن، هناك غرباء يتنقلون بحرية ولا يعرفون أنها شوارعك، لا يكترثون أيضاً، ولا حتى المدينة تكترث، ثمّ تصير غريباً، في كل المدن.
*
هناك من يتركُ بيته لأجل عملٍ أفضل يجلبُ لهُ طعاماً أطيب وحباً أحلى، يسافرُ، ثمّ يصيرُ وحيداً، يعودُ، لكن، البيت سَكنهُ غرباء، سُعداء، يحلمون بالطعام الأفضل والحب الأحلى، ومثلك، سيرحلون قريباً، لكن البيت لن يكون ذاته.
*
هناك من هو بحرٌ، ينتحر فيه البعض، يُسامره آخرون، يرمون فيه أعقاب سجائرهم، يتَعرّون، يتبوّلون، يكتبون عنه شعراً، ثم يتركونه وحيداً كما كل ليلة.
*
هناك دائماً، بيتٌ واحدٌ، أدفاك حقاً، بيتٌ آلمك، بيتٌ حلمتَ به، ولم تسكنهُ، وبيتٌ سكنته، ولن تعود إليه.
*
هناك من هو قليلٌ، شبّاكٌ يطلّ على شارعٍ مغلق، الجارة التي تخلع ثيابها يومياً هي الوهج الوحيد، قد ترحل قريباً، الشبّاك أقل من أن ينتحر، سيغلق فقط.
*
هناكَ من هو كثيرٌ، خيمة، تحملها، تختبئ بها، ضوء وشبّاك ومخدة، صوتُ صراصير ومساء، خيمتك أوسع من أن تخاف، أقرب أيضاً من أن تكون وحيداً، لا شكّ هناك كِتابٌ يسلّيك في مكانٍ ما، موسيقى أيضاً، تفعلُ الخِيم ذلك عادةً.
*
الحزن بيت بارد، لكنّه أكثر متانةً من السعادة، هو بيتٌ واسعٌ مع أقبية صلبة، بيوت السعادة هشة مثل كابينات الهاتف، تدخلها أحياناً لاتصال طارئ، للتبوّل، أو للاحتماء من مطرٍ لا يعجبك.
*
البيت لا يرحل، يراقب فقط.


اقرأ أيضاً: سأفتحُ النافذة

دلالات
المساهمون