عن العالم الوهمي وخشب المكتبات وقصة الحضارة
ـ "حين طُلب من المؤرخ ويل ديورانت أن يلخص الحضارة قال: "هي نهر ذو ضفتين، يمتلئ أحياناً بدماء الناس الذين يقتلون ويسرقون ويصيحون ويفعلون أشياء يسجلها المؤرخون عادة، ولكننا نجد على الضفتين في الوقت ذاته أناساً لا يحس بهم أحد، وهم يبنون البيوت، ويمارسون الحب والجنس، ويربون الأطفال ويتغنون بالأغاني، وينظمون الشعر، بل ينحتون التماثيل، وقصة الحضارة هي قصة ما حدث على الضفتين، ولكن المؤرخين متشائمون، لأنهم يتجاهلون الضفاف ويتعلقون بالنهر".
من كتاب دروس التاريخ لويل ديورانت وزوجته إريل ترجمة علي شلش
ـ "لا مفرّ لكل مفكر في بداية حياته المهنية، من الاختيار بين الجدل والنواح".
إميل سيوران من (المياه بلون الغرق) ترجمة آدم فتحي
ـ "تركت ذهني يشرد دونما هدف، على أمل إقناع نفسي بأن الكسل برهان على استجماع القوة ومؤشر على شيء يوشك أن يحدث، وعلى امتداد ما يزيد على شهر كان كل ما فعلته هو استنساخ فقرات من كتب، وكانت إحداها مقتطفاً من سبينوزا ألصقته على الحائط: "وعندما يحلم بأنه لا يرغب في الكتابة فإنه لا يملك القدرة على الحلم بأنه يرغب في الكتابة، وعندما يحلم بأنه يرغب في الكتابة فإنه لا يملك القدرة على الحلم بأنه لا يرغب في الكتابة".
بول أوستر من (ثلاثية نيويورك) ترجمة كامل يوسف حسين
ـ "المكتبة التي لا يقوم هيكلها على أكتاف الخشب، تكاد تكون مكتبة زائفة، مكتبة تثير الشبهات، مكتبة تصلح لإيداع أرشيف المصلحات الحكومية وملفات المرضى، لكن لا يمكن أن تحوز شرف احتضان الكتب النبيلة، والتمتع بملمس التسفير الفخم، إنها مكتبة تقطع مع الأصل المشترك بينها وبين الكتب والأقلام. أصل الورق الغابة وأصل الأقلام كذلك، لهذا فإن لعبة الفناء والبقاء تُلعب تحديداً في الغابة. قطعُ هكتارات من الغابات، هو بمثابة محو لذاكرة الأرض، لكنه محو سينتهي جزءٌ منه في شكل أدوات (أوراق وأقلام) تدوّن هذه الذاكرة نفسها".
محمد آيت حنا من (مكتباتهم)
ـ "اللغة موجودة وتشهد على وضعية تاريخية قُذِف بها فيها، تحيط بنا وتتجاوزنا، هي بالنسبة للجميع الحاضر المباشر، وإن كانت تاريخياً جد متقنة وبعيدة عن كل بداية. أما الأسلوب فقد يكون هو الجانب المظلم، إنه مقترن بأسرار الدم والغرائز، العمق الشديد وكثافة الصورة، لغة الوجدانية حيث تتكلم اختبارات أجسادنا ورغباتنا، هو زمننا السري المغلق عنا نحن أنفسنا، فكما أن الكاتب لا يختار لغته فهو كذلك لا يختار أسلوبه، الذي هو ضرورية المزاج، فهو غضب داخلي، هو عاصفة أو انقباض، هو بطء أو سرعة، يأتيه من أُنس حميم مع نفسه، لا يكاد يعرف عنه أي شيء، يضفي على لغته نبرة فريدة كذلك السمت الذي يظهر على وجهه والذي يُمكِّن من التعرف عليه".
موريس بلانشو من (أسئلة الكتابة) ترجمة نعيمة بنعبد العالي وعبد السلام بنعبد العالي
ـ "عليّ أن أتجاوز الأمر. لا أتوقف عن انتظار أن يصبح العالم ذو مغزى، ولكنه لا يفعل، ولن يفعل أبداً".
مارتن أميس من رواية (السهم الزمني ـ طبيعة الجريمة) ترجمة عماد منصور
ـ "إن الناس يتوقون للتغيير على الدوام تقريباً. ما إن تسود الحالة المزاجية للتغيير، حتى تتملكهم الحماسة واليقين المنتشي بأن التغيير سيمنح حياتهم فجأة ما معنىً غير متوقع. ومع ذلك، ولأنهم يتوقعون التغيير من الخارج، ينتهي بهم الأمر بصفة عامة مخيّبي الآمال".
إيفان كاليما من رواية (لا قديسون ولا ملائكة) ترجمة إيمان حرز الله
ـ "اليوم هرمت أمي حتى باتت تشبه أمها، أو ربما جدة أمها أو جدة جدتها. عندما نتجاوز عمراً ما، تخلع علينا الشيخوخة ملامح أسلافنا مجتمعين في تدافعنا الرخو صوب تقمصهم. ربما هذا هو في النهاية العالم الآخر، دهليز لا نهاية له يصطف فيه كل أسلافنا واحداً وراء الآخر، وهم يترقبون ببساطة، ملتفتين إلى من لا يزال حياً، دون كلام ولا حركات، بنظرة صبورة وأعين شاخصة إلى تاريخ محدد".
كمال داود من رواية (معارضة الغريب) ترجمة ماريا الدويهي وجان هاشم
ـ "أظن يا جاك أن هناك نوعين من الناس في العالم: قتلة ومستموتون. معظمنا مستموتون. لا نملك النزعة أو الغضب أو أياً يكن الأمر الذي يجعلك قاتلاً. نترك الموت يحدث. ولكن فكّر بمعنى أن تكون قاتلاً. فكّر بمدى الإثارة، نظرياً في قتل شخص بمواجهة مباشرة. لو مات، لن يكون بإمكانك الاستمرار. أن تقتله يعني اكتساب استحقاق الحياة. كلما قتلت أكثر، تعاظم مخزون استحقاقك. وهذا يفسر أي عدد من المجازر والحروب والإعدامات".
ـ هل تقول إن الناس حاولوا عبر التاريخ شفاء أنفسهم من الموت عبر قتل الآخرين؟
ـ هذا واضح".
دون ديليليو من رواية (ضوضاء بيضاء) ترجمة يزن الحاج
ـ "أول من ظهر على سطح الوجود: السلاحف ثم الغربان ثم نقاد الأدب، وبعد فترة ظهر الأصدقاء والمدرسون والثعالب والضباع والحكام العسكريون، ثم كان الراقصات، وبعد أن زها الكون وتلوى انتعاشا ظهر المذيعون والقطط والصقور والضفادع والسياسيون، ولم يعد هناك مجال لمزيد ـ بسبب الزحام ـ فظهر ثعبان أوحد وذئب واحد ونعجة وحيدة وامرأة وحيدة، هي التي قدمها لي ابن خالتي ذو المنصب المرموق".
محمد مستجاب من (حرق الدم)
ـ "عندما تكون في السادسة عشرة من عمرك فإنك لا تعرف ما يعرفه أبواك، ولا تعرف الكثير مما يتفهمانه، وتعرف قدراً أقل مما في قلبيهما، وذلك يمكن أن ينقذك من أن تصبح راشدا قبل الأوان، ينقذ حياتك من أن تصبح حياتهما مكررة فحسب، وهو ما يُعدّ خسارة، ولكن أن تقي نفسك ـ على نحو ما لم أفعله ـ يبدو أنه خطأ أعظم، لأن ما تتم خسارته هو حقيقة حياة أبويك، وما يتعين أن تظنه فيما يتعلق بها، وما يتجاوز ذلك من الكيفية التي ينبغي أن تقدّر بها العالم الذي توشك أن تحيا في رحابه".
ريتشارد فورد من رواية (حياة وحشية) ترجمة كامل يوسف حسين
ـ "في ذلك العالم الوهمي، تنبت أرض لكل أنواع العجائب، فيها يمكن أن يستحيل الأقزام فحولاً وأن تولد المآسي المضيعة من مهازل رخيصة، وأن تُستغلّ التضحيات النبيلة في إرضاء نزوات مريضة، وأن تنشأ صداقات حميمة بل وعلاقات حب بين أناس لا يجدون سبيلاً حقيقياً واحداً للتعرف على بعضهم البعض وأن تكتسب أي خزعبلات لخيال مهووس قوة اليقين وأن تصنع الأحداث الهامة صدف بعضها طريف والبعض الآخر بذئ، كل ذلك كان ممكنا وأكثر ما دام يحدث في واقع مصطنع خارج كل واقع، ومن ثم فهو أكثر تشوهاً من أي واقع".
أروى صالح من كتاب (المبتسرون)