عن التبرع لإسرائيل بما تطلب من دون مشاورة المقاومة
بيّن صمود المقاومة الفلسطينيّة، وأهلها، في قطاع غزّة، أنّ الفلسطينيين ليسوا لقمةً سائغة، وأنّهم قادرون على تدفيع إسرائيل ثمن غطرستها، وجبايةً مقابل خطيئة استسهالها العدوان على الفلسطينيين، في مرحلة التشرذم العربي هذه، فأصبح المعتدي معنيًّا بوقفٍ فوريٍّ لإطلاق النار. لقد نفّذ "ضرباته العقابيّة" ضدّ عائلات المقاومين، وبيئتهم الاجتماعيّة الحاضنة، وأحدث التراكم المطلوب من البؤس والضنك في حياة الناس في القطاع، بما يكفي لاستنتاج ما ينبغي عليهم استنتاجه سياسياً بنظر المعتدي، وانتهى الأمر بالنّسبة له.
أمّا من وجهة نظر المقاومة، فهي لم تدافع عن نفسها وأرضها وشعبها بجدارة فحسب، بل أصبحت قادرة على جعل إسرائيل تدفع ثمن العدوان. وبالتّالي، يمكن أن يكون ثمن وقف إطلاق النار إلزامها بعدم تكرار مثل هذا العدوان موسميًّا، ويشمل ذلك عدم تكرار خرق الاتفاقيات والعهود، من نوع اتفاق شاليط لتبادل الأسرى، واتفاق الهدنة من العام 2012، وفتح المعابر.
وبعد أن أصبح واضحًا أنّ تنفيذ شروط المقاومة ممكنٌ، وأنّه يمكن أن يُفرض على إسرائيل قبول واقع حكومة الوفاق الوطني الفلسطيني، بما في ذلك تحويل الرواتب لموظفي القطاع وفتح المعابر لتسهيل مرور الأشخاص والبضائع، جاء إعلان مصريّ فوقيّ، سمعت عنه المقاومة من الإعلام، وطالب "الطرفين" بوقفٍ لإطلاق النار، وحدّدت ساعة وقفه بصيغة الأمر.
إعلان السلطات المصريّة التي رفضت التوسط، حين كانت تعتقد أن المقاومة لن تصمد، وسوف تتوسل وقف إطلاق النار، هو محاولة لإجهاض الاتصالات الدبلوماسيّة، الجارية فعلًا، لفرض شروط المقاومة، بحدها الأدنى على الأقل. وهي الجهود التي لا تشارك فيها السلطات المصريّة؛ وذلك أولًا، لأنّها لا تريد الاتصال مع قيادات المقاومة في قطاع غزة الذي تساهم في حصاره؛ وثانيًا، لأنّها لا تريد أن تحصد المقاومة ثمار جهودها الجبارة.
هذا الإعلان هو طعنة في ظهر المقاومة، وفي ظهر أهل غزة، لقد كان وقف إطلاق النار متاحا للمقاومة، من دون هذا الإعلان المصري، لو أرادت أن تتخلى عن مطالبها، وعن أسراها المحررين الذين سجنتهم إسرائيل من جديد. فإسرائيل هي التي تطالب به الآن. ولكن هذا الإعلان المسمى مبادرةً جاء لمنع المقاومة من تحقيق أي إنجاز سياسي، وسيكون نتيجته تحميل المسؤوليّة للمقاومة، لعدم موافقتها على وقف إطلاق النار. إنها السلطات المصرية نفسها التي تغلق المعابر في وجه الجرحى في زمن الحرب، وهو ما لا يقوم به حتى الأعداء.
ما لم يعد يتوقعه الفلسطينيون من دولةٍ شقيقة هو دعمهم في مقاومة الاحتلال بالمال والسلاح، فالطبيعي أصبح ضرباً من ضروب الخيال. ولكن، ما يجري الآن يتجاوز التوقعات والخيبات، ويصفع حتى الواقعيّة التي يتسلح بها الناس، لتحصينهم من تكرار مثل هذه الخيبات. إن ما يجري هو تخطيط وتشاور بين أنظمةٍ عربيّةٍ، تعادي طموحات وآمال شعوبها، وإسرائيل لخنق آخر بقعة لمقاومة إسرائيل في المنطقة.
الأمر خطير، ولا يجوز التساهل معه، ولكن درجة سفوره، وافتضاحه أمام الشعوب العربية والشعب الفلسطيني، تجعلنا على يقين أن مثل هذه المآرب لن تمر. وأكثر منذ ذلك، سوف تساهم هذه الخطايا في كشف الغطاء عما التبس من سياسات أنظمةٍ، وصلت ثقتها بنفسها وإيمانها بقدرتها على تبرير كل شيء، بواسطة شيطنة الآخرين، والرهان على الجهل حد الغرور، إذ لم تعد تبذل حتى جهداً لتغطية تواطئها مع إسرائيل.