عن الأسكواش والثورة والشاي وسفاسف أُخرى

09 يوليو 2018
+ الخط -
ـ تشعرني إنجازات لاعبي الإسكواش المصريين المشهود لها على مستوى العالم بالفخر، لكني أفكر إنه ربما كان سر تميز المصريين فيها بالذات دوناً عن غيرها، أنها أقرب لعبة رياضية لفكرة "اخبط دماغك في الحيط"، التي تشكل جوهر الحياة في مصر منذ فجر التاريخ.

ـ إذا كنت تنكر أن الشعوب تتعلم من تجاربها المريرة، عليك أن تتذكر أنه بعد كل المذابح الإسرائيلية التي ارتكبتها إسرائيل مؤخراً، لم يعد أغلب الفلسطينيين يطلبون عقد جلسة طارئة لجامعة الدول العربية، أو يناشدون الدول العربية التدخل لنصرتهم، ولا يحبون سماع أغنية "وين الملايين" ولو بالصدفة، وعلى نهاية هذا العام بالكثير، سيتوقف العشرون ثلاثون فلسطينياً الذين لم يتعلموا بعد من أخطاء الماضي عن التلفظ بأي حرف من أحرف عبارة "وينكم يا عرب".

ـ سألني عن مواصفات الحبيبة المثالية كما أراها، فقلت: التي أكذب لو قلت أنني لا أشتهيها، والتي أكذب لو قلت أنني فقط أشتهيها.


ـ لا يمكن أن تجد دليلاً على مدى التشوش الفكري الذي أصاب الكثيرين لدينا، أصدق من تدوينة قصيرة تنتشر بكثافة على مواقع التواصل الاجتماعي، تروي أنه بعد القبض على المناضل تشي جيفارا في مخبئه الأخير بوشاية من راعي أغنام، سأل أحدهم الراعي الفقير: لماذا وشيت برجل قضى حياته في الدفاع عنكم وعن حقوقكم؟ فأجاب الراعي: كانت حروبه مع الجنود تروع أغنامي. وتعليقاً على هذه القصة التي لا يذكر أحد مصدرها كالعادة، تستشهد التدوينة بقول للشيخ محمد رشيد رضا: "الثائر لأجل مجتمع جاهل هو شخص أضرم النيران بجسده كي يضيئ الطريق لشخص ضرير". واعتراضي هنا ليس على تلك القصة التي تُسطّح نضال جيفارا، الذي لا زال مؤثراً حتى الآن في دول أمريكا اللاتينية بوجه خاص وفي العالم بأسره، وهو ما يعني أن نضال جيفارا وتضحياته لم تذهب هدراً بسبب وشاية راعي الغنم، ولا على منطق العبارة المنسوبة إلى الشيخ محمد رشيد رضا، لأنه إذا لم يثر الإنسان لمجتمع جاهل وفقير ومأزوم فلماذا يجب أن يثور أصلاً، وما هي قيمة الثورة من أجل مجتمع متعلم وواعي ولا يعاني من أي أزمات؟ وأين هي العقلانية والواقعية في التصالح مع جهل المجتمع الذي لن يكون ضرره فقط على الجهلاء، بل سيعم على الكل بما فيهم "الفلاحيس" الذين يتصورون أن استعلاءهم على المجتمع سينجيهم ويكتب لهم الحياة الآمنة، كل هذا لست مستغرباً منه ولا مستنكراً له بقدر استغرابي واستنكاري لأن هذه التدوينة نشرتها صفحة بعنوان (كلنا فرج فودة)، التي يبدو أن القائمين عليها إما لم يقرأوا فرج فودة، أو لم يقرأوا رشيد رضا، لأنهم لو قرأوا الاثنين لما جمعوا بينهما في خير.

ـ من البدع والمنكرات التي دخلت على ثقافتنا فأفسدتها وآن الأوان للتصدي لها، بدعة تشجيع فريقين متنافسين في كأس العالم لأنهما عربيان أو مسلمان، أو لأنهما من شعوب العالم الثالث المحبة للسلام والشريكة لنا في المعاناة الإنسانية، وهي بدعة لن تجد مشجعاً عريقاً يرتكبها أبداً، لأن الكرة ليست لعبة أخوية تحب فيها الخير للكل، ليست هذه عاداتها ولا تقاليدنا، ومن تمام قبول التشجيع عند الله، أن تشجع فريقاً من كل قلبك وتلعن سنسفيل الفريق الآخر ودون إبداء أي أسباب، تقبل الله منا ومنكم صالح التشجيع.

ـ "خنقتني البت التايلاندية، نفسي أطلع بره شرق آسيا كلها يا معلم ونخش على الأبيض". مقتطف من محادثة تليفونية لمواطن مصري وقف يتحدث في هاتفه بصوت عالٍ في (يونيون سكوير) في نيويورك، ولم يدرك أن مواطناً مصرياً سيعبر إلى جواره، ويوصل اعتراضه وأمنيته عبر الأطلنطي.

ـ على ذكر العبارات الطائرة التي تخترق مسامعك وأنت تسير في الطريق، أغرب ما صادفني منها مؤخراً ما قالته سيدة خرجت فجأة من مدخل عمارة، وهي تقول بصوت منفعل لأحد ما في التليفون: "هل لأن شعرنا نحن الاثنتين قصير، يجب أن نكون أصدقاء، إذن سأطيل شعري من الغد أو سأشتري باروكة".

ـ لا أعرف كل بلاد العالم جيداً، لكنني حتى أجد من يعرفها كلها جيداً، سأظل أعتقد أن بلادنا هي البلاد الوحيدة التي يتلقى الكاتب فيها رسائل تقول له: "انت أصلاً ما حيلتكش غير الكلام".

ـ من أين آتي بذلك اليقين الرائع المريح المدهش، الذي يمتلكه ذلك الشخص الذي أرسل لي رسالة تقول "الإخوان سيحكمون العالم يوماً ما وستقول يا ليتني كنت معهم".

ـ كل ما كتب من دراسات عن دور المثقف وأزمته ومسئوليته في أوطاننا لخصه الكاتب أمين صدقي في أربع شطرات من أغنية الجرسونات التي غناها قديماً الشيخ سيد درويش: "أهي شغلتنا كده يا أفندية، نفضل نحزق بالصفة ديه، ونهاتي واللي نقوله نعيده، كإننا بنقرا في عدّية".

ـ بعض التفاصيل القديمة أصبح يتم إخفاؤها بعناية لكي لا تفسد رؤيتنا للأمور، لذلك نحن نتعلم الكثير عن قصة أوزيريس وإيزيس وحبهما العظيم الذي إنتهى نهاية دامية ثم تحول إلى ملحمة عشق خالدة، لكن لا أحد يذكرنا أن إيزيس وأوزيريس كانا أخوين عشيقين.

ـ حين أشاهد شيوخ ودعاة القنوات الفضائية، أفكر أن إبليس يجلس في بيته ليشاهدهم مع عياله ويقول لهم بمزيج من الحسرة والاحتقار والحنين والكبر: "طب بذمتكم مش لو كنت سجدت لآدم كنت قعّدت الأشكال دي كلها في البيت".

ـ اليوم وبعد انتظار سنين، عشت المعنى الحقيقي للأبوة، وشهدت اللحظة التي ينتظرها كل أب، لحظة شرب أول كوباية شاي من أيدي ابنته. أعرف إحساسي جيداً لكني لم أعرف بعد إحساس ابنتي بتلك اللحظة، سأنتظر حتى تذهب للعب مع صديقتها بنت الجيران، لأعرف إحساسها كما كتبته في دفتر يومياتها. لست قلقاً للغاية مما ستكتبه، لأننا لا زلنا في أول مرحلة من مراحل (علاقة الشاي) التي تربط الأب بابنته، حيث تشعر البنت بالسعادة لأن الأب يعتمد عليها في شيء سهل الصنع، لكن سرعان ما ستأتي مرحلة أكثر توتراً يمكن تسميتها مرحلة "أنا مش قلت من ساعة إني عايز شاي"، تعقبها بعد فترة تطول أو تقصر حسب ذكاء الأب وصبره مرحلة "لو مش هتعملي الشاي بضمير بلاش تعمليه خالص"، وهي مراحل لو لم يعالجها الأب بذكاء وهدوء، ستوصله في سن معينة إلى مرحلة "والله اللي عايز حاجة يقوم يعملها لنفسه".
605C8788-2DB9-4AE6-9967-D0C9E0A2AD31
بلال فضل
كاتب وسيناريست من مصر؛ يدوّن الـ"كشكول" في "العربي الجديد"، يقول: في حياة كل منا كشكولٌ ما، به أفكار يظنها عميقة، وشخبطات لا يدرك قيمتها، وهزل في موضع الجد، وقصص يحب أن يشارك الآخرين فيها وأخرى يفضل إخفاءها، ومقولات يتمنى لو كان قد كتبها فيعيد كتابتها بخطه، وكلام عن أفلام، وتناتيش من كتب، ونغابيش في صحف قديمة، وأحلام متجددة قد تنقلب إلى كوابيس. أتمنى أن تجد بعض هذا في (الكشكول) وأن يكون بداية جديدة لي معك.