عن أسى أن تكون مسلماً

13 فبراير 2015
+ الخط -

أشعر بهذا الأسى، كلما وقع أمام ناظري خبر أو مقال، له علاقة بجرائم تنظيم داعش، وكأني أنكشف مجدداً على الواقع المأساوي الذي وصلت إليه منظومتنا الفكرية، في شرقنا الدامي، وكأن التوتر الذي أصاب الواقع السياسي العربي قد شكل تلك الفئة الوحشية، بدلاً من أن يشكل منظومة أكثر وعياً.
في الأفق، ثمة أسئلة كثيرة محاطة بالغموض حول هذا التنظيم، لم نجد لها سوى الإجابات الهلامية غير الكافية لحل اللغز. داعش، ومنذ البداية، لم يكن مجرد رقم بين مجموعة متصارعة في الميدان السوري، بل تحول هذا التنظيم، بسرعة غامضة، إلى ظاهرة التفّ حولها شباب كثيرون فتحوا عقولهم لمنظومة فكرية فاسدة جداً، إنهم، باختصار، فئة متعطشة للعمل العسكري والقمعي، جيل لم يكن مغرماً بالشعر والأدب كما نحن، إنه جيل متعطش للقتل والسبي باسم الله والدين.
ببساطة أكثر، كان منهج داعش قريباً من وعي تلك الفئة المتعطشة للعمل الوحشي، وبالتالي، هؤلاء المضللون هم من كانوا الذريعة البشرية التي ساهمت بتكوين كيان هذا التنظيم.
أمس، كان معاذ الكساسبة الضحية، لكنه لم يكن الأول في قائمة ضحاياهم الطويلة والمضنية، ولا أعتقد أنه الأخير أيضاً، فسكينهم لم تجف بعد من ذبح الصحافي الياباني كينجي غوتو قبل أيام. كينجي الذي ترك زوجته وأطفاله، وهاجر إلى بلاد الموت، لينقل للعالم بكاميرته معاناة عجز الجميع عن تجسيدها، إنه من أولئك الذين ساندوا الثورة السورية، وفضحوا جرائم النظام السوري الإجرامي، والذي تعتبره داعش عدواً لها.
كان كينجي كافراً، لأنه قرر أن يترك زوجته وأطفاله، ليقاتل نيابة عن سورية في معركتها من أجل الحرية. كان كينجي كافراً عندما نجا من الموت مرات في سبيل الإنسانية، كافراً لأن قيمه النبيلة كانت كقيم الأطفال، إنسانية طاهرة ونقية. إنه كفر من نوع جديد، يحاكم عليه القَتَلة باسم الله ودينه. كينجي إنسان أكثر منّا جميعاً، دفع حياته ثمناً لقيم نحن أعجز من أن نفهم عمقها، لأننا، وببساطة، لا ننتمي لعالمه الإنساني الطيب، إننا ننتمي إلى كهوف الطائفية والعنصرية المظلمة.
أصر على أن داعش أقذر ظاهرة شهدتها، في حياتي، منذ أن بزغ وعيي، وسيظلون كذلك بوحشيتهم المطلقة، وجرمهم غير المحدود. إنهم، ببساطة، مرضى نفسيون تغيّبت فيهم القيم الأخلاقية، مرضى يحاربون الإنسانية بأيديهم الملطخة بدماء الأبرياء، بعيداً عن كل ما يتعلق بسماحة الدين.
 
داعش ليس القاتل الوحيد فحسب، فنحن قتلة أيضاً، لأننا لا ندرك كيف يمكن تصحيح منظومتنا الفكرية التي صنعت، وما زالت تصنع كل هذه الوحشية الحاضرة اليوم. نحن قتلة، لأننا نؤمن بالطائفية والحزبية أكثر من إيماننا بالتعددية والحرية، قتلة لأن كل قائد فينا هو مشروع ديكتاتور مؤجل، قاتل وطني، أو ربما إسلامي أو سلفي، قاتل حزبي أو طائفي، لا مشكلة إن تعددت المسميات. لكن، في النهاية، القتل واحد، لأن كل قاتل هو ابن منظومة فكرية قائمة على القهر والعنف.
ربما تكون المشكلة في جوهرها مشكلة العقل والفكر الذي تأسسنا عليه. أحدهم قال لي إن مدرّسه في المرحلة الثانوية يعتقد بصحة منهج داعش، ويحاول إقناع الطلاب بهذا الفكر المزيّف، حسناً قليلاً من الأفكار يزرعها أولئك، لنرى في ما بعد جيلاً ملطخاً بالدماء، يا إلهي إلى أين وصلنا.
التصحيح لا يكمن بالقضاء على داعش فحسب، التصحيح يبدأ من إعادة تشكيل الوعي الذي وصلنا إليه، التصحيح يبدأ من إدراك جوهر المشكلة التي ساهمت في ولادة التطرف في المجتمعات العربية، يبدأ من الاعتراف بخطيئة فكرنا المجنون، لأن التطرف الحزبي والطائفي يملأ عقول كثيرين منّا، إنها مشكلة ينبغي محاربتها حقاً.
الجوهر الحقيقي يكمن في القدرة الشفافة على تصحيح الذات، لندرك كيف نبتت فكرة القتل الوحشي في تربة هذا العقل، ما زلت أتساءل، بعد كل هذا العهر، أين هم أهل الوسطية وأصحاب السماحة الدينية، أين هم أهل الله الذين يقولون للقتلة والمجرمين، الدين ليس خنجراً أو سكيناً. الدين ليس شماعة، لتعلقوا عليها غسيلكم القذر، الدين هو قيم وسلوك، هو الإنسانية بقيمها النبيلة.
إذاً هل ستنتهي جرائمنا يا عرب؟ هل سيكون هناك بريء آخر، سيختطفه أولئك المرضى، ليمارسوا عليه وحشيتهم المطلقة باسم دين الله، أملاً في جنة واثنين وسبعين من الحور العين. إن الله لا يكافئ القتلة والمجرمين، بل يكافئ الإنسانيين النابضين بسماحة الحب والدين.

 

avata
avata
أحمد النبريص (فلسطين)
أحمد النبريص (فلسطين)