عن أردوغان، وبقية من الأخلاق في السياسة!

08 نوفمبر 2015
كان سهلًا ملاحظة تبدّل المزاج التركيّ تجاه السوريين (Getty)
+ الخط -
لا حصر للبشر الذين تسمّروا أمام الشاشات مساء الأحد الماضي، يترقّبون نتائج الانتخابات التركية، العرب منهم على وجه الخصوص! الإسلاميون كانت قلوبهم ترتجف على النموذج، أو القلعة الأخيرة، أن يلحقها طوفان الثورات المضادة، وآخرون كانوا يخشون على التجربة الديمقراطية الوحيدة التي تنتمي للمنطقة أن تنتكس، وتعود تركيا أشبه بجاراتها المنكوبة، وغيرهم كان يعضّ عليها الأنامل من الغيظ، ويتشوّق لسماع الأخبار السيئة عن أردوغان وحزبه!


وبعيدًا عن هؤلاء جميعًا، ودوافعهم الأيدولوجية أو السياسيّة، كان ثمة من يرى في نتائج الانتخابات تأثيرًا مصيريًا على حياته وحياة أطفاله! إنّهم اللاجئون السوريون في تركيا.

يصعبُ على كثيرين فهمُ الشباب السوريين الذين تدافعوا للرقص والدبكة، ليلة فوز حزب العدالة والتنمية، في "أكسراي" و "ويوسف باشا"، حيثُ تزخرُ تلك المنطقة بالسوريين ومطاعمهم ومقاهيهم، وكأنّ حزب العدالة والتنمية سيحرك الجيوش لتفتك بالأسد ونظامه، وتقضي على داعش ومليشياتها، وتعيد السوريين أعزّةً كرامًا إلى بلادهم!

الحقّ الذي يعلمه كلُّ أحد أن الحكومة المقبلة لن تفعل شيئًا من هذا، لكنّها على الأقلّ لن تسلّم رقاب السوريين لبشار الأسد بعد أن وجدوا في تركيا ملاذًا آمنًا! كما كان يتوعّدُ بعضُ السياسيين الأتراك!

كانت القضية السورية حاضرةً بقوّة في السباق الانتخابيّ التركيّ، وحاولت المعارضة اللعب بخُبثٍ على أوتارها المشدودة أصلًا، واستغلالَ تبدّل المزاج الشعبيّ نسبيًا من السوريين وقضيّتهم، وتراجع مستوى التعاطف معهم، لحصد أكبر قدرٍ من الأصوات ولو على حساب حياة لاجئين مشرّدين، خرجوا من بين حواجز الرعب، وبراميل الموت.

كان سهلًا ملاحظة تبدّل المزاج التركيّ تجاه السوريين، تسمعُ حواراتٍ تدور بين الناس عن إرهاق اللاجئين للبلد، وعن منافستهم للأتراك في الأعمال، بمهارتهم المعروفة، وأجورهم المنخفضة، عن غلاء أجرة البيوت، ورفض أصحابها تأجير الأجانب، خاصةً العرب، وبالأخص السوريين!

قبيل الفوز المُرّ في انتخابات حزيران، وخسارة حزب العدالة والتنمية لأغلبيته لأول مرة، كان نشوةُ أردوغان بفوزه الساحق في انتخابات الرئاسة تسيطرُ عليه، وكثيرًا ما كانت له مواقفُ وتصريحاتُ إعلاميّة استفزازيّة، لم يعُد لمثلها بعد الانتخابات، أو خفف منها كثيرًا على الأقلّ.

لكن ما أثار استغرابي حقيقةً هو أن أول نشاط ذي بال لأردوغان عقب تلك الانتخابات، كان الإفطار مع اللاجئين السوريين في مخيمات اللجوء على الحدود التركية السورية، في أول رحلةٍ داخليةٍ له بعد إعلان النتائج المؤلمة! أعلن أردوغان نيته الإفطار هناك قبل يومين، ثم رافقته التغطية الإعلامية خلاله، ثم بقيت أخبارُ رحلته يومًا آخر في الإعلام!

قلقتُ حقيقةً حين رأيتُ أردوغان لأول مرة بعد الانتخابات، تلتقطُ صوره بين اللاجئين السوريين، وخشيتُ عليه وعليهم، من أن يؤثر ذلك سلبًا في المزاج التّركيّ أكثر فأكثر تجاهه وتجاههم، لا أدري، ربّما بالغتُ، لكنّني لم أستبعد أن يُعلّق حاقدٌ ما، وما أكثرهم: "إذا تراجع تأييدُ شعبه له، فلعلّ له شعبًا آخر، يجدُ نفسه بين أبنائه"!

أعاد أردوغان فيما ظهر لي وزن كلامه وتصريحاته الإعلامية، وصار على ما يبدو أكثر حذرًا في المُدّة بين الاستحقاقين الانتخابيين، إلا موقفه من اللاجئين السوريين، فأعاد مرةً أخرى كلمته الأثيرة بحقّهم: "سنواصل معاملة إخوتنا السوريين معاملة الأنصار للمهاجرين"! ولم يُداهن في هذا الموضوع الناس، ولم يخضع لأمزجتهم، وكان هذا موقفًا أخلاقيًا كبيرًا في الحقيقة.

في عالمنا اليوم لا مكان للأخلاق قطّ في المواقف السياسية، وخاصةً أمام الاستحقاقات الانتخابية، وإزاء المزاج الشعبيّ قبيل حكم الصناديق، ولا أدّعي بحال أنّ الأخلاق تحكم السياسة الخارجيّة التركية، بل أعلمُ أنّها خلاف ذلك، غير أنّ مساحةً كبيرةً للأخلاق قد أتيحت فيما يتعلق بسياسة تركيا تجاه اللاجئين السوريين، وإصرارُ أردوغان على عدم المفاوضة بشأن هذه المساحة في أشهر الأزمة والاضطراب، هو موقفٌ أخلاقيّ يستحقُّ الفرحة به، في عالمٍ تجرّد ساستُه كليًا من المروءة والأخلاق.

(فلسطين)
المساهمون