عن "الفيروكلثومية"

25 ابريل 2015
+ الخط -
حين تسكنك الهزيمة، حين ترقص حول عينيك معاني الوجود الأليمة، حين تفقد كل شيء ولا يبقى لك سوى نفسك القلقة، فإن فيروز تحلق في سمائك حتماً، فرغم "أديش في ناس" إلا أنك تبقى وحيداً، على الرغم من الازدحام في عالم أصبح حد سكينه بارداً، وذبحه مؤلما، تبقى وحيداً تغني لوحدتك بين أقدام لاهثه وعيون زائغة، لا ترضى الرحيل. لهذا، ليس غريباً أن تكون مطربة المثقفين الأولى، لما للثقافة من حالة اغترابية عميقة تضرب بجذورها الرأسية، في رأس كل ما أحب الحرف، أو شقي به، كاتبا ومؤلفا لسلسلة العذابات اللامتناهية لبشرية حمقاء.
ولكن، على الرغم من أن فيروز هي من ملأت المساحة الغنائية، بعد رحيل كوكب الشرق "أم كلثوم"، أو سومة كما يقول العامة في مصر، أو أم كلتوم كما يقول الأخوة الشاميون، إلا أنها تبقى سلوى مؤقتة لكل باحث عن السعادة، ومفتش عن بسمة مختبئة وسط ركام الحزن المبعثر شرقا وغربا، كألوان رسام مبتدأ على لوحة بيضاء، لا يحسن ملء الفراغات فيها. ولكن، يبقى المساء عبقا بـ"ألف ليلة وليلة"، و"يا مسهرني" و"فكروني" لأشياء لا أريد أن أتذكرها، فتقاسما بالكلمات الراقية والنغم الشمس والقمر، وكانت القسمة أن فيروز صباحا تخرج مع طلعة الشمس الدافئة المطمئنة، أو حتى تلك النسمات التي تحمل الضوء خافتاً على استحياء في ظل برودة متسللة إلى عظام المهمّشين والمعذبين في الأرض، ونداءات الباعة على الطرقات على وقع صدى "رجعت الشتوية"، وأم كلثوم مساء مع لوعات الحيارى، ولحظات الهدوء، بعد ركض لاهث على لقمة العيش التي أجهدت بني البشر.
لا أستطيع أن أكون فيروزياً على طول المدى البعيد، أو كلثومياً عصياً على التفكيك، بل في مزجهما يخرج لون وشعاع يحيطانك بقوس قزح عربي وليد، بدأ في الانزواء سريعاً، هذه الأيام الرتيبة، وأضحى مسافرا بلا عودة على قضبان المرارة العربية المنكسرة. أنا فيروكلثومي أتنقل بينهم بلا جواز ولا تأشيرة، وبلا حدود طبيعية أو صناعية، كالتي وضعناها في بداية القرن المنصرم كنوع من الهروب، فماذا تكون أنت؟
084582EB-8CF9-47B4-AE60-4D4FD7EBB896
084582EB-8CF9-47B4-AE60-4D4FD7EBB896
عمر صقر (مصر)
عمر صقر (مصر)