مثلما كان هناك عصر نهضة أوروبي، كان لدينا عصر نهضة عربي، ولكن الأول نجح في إحداث انقلاب تاريخي مع القرن الخامس عشر، وفشل الثاني في تحقيق الأمر نفسه في القرن التاسع عشر.
لكن ذلك لا يرجع إلى أن النهضة العربية جاءت متأخرة أربعة قرون، فقد جاءت بعدها بقليل نهضة اليابان العجيبة الناجحة، بل لأن وسائل النهضة اختلفت بين التجربتين. فالأوروبية أعادت اكتشاف المؤلفات العلمية والأدبية المنسية في مكتبات الأديرة والكنائس، ونسختها وترجمتها ودرستها بحماس.
أعادت النهضة إلى أوروبا ما فقدته خلال قرون طويلة مظلمة، أي حب الحياة والتفاؤل والرغبة العارمة في اكتشاف الجديد في العلم والأرض والفضاء، بينما حشدت نهضة العرب مكتباتها بالمؤلفات ذات الطابع الأدبي من شعر ونحو وصرف، ولم تكتشف عناصر الإحياء والنهوض الحقيقية؛ كتب العلم والفلسفة الحضارية، كتب الحسن ابن الهيثم، عالم البصريات، وكتب ابن خلدون عالم الاجتماع والعمران البشري، وكتب ابن رشد العقلاني.
وكان من الطبيعي ألا تثمر حركة نهضة، تفتقر إلى ما يدفع إلى الانبعاث الروحي والمادي. والمفارقة أن ما أهملته عقول ومكتبات النهضة العربية هو ذاته ما سيكون أحد عناصر إحياء ونهضة في أوروبا، أي العلوم والفلسفات العربية التي كان لها تأثير عميق على أبرز رجال النهضة الأوروبية؛ على ديكارت وبيكون وكوبرنيكوس .. ومن تبعهم.