واللافت أنه في الوقت ذاته تبيّن أن وزير الخارجية مايك بومبيو، أعرب في لقاء خاص قبل أيام عن صعوبة تمرير "الصفقة" العتيدة بسبب انحيازها الفاقع لإسرائيل. تضارب أثار الاهتمام، وخصوصاً أن الوزير معزول أصلاً عن هذا الملف. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ دخوله على خط "الصفقة" قد ترافق مع تلميحات حول احتمال قيام إسرائيل بضم أراضي المستوطنات في الضفة الغربية "وخطة تعامل الإدارة" مع مثل هذا التطور لو حصل.
في حديثه، بقي كوشنر في حدود مقاربته التجارية الساذجة للقضية وكيفية حلها ولو أنه خرج عن المألوف ولأول مرة في إشارته إلى "حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم". لكنه تبين أنه خروج لفظي بغرض الترويج، إذ سرعان ما عمل على تجويفه من خلال التلميح بأن الفلسطينيين غير قادرين الآن على حكم أنفسهم. في اعتقاده، وكأنه متمرس في شؤون الحكم، فإنهم "يمكن أن يصبحوا قادرين على الحكم مع مرور الوقت"، من غير أن يفصح عن طبيعة الحكم الذي يتصوره.
لكن حتى لا يقع التباس، سارع كوشنر إلى وضع الأمور في نصابها. ففي رده على سؤال عمّا إذا كان يتوقع حصول الفلسطينيين على الحرية من أي حكومة إسرائيلية، قال "هذا شيء كثير لأنه ليس هناك (لدى الفلسطينيين) بناء حكومي سليم ولا وضع أمني يمكن الركون إليه. وهذا وضع يضر بهم". فهو يطالبهم بامتلاك مؤسسات الدولة قبل قيامها، علماً بأن واشنطن تعترف بكافة أطيافها السياسية ومنها أنصار إسرائيل، بأن التعاون الأمني مع الجانب الفلسطيني في الضفة الغربية على أفضل ما يرام.
لكن كوشنر الذي لا يرى في المشكلة أكثر من نزاع حول ملكية عقار، يعرف ما سبق وقاله وزير الخارجية الأسبق هنري كيسنجر مرة بأنه "لن تقدم أي حكومة إسرائيلية على القبول بدولة فلسطينية". بل هو مؤمن بهذا الموقف ومؤيد له، وإشارته إلى "حق تقرير المصير"، لا تعدو كونها صدى لهذه القناعة التي يعمل على ترجمتها بصفقة بيع تجمع بين حكم إداري ذاتي وبين بحبوحة اقتصادية من "ورشة البحرين" التي يجري نفخ نعيمها الموعود.
لكن فضح هذه الأوهام جاء من داخل البيت، الوزير بومبيو كان قد التقى، يوم الثلاثاء الماضي، بهيئة رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية الكبرى، التي تضم حوالي 52 منها، في مقر الهيئة في نيويورك. اجتماعه المغلق معهم أثار تساؤلات حول الدواعي التي حملت الوزير على الذهاب إلى نيويورك والحرص على عقده بعيداً عن الأضواء. لكن التكتم من هذا النوع لا يصمد بالنهاية أمام محاولات النبش والتسريب التي مررت لصحيفة "واشنطن بوست"، معلومات عن موضوع الاجتماع وما دار خلاله. فقد ذكرت أن بومبيو وضع الحاضرين في جوّ مفاده بأن صفقة كوشنر "غير قابلة للتنفيذ" وأنها "قد لا تمرّ". والسبب أن "هناك من يراها منحازة"، حسب المعلومات.
ونسبت "واشنطن بوست" إلى رئيس هيئة المنظمات قوله إن "الوزير لم يقدم لنا وجهة نظره حول الصفقة بل وضعنا في جو المزاعم التي تتحدث عن انحياز الصفقة لإسرائيل". فذلكة غير متماسكة، إذ لو كانت المسألة مجرد مزاعم فقط، لما تطلب الأمر عقد مثل هذا الاجتماع. الاعتقاد في ضوء ما لمحت إليه الصحيفة في تقريرها يفيد بأن حديث بومبيو في اللقاء دار حول التوجه الإسرائيلي لضم أراضي المستوطنات وربما حث القيادات اليهودية على ممارسة نفوذها لحمل تل أبيب على عدم الإقدام على مثل هذه الخطوة في الوقت الراهن. والاعتقاد الراجح أن البيت الأبيض كان وراء فكرة الاجتماع وتكليف الوزير بها وهو البعيد أو المبعد من الأساس عن الملف الفلسطيني – الإسرائيلي.
هل في هذا إشارة إلى بداية انتقال الموضوع إلى وزارته بعد الانسداد المتواصل لـ"صفقة القرن المقبل" على حد تعبير أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية صائب عريقات؟