عندما يدعو ملك المغرب الجزائر إلى الحوار
بلال التليدي
دعا ملك المغرب، محمد السادس، الجزائر إلى حوار مباشر، لطي صفحة الخلافات الثنائية وفتح الحدود وإطلاق دينامية جديدة للاتحاد المغاربي الذي تعطلت أجهزته. واختار المغرب بدقة توقيت هذه الدعوة ومضمونها، فقد جاءت شهرا قبل انطلاق المفاوضات المباشرة بشأن الصحراء التي سترعاها الأمم المتحدة، وستشارك فيها الجزائر طرفا. وتنزع هذه الدعوة من الجزائر الورقة الاشتراطية التي كانت دائما تتذرع بها لتبرير قرارها منع فتح الحدود البرية وتطوير العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، فقد عبّر الملك محمد السادس عن انفتاح بلده على كل المقترحات الجزائرية، مقترحا وضع آلية للحوار السياسي المباشر بشأنها، ما يعني قابليةً لمناقشة كل الاشتراطات الجزائرية، سواء منها ما يتعلق بمحاربة المخدرات، أو ما يرتبط بتسوية مخلفات قرار الرباط إغلاق الحدود على خلفية الاستهداف الإرهابي في فندق في مراكش، في العام 1994، واتهم الجزائر بالوقوف وراءه.
والمثير في الدعوة أنها جعلت الجزائر في وضعيةٍ صعبة، ضيقت أمامها خيارات عدم التفاعل الإيجابي معها، فقد أبدى المغرب، في الدعوة نفسها، رغبته في التنسيق الأمني مع الجزائر، لمواجهة الإرهاب والهجرة السرية والجرائم العابرة للحدود، كما أبدى رغبته في تعزيز التعاون من أجل التنمية في دول المنطقة، متجاوبا بذلك مع تقييم الأمين العام للأمم المتحدة التحديات التي تواجهها المنطقة، والتي تتطلب، بحسب التقدير الأممي، تسوية مشكل نزاع الصحراء، وتعزيز التنسيق الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية، فضلا عن إعادة إحياء الاتحاد المغاربي، وتعزيز التعاون بين دول المنطقة لإيجاد فرص التنمية فيها، أي أن الجزائر وضعت بين حرجين: الأول، بنزع ورقة الاشتراطات من بين يديها، والثاني، بوضعها أمام مسؤوليتها تجاه الأمم المتحدة، واختبار جدّيتها وصدقيتها في الحوار السياسي، وأيضا في مواجهة التحدّيات التي تواجه المنطقة.
الواقع أن الوضع السياسي في الجزائر لا يشجع كثيرا على الانخراط في هذا الحوار، فالحالة
الصحية للرئيس عبد العزيز بوتفليقة تلقي بظلال من الغموض على الوضع السياسي، فلا يدري أحدٌ، على وجه التحديد، الجهة التي تمارس الحكم، وسط حديثٍ عن استثمار اللحظة لإنتاج قرارات غير شعبية، والتخفي وراء حالة الرئيس الصحية.
من هذه الزاوية، قد تحظى دعوة الملك محمد السادس بدعم من قوى المعارضة السياسية في الجزائر، والتي سترى أنه أبدى المرونة الكاملة في تجاوز عقبة الخلاف، ودعا إلى حوار سياسي مباشر وواضح، ومن غير قيد أو شرط، وسترى القوى نفسها أيضا أن الظرفية مناسبة لإحراج الجهة المتخفية وراء الحالة الصحية للرئيس بوتفليقة، إذ سيترتب عن هذه الدعوة خروجها إلى العلن، وإظهارها حقيقة موقفها، وما إذا كانت ستستمر في اختلاق الذرائع للالتفاف على الدعوة، أم تعبر عن المصالح العليا للدولة الجزائرية؟
في الحالة الأولى، أي حالة مجرد اختلاق الذرائع، ستساهم دعوة الملك محمد السادس إلى الحوار المباشر الواضح مع الجزائر في إيجاد فرز سياسي حاد ضد السلطة السياسية، إذ سيترتب عن ذلك تضييق الخناق عليها، ومطالبتها بتفسير موقفها المعاند، بل وتبرير تمايز موقفها عن موقف الرئيس بوتفليقة الذي تم التعبير عنه بالاشتراطات السابقة.
أما في الحالة الثانية، أي حالة تعبيرها عن المصالح العليا للدولة الجزائرية، فلن تجد هذه الجهات أي عائقٍ يمنعها من التفاعل الإيجابي مع دعوة ملك المغرب، بل ستصب هذه الدعوة في صالحها، ويمكن أن تحوّلها إلى انتصار إعلامي وسياسي للجزائر، يتم التعبير عنه في وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية والشعبية، ما دام المغرب في نهاية المطاف، حسب هذا التقدير، اختار الرضوخ لاشتراطات الجزائر، بقبوله مناقشة الاقتراحات الجزائرية.
إلى كتابة هذه السطور، لغة الصمت هي السائدة، ولم تظهر في عناوين الصحف الجزائرية، فضلا عن قنوات إعلامها الرسمي، أي تعابير تنتشي بانتصار الدبلوماسية الجزائرية ونجاحها في أن يرضخ المغرب لشروطها. وكل ما في الأمر، تعبيرات من قوى ورموز معارضة تثمن دعوة الملك محمد السادس، وترى أن الفرصة حانت فعلا لطي صفحة الخلاف غير المجدي بين بلدين تجمعها أكثر من علاقات الجوار.
لا معنى للتأخر في الرد الجزائري على دعوة الملك محمد السادس، سوى أنها وضعت في
منطقة الحرج، وأن الزمن والمضمون والشكل الوارد في الدعوة، لم تترك لها خياراتٍ كافيةً للاستمرار في موقف التلكؤ، وأنها توجد في معادلةٍ صعبة، تعجز فيها عن التفاعل الإيجابي الفوري، وفي الوقت نفسه، يصعب عليها إنتاج شروط جديدة، أو حتى التخفّي وراء الرئيس التي لا تعرف على وجه التحديد حالته الصحية.
التقدير أن شروط السياسة في الجزائر لن تدفعها بالتأكيد إلى التجاوب الكلي مع الدعوة، لأن المستفيد الأكبر منها، حسب التقدير الجزائري، سيكون هو المغرب. وفي المقابل، سيصير استمرار الموقف السابق للجزائر مكلفا، إذ سيتطلب منها البحث عن جوابٍ يبدو، في الظاهر، متفاعلا مع الدعوة. وفي واقع الأمر، واضعا شروطا للنيات الحسنة، يأخذ اختبارها مدى من الزمن، يكون كافيا لإنتاج ديناميات سياسية ودبلوماسية على الأرض، تزعج الموقف المغربي في قضية وحدته الترابية، ويصير الأمر، في الواقع، أشبه ما يكون خطة إثبات عدم جدية المغرب في دعوته، وعجزه عن تقويتها، وعدم مصداقية انفتاحه على كل القضايا.
في نهاية المطاف، سيؤول تركيب السيناريوهات المتقابلة في مخرجاته إلى أحد مآلين: كسب سياسي وإعلامي ودبلوماسي للمغرب، في حالة تلكؤ الجزائر عن التجاوب مع دعوة الملك محمد السادس، أو الدخول في منعطفات مقدمات، وضمانات للحوار المباشر، مشوبة بالحذر والاحتياط، مع توقع دينامياتٍ منتجةٍ للتوتر، تعصف بالدعوة، وتضع أحد الطرفين في الحرج. .. المآل الثالث المتفائل هو ما تتطلع إليه شعوب المنطقة، لكن مبشّراته ومؤشراته غير متوفرة إلى حد الساعة، إلا إن حدث المستحيل، ووقع انقلابٌ دال في العقيدة الجزائرية المؤطرة لسياستها الخارجية تجاه المغرب.
والمثير في الدعوة أنها جعلت الجزائر في وضعيةٍ صعبة، ضيقت أمامها خيارات عدم التفاعل الإيجابي معها، فقد أبدى المغرب، في الدعوة نفسها، رغبته في التنسيق الأمني مع الجزائر، لمواجهة الإرهاب والهجرة السرية والجرائم العابرة للحدود، كما أبدى رغبته في تعزيز التعاون من أجل التنمية في دول المنطقة، متجاوبا بذلك مع تقييم الأمين العام للأمم المتحدة التحديات التي تواجهها المنطقة، والتي تتطلب، بحسب التقدير الأممي، تسوية مشكل نزاع الصحراء، وتعزيز التنسيق الإقليمي لمواجهة التحديات الأمنية، فضلا عن إعادة إحياء الاتحاد المغاربي، وتعزيز التعاون بين دول المنطقة لإيجاد فرص التنمية فيها، أي أن الجزائر وضعت بين حرجين: الأول، بنزع ورقة الاشتراطات من بين يديها، والثاني، بوضعها أمام مسؤوليتها تجاه الأمم المتحدة، واختبار جدّيتها وصدقيتها في الحوار السياسي، وأيضا في مواجهة التحدّيات التي تواجه المنطقة.
الواقع أن الوضع السياسي في الجزائر لا يشجع كثيرا على الانخراط في هذا الحوار، فالحالة
من هذه الزاوية، قد تحظى دعوة الملك محمد السادس بدعم من قوى المعارضة السياسية في الجزائر، والتي سترى أنه أبدى المرونة الكاملة في تجاوز عقبة الخلاف، ودعا إلى حوار سياسي مباشر وواضح، ومن غير قيد أو شرط، وسترى القوى نفسها أيضا أن الظرفية مناسبة لإحراج الجهة المتخفية وراء الحالة الصحية للرئيس بوتفليقة، إذ سيترتب عن هذه الدعوة خروجها إلى العلن، وإظهارها حقيقة موقفها، وما إذا كانت ستستمر في اختلاق الذرائع للالتفاف على الدعوة، أم تعبر عن المصالح العليا للدولة الجزائرية؟
في الحالة الأولى، أي حالة مجرد اختلاق الذرائع، ستساهم دعوة الملك محمد السادس إلى الحوار المباشر الواضح مع الجزائر في إيجاد فرز سياسي حاد ضد السلطة السياسية، إذ سيترتب عن ذلك تضييق الخناق عليها، ومطالبتها بتفسير موقفها المعاند، بل وتبرير تمايز موقفها عن موقف الرئيس بوتفليقة الذي تم التعبير عنه بالاشتراطات السابقة.
أما في الحالة الثانية، أي حالة تعبيرها عن المصالح العليا للدولة الجزائرية، فلن تجد هذه الجهات أي عائقٍ يمنعها من التفاعل الإيجابي مع دعوة ملك المغرب، بل ستصب هذه الدعوة في صالحها، ويمكن أن تحوّلها إلى انتصار إعلامي وسياسي للجزائر، يتم التعبير عنه في وسائل الإعلام الجزائرية الرسمية والشعبية، ما دام المغرب في نهاية المطاف، حسب هذا التقدير، اختار الرضوخ لاشتراطات الجزائر، بقبوله مناقشة الاقتراحات الجزائرية.
إلى كتابة هذه السطور، لغة الصمت هي السائدة، ولم تظهر في عناوين الصحف الجزائرية، فضلا عن قنوات إعلامها الرسمي، أي تعابير تنتشي بانتصار الدبلوماسية الجزائرية ونجاحها في أن يرضخ المغرب لشروطها. وكل ما في الأمر، تعبيرات من قوى ورموز معارضة تثمن دعوة الملك محمد السادس، وترى أن الفرصة حانت فعلا لطي صفحة الخلاف غير المجدي بين بلدين تجمعها أكثر من علاقات الجوار.
لا معنى للتأخر في الرد الجزائري على دعوة الملك محمد السادس، سوى أنها وضعت في
التقدير أن شروط السياسة في الجزائر لن تدفعها بالتأكيد إلى التجاوب الكلي مع الدعوة، لأن المستفيد الأكبر منها، حسب التقدير الجزائري، سيكون هو المغرب. وفي المقابل، سيصير استمرار الموقف السابق للجزائر مكلفا، إذ سيتطلب منها البحث عن جوابٍ يبدو، في الظاهر، متفاعلا مع الدعوة. وفي واقع الأمر، واضعا شروطا للنيات الحسنة، يأخذ اختبارها مدى من الزمن، يكون كافيا لإنتاج ديناميات سياسية ودبلوماسية على الأرض، تزعج الموقف المغربي في قضية وحدته الترابية، ويصير الأمر، في الواقع، أشبه ما يكون خطة إثبات عدم جدية المغرب في دعوته، وعجزه عن تقويتها، وعدم مصداقية انفتاحه على كل القضايا.
في نهاية المطاف، سيؤول تركيب السيناريوهات المتقابلة في مخرجاته إلى أحد مآلين: كسب سياسي وإعلامي ودبلوماسي للمغرب، في حالة تلكؤ الجزائر عن التجاوب مع دعوة الملك محمد السادس، أو الدخول في منعطفات مقدمات، وضمانات للحوار المباشر، مشوبة بالحذر والاحتياط، مع توقع دينامياتٍ منتجةٍ للتوتر، تعصف بالدعوة، وتضع أحد الطرفين في الحرج. .. المآل الثالث المتفائل هو ما تتطلع إليه شعوب المنطقة، لكن مبشّراته ومؤشراته غير متوفرة إلى حد الساعة، إلا إن حدث المستحيل، ووقع انقلابٌ دال في العقيدة الجزائرية المؤطرة لسياستها الخارجية تجاه المغرب.