01 يناير 2024
عندما يبني السيسي جداراً فاصلاً مع غزة
شرعت السلطات المصرية، منتصف فبراير/ شباط الحالي، في بناء جدار حدودي فاصل مع غزة يمتد على 16 كلم تقريباً، بارتفاع ستة أمتار وبعمق ثلاثة إلى خمسة أمتار تحت سطح الأرض. ويأتي هذا الجدار على الرغم من تأسيس النظام المصري منطقة عازلة في مدينة رفح في شمال سيناء بعمق 500 متر، سرعان ما توسّعت ثلاثة أضعاف، أي إلى 1500 متر على طول الحدود المصرية مع القطاع، مع الانتباه إلى أن المنطقة الممتدة حتى مدينة العريش في شمال سيناء، أي بعمق 40 كلم، باتت مدمّرة أو شبه مدمرة، مع اتباع النظام سياسة الأرض المحروقة بحق البشر والحجر، بذريعة محاربة تنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
تبدو خطوة نظام السيسي مفاجئة، ولو من حيث الشكل فقط، قياساً إلى تحسّن العلاقة مع حركة حماس، وحفظ سلطة غزة الأمن على الحدود، ومنع أي تنقل للمسلحين عبرها، مع إشادة مصرية بجهود الحركة وسلطتها وتأثيرها، على الرغم من حيادها الإيجابي في المعركة ضد "داعش" في سيناء، إلا أنه في الجوهر، ونظراً لطبيعة النظام السيساوي البوليسي الاستبدادي، المتحالف مع إسرائيل، لا شيء مفاجئا أو مستغربا.
بداية، من حيث المبدأ، فإن الجدار عادة تعبير فج عن العنصرية، حتى إننا نسمّي الجدار
الإسرائيلي في الضفة الغربية جدار الفصل العنصري، وهو نفسه ما يفعله الآن الرئيس الأميركي، ترامب، تجاه المكسيك، مستلهماً أساساً التجربة الإسرائيلية سيئة الصيت، علماً أن النظام الجنوب أفريقي البائد أحاط معازل الفصل العنصري لمواطنيه السود بجدران وحواجز ومناطق آمنة.
ويعبر الجدار كذلك عن الذهنية الاستبدادية القمعية للنظام المصري الذي يعتمد القوة الغاشمة تجاه مواطنيه وجيرانه، بدلاً من سياسة الانفتاح والتواصل والحدود المفتوحة، وهو يعتمد الحلول الأمنية والتباعد والجدران في علاقاته مع محيطه، باستثناء إسرائيل التي يقيم علاقات تحالف دافئة معها على كل المستويات، السياسية الاقتصادية والأمنية، على الرغم من أنها أقامت جدارا أمنيا معه بحجة حماية نفسها من تدفق اللاجئين الأفارقة، إضافة إلى حجج أمنية واقتصادية أخرى.
إلى ذلك، وعلى الرغم من الغطرسة الكلامية لنظام السيسي، وادعاء القوة وامتلاك غواصات وطائرات ترسانة حربية تقليدية هائلة، إضافة إلى مساعدات إسرائيلية أمنية وعسكرية، خفية وعلنية، إلا أن فكرة الجدار تحمل، في طياتها، دليلاً على عجزه عن حماية نفسه وحدوده، مع العلم أن لا خطر جدّيا من غزة، وإذا ما وجدت حالات استثنائية، فهي تبقى هامشية معزولة، ولا يمكن تعميمها أو استخدامها، للقول إن ثمّة خطرا قادما من غزة على سيناء ومصر بشكل عام.
يعبر الجدار في العمق كذلك عن النظرة العدائية غير المبرّرة من نظام السيسي تجاه غزة، على الرغم من اليقين من عدم تشكيلها تهديداً جدّياً عليه، أو على الأمن القومي المصري بالمعنى الواسع. كما أن النظام يعي، من جهة أخرى، أن غزة، وحركة حماس تحديداً، بتبنيها خيار المقاومة، ومواقفها الثابتة ضد الاحتلال الإسرائيلي، لا يمكن أن تكون حليفا له، كما الساحة الفلسطينية بشكل عام، علماً أن العلاقة ظلت متوترة دائماً مع السلطة في رام الله التي تعتبر نظام السيسي العرّاب المركزي لصفقة القرن، وأنه أقرب إلى إسرائيل ومواقفها وتصوراتها منه إلى المواقف الحقوق والمطالب الفلسطينية العادلة.
ويمثل الجدار تعبيرا عن حصار السيسي غزة الذي يأخد عدة تجليات وأبعاد، منها إغلاق معبر رفح بشكل تام سنوات، ثم فتحه يومياً بشكل ظاهري، ولكن بمرور عدد قليل ومحدود من المسافرين، وبوتيرة عمله السابقة، مع رحلة معاناة وتنكيل بهم في طريقهم عبر الأراضي المصرية نحو العالم الخارجي. هذا إضافة إلى الحصار البحري الذي تشارك فيه بحرية النظام إلى جانب بحرية الاحتلال، والآن سيكرس الجدار الجديد حصار غزة الشامل الذي تورّط فيه النظام دائماً إلى جانب إسرائيل، كما قالت الأمم المتحدة في تقرير شهير لها في العام 2015، قبل أن ينضم له الرئيس الفلسطيني محمود عباس للأسف، ليصبح الحصار ثلاثيا، مع استثناءات تثبت القاعدة، ولا تنفيها.
من جهة أخرى فكرية وسياسية ربما، يمثل الجدار السيساوي، في الشكل والمضمون، تماهياً مع
سياسة الجدر الإسرائيلية المتبعة تجاه الفلسطينيين والعرب بشكل عام، كما مع مثيله الذي أقامه الاحتلال حول غزة، وحتى على الحدود المصرية نفسها، والذي يتباهى رئيس حكومة الاحتلال، نتنياهو، به دائماً، ويكاد يمثل جدار السيسي أصلاً امتداداً له، كونه سيتصل عملياً وجغرافياً في مثلث رفح البحري بين غزة ومصر وإسرائيل مع الجدار الذي أقامه الاحتلال لحصار غزة، وفرض مزيد من الضغوط عليها.
وثمّة علاقة بين جدار السيسي وصفقة القرن الذي يعتبر النظام عرّابها الإقليمي المركزي، والهدف فرض مزيد من الضغط على غزة، من أجل إضعافها وإشغالها بنفسها ومنعها من المقاومة ضد الصفقة والاحتلال، من ثم يكون تخفيف للحصار بعد ذلك، عبر فتح بوابات الجدار تجاه مصر، علما أن الشق الاقتصادي من "صفقة القرن" تضمن تخصيص سبعة مليارات دولار تقريباً للنظام، لإقامة مشاريع إنمائية وبنى تحتية في سيناء، يفترض أن تخدم غزة وأهلها، لإبعادهم عن الضفة الغربية وفلسطين بشكل عام.
عموماً وباختصار، يعبر جدار النظام الفاصل مع غزة شكلاً ومضموناً عن تماهي الجنرال السيسي التام مع السياسة الأميركية الإسرائيلية ضد غزة وفلسطين، والمنطقة بشكل عام. ومن هذه الزاوية، يمكن وضع هذا الرجل المستبد في السلة نفسها مع ترامب ونتنياهو فكرياً وسياسياً، وإجرامياً أيضاً.
بداية، من حيث المبدأ، فإن الجدار عادة تعبير فج عن العنصرية، حتى إننا نسمّي الجدار
ويعبر الجدار كذلك عن الذهنية الاستبدادية القمعية للنظام المصري الذي يعتمد القوة الغاشمة تجاه مواطنيه وجيرانه، بدلاً من سياسة الانفتاح والتواصل والحدود المفتوحة، وهو يعتمد الحلول الأمنية والتباعد والجدران في علاقاته مع محيطه، باستثناء إسرائيل التي يقيم علاقات تحالف دافئة معها على كل المستويات، السياسية الاقتصادية والأمنية، على الرغم من أنها أقامت جدارا أمنيا معه بحجة حماية نفسها من تدفق اللاجئين الأفارقة، إضافة إلى حجج أمنية واقتصادية أخرى.
إلى ذلك، وعلى الرغم من الغطرسة الكلامية لنظام السيسي، وادعاء القوة وامتلاك غواصات وطائرات ترسانة حربية تقليدية هائلة، إضافة إلى مساعدات إسرائيلية أمنية وعسكرية، خفية وعلنية، إلا أن فكرة الجدار تحمل، في طياتها، دليلاً على عجزه عن حماية نفسه وحدوده، مع العلم أن لا خطر جدّيا من غزة، وإذا ما وجدت حالات استثنائية، فهي تبقى هامشية معزولة، ولا يمكن تعميمها أو استخدامها، للقول إن ثمّة خطرا قادما من غزة على سيناء ومصر بشكل عام.
يعبر الجدار في العمق كذلك عن النظرة العدائية غير المبرّرة من نظام السيسي تجاه غزة، على الرغم من اليقين من عدم تشكيلها تهديداً جدّياً عليه، أو على الأمن القومي المصري بالمعنى الواسع. كما أن النظام يعي، من جهة أخرى، أن غزة، وحركة حماس تحديداً، بتبنيها خيار المقاومة، ومواقفها الثابتة ضد الاحتلال الإسرائيلي، لا يمكن أن تكون حليفا له، كما الساحة الفلسطينية بشكل عام، علماً أن العلاقة ظلت متوترة دائماً مع السلطة في رام الله التي تعتبر نظام السيسي العرّاب المركزي لصفقة القرن، وأنه أقرب إلى إسرائيل ومواقفها وتصوراتها منه إلى المواقف الحقوق والمطالب الفلسطينية العادلة.
ويمثل الجدار تعبيرا عن حصار السيسي غزة الذي يأخد عدة تجليات وأبعاد، منها إغلاق معبر رفح بشكل تام سنوات، ثم فتحه يومياً بشكل ظاهري، ولكن بمرور عدد قليل ومحدود من المسافرين، وبوتيرة عمله السابقة، مع رحلة معاناة وتنكيل بهم في طريقهم عبر الأراضي المصرية نحو العالم الخارجي. هذا إضافة إلى الحصار البحري الذي تشارك فيه بحرية النظام إلى جانب بحرية الاحتلال، والآن سيكرس الجدار الجديد حصار غزة الشامل الذي تورّط فيه النظام دائماً إلى جانب إسرائيل، كما قالت الأمم المتحدة في تقرير شهير لها في العام 2015، قبل أن ينضم له الرئيس الفلسطيني محمود عباس للأسف، ليصبح الحصار ثلاثيا، مع استثناءات تثبت القاعدة، ولا تنفيها.
من جهة أخرى فكرية وسياسية ربما، يمثل الجدار السيساوي، في الشكل والمضمون، تماهياً مع
وثمّة علاقة بين جدار السيسي وصفقة القرن الذي يعتبر النظام عرّابها الإقليمي المركزي، والهدف فرض مزيد من الضغط على غزة، من أجل إضعافها وإشغالها بنفسها ومنعها من المقاومة ضد الصفقة والاحتلال، من ثم يكون تخفيف للحصار بعد ذلك، عبر فتح بوابات الجدار تجاه مصر، علما أن الشق الاقتصادي من "صفقة القرن" تضمن تخصيص سبعة مليارات دولار تقريباً للنظام، لإقامة مشاريع إنمائية وبنى تحتية في سيناء، يفترض أن تخدم غزة وأهلها، لإبعادهم عن الضفة الغربية وفلسطين بشكل عام.
عموماً وباختصار، يعبر جدار النظام الفاصل مع غزة شكلاً ومضموناً عن تماهي الجنرال السيسي التام مع السياسة الأميركية الإسرائيلية ضد غزة وفلسطين، والمنطقة بشكل عام. ومن هذه الزاوية، يمكن وضع هذا الرجل المستبد في السلة نفسها مع ترامب ونتنياهو فكرياً وسياسياً، وإجرامياً أيضاً.