ينظر لنفسه في المرآة فيجد نفسه شخصا خارقا، فالكثير يطيعونه، بل ويقدسونه، فهو من يمتلك السلاح، ويصفونه بألقاب لا يوجد لها مثيل، فهناك من يصفه بالنبي، والأسد، والقائد، وكيف لا، فهو من يمتلك جنة ونارا محيط قطعة الـرض التي يحكمها، لا يهمه من يموت أو يقتل بين الحين والآخر فهم إما خونة، أو يدفعون فاتورة حربه التي صنعها وجاء من أجلها، فالمهم هو كرسيه وفقط، ونسي أن هناك من لا ولن يصمت.
وستظل أسوأ اللحظات في تاريخ مصر وفي الوطن العربي هي قبولنا بالحكم العسكري، وكأن ليس هناك من يتعلم من دروس الماضي، أو يقرأ التاريخ ويرى ما وصلت إليه الدولة المصرية بعد حكم عسكري دام لأكثر من 60 عاما، أو حتى للدول الأخرى التي حكمتها قيادات الجيش ودخول قوة السلاح في منطق من يحكم، فالقائد العسكري الذي تعود داخل المؤسسة العسكرية أن الجميع يطيعون أوامره، حتى لو كانت مستحيلة، ومن لا يطيعه يصبح خائنا ويمكن أن يتم سجنه أو إعدامه لا يقبل أن يناقشه أحد، فهذا هو منطق القادة العسكريين في حكمهم داخل المؤسسة العسكرية، وهو ما ينتقل معهم عندما ينتقلون إلى السلطة.
بخطي ثابتة ومتسارعة يسير عبد الفتاح السيسي ومن معه إلى السيناريو الأعنف في تاريخ مصر، ظنا منهم أن قوة السلاح والعنف والقتل والقمع ضد الأبرياء وإغلاق منافذ الحياة السياسية لمعارضيه ستجعله الحاكم بأمره فقط لا غير، وتناسى السيسي أن العنف دائما ما يؤدي إلى عنف، وأن القتل سيقابله قتل مثله، وإن ما حدث في سورية والعراق وليبيا واليمن وفي جميع الدول التي يتغنى أنه يحمي الشعب من مآلاتها، ولدت من رحم عنف السلطة وبنفس التفكير والمنطق الذي يفكر به منطق الحكم العسكري، الذي لا يؤمن إلا أن الأمر مقابله طاعة عمياء، وأن عدم تنفيذ أوامر القيادات العسكرية هو خيانة.
فأوروبا والدول المتقدمة تعلمت من خطورة دخول الجنرالات في عالم السياسة، واتعظت مما حدث في الحربين العالميتين، وسقوط ملايين الضحايا بسبب أطماع العسكريين التي لا تتوقف.
سورية لم تتدخل هذا السيناريو إلا بنفس خطى السيسي، فبعد انقلاب حافظ الأسد على نور الدين الأتاسي واستيلائه على السلطة وضربه معارضيه بالطائرات، ثم تسليم السلطة لابنه بشار بعد تغيير الدستور من أجل سنه الصغيرة، سارت سورية إلي ذلك السيناريو العنيف بعد أن ظل أكثر من 6 أشهر يعتدي على تظاهرات الشعب السوري السلمية، وقتل الآلاف هناك حتى بدأ يحدث انفصال داخل الجيش نفسه، بسبب العنف غير المبرر، ورأى الكثيرون أن السلاح هو الحل في الدفاع عن أنفسهم.
وفي ليبيا كان الوضع قريب من ذلك، فبعد انقلاب معمر القذافي، بدأ في حكمه القمعي، حتى اندلعت ثورة 17 فبراير وظل يواجهها لمدة أشهر طويلة بالعنف حتى دخلت في سيناريو عنيف أدى إلى مقتله في النهاية.
أما العراق الدولة التي كانت تمتلك أحد أقوى الجيوش العربية، فقد أدت به أطماع صدام حسين التي قادته لدخول مواجهات كثيرة، وانتهت باحتلال الكويت واشتعال حرب الخليج واستخدام ما حدث ذريعة لكي تحتل أميركا العراق. ولم تكن اليمن أفضل حالا مع علي عبد الله صالح وقبضته الإجرامية.
الحقيقة المرة التي يرفض الجنرالات العسكريون، أن يعترفوا بها، أنهم هم المسؤولون عن تدمير دولهم، مستغلين عقيدة الجيوش في الأمر والطاعة لمصالحهم الخاصة، ويريدون أن يجعلوا الشعوب التي تطالب بحريتها شماعة لما يحدث دائما تحت بند المؤامرات.
فتجربة حكم السيسي بعد انقلابه العسكري على ثورة يناير، أوصلت مصر إلى سقوط الدولة في براثن العنف نتيجة إرهاب الدولة للمواطنين واستخدام كل الوسائل القمعية من أجل أن يبقي هو ومن معه في السلطة، فالجنرال الذي يظن أن قوة السلاح ستستمر طويلا، مخطئ، فالسلاح سيسقط يوما من يده، وسينقض الجميع عليه، بمن فيهم من كانوا ينافقونه.
(مصر)