لم تعد بداية العام الدراسي تترافق مع حماسة وبهجة، كما كان الأمر في السابق. الأسر المصرية، بأكثريتها، ترزح اليوم تحت أعباء متزايدة، لا سيّما الاقتصادية منها. ويحلّ الموسم الدراسي الجديد مع مصاريفه التي يصفها الأهل بـ "النار"، والتي تشمل، إلى جانب الكتب والقرطاسية والأقساط أو بدلات التسجيل، المواصلات والزيّ المدرسي، بالإضافة إلى تكاليف المدارس الخاصة والدروس الخصوصية، خصوصاً التلاميذ الذين يخضعون في آخر العام لامتحانات الشهادات الرسمية.
على الرغم من أن انطلاق عام دراسي جديد يضع حداً بالنسبة إلى الأهل، لهموم كثيرة من قبيل لهو الأبناء وسهرهم وغيرهما، إلا أن همّ مصاريف التعليم يؤرّقهم أكثر من أي هاجس آخر. ويقول أبٌ أنهت ابنتَاه تعليمهما الجامعي أخيراً: "لو ادخرت لهما ما أنفقته عليهما طوال سنوات التعليم، لما احتاجتا اليوم إلى أية وظيفة".
إذا كانت هذه حال أحد متوسطي الدخل الذي أرهقته مصاريف التعليم، فكيف يمكن وصف وضع الفقراء ومحدودي الدخل؟
سعد المرغني، عامل نظافة، يخبر أن لديه أربعة أولاد (ابنين وابنتين) في المرحلة الإعدادية، أما الصغير فقد بلغ السنّ التي تسمح له بدخول المدرسة. يقول: "لا أعرف كيف أسدّ احتياجاتهم المدرسية. صحيح أن التعليم الحكومي مجاني لجهة الأقساط، إلا أنني لا أستطيع تلبية المتطلبات الأخرى من كتب وملابس جديدة". ويشير إلى أنه يحتفظ بملابس ابنه الأكبر القديمة، ككسوة لإخوته الأصغر سناً.
محمود مرزوق، عامل بناء، يرى أنه من الظلم ألا يتمتع أولاده بأبسط حقوقهم. على الرغم من أن الأجر اليومي الذي يتقاضاه بالكاد يكفيه لإعالة أسرته بشكل محدود، إلا أنه يصرّ على "الدخول في جمعيات لأتمكن من شراء الكتب المدرسية والملابس الجديدة التي لا تجعل أطفالي يشعرون بنقص أمام زملائهم". يضيف: "من الممكن أن أجوع حتى أؤمّن لأولادي مستقبلاً يجعلهم في مكانة أفضل مني. أريدهم أطباء ومهندسين".
أما محمد الفيومي، الذي يعمل في محل لبيع الخضار، فيجد في "دخول المدارس نقمة كبيرة. عندي خمسة أولاد، أحدهم يخضع هذا العام لامتحان شهادة الثانوية العامة، وقد بدأ دروسه الخاصة منذ الآن". يضيف: "لا أخفي ثقل الحمل عليّ خصوصاً نتيجة طلبات المدرّسين المتزايدة. تصل تكلفة الأدوات المدرسية للابن الواحد إلى مائتي جنيه مصري (26 دولاراً أميركياً)، أي ما يعادل دخلي لنصف شهر، في حال عملت يومياً. ولا شك في أن هذه فترة تقشف بالنسبة إلينا".
اقرأ أيضاً: أقساط المدارس.. المصاريف تمحو فرحة "الأضحى" بالمغرب
إلى ذلك، عمل اثنان من أولاد أحمد توكل الأربعة في الإجازة الصيفية، لتغطية مصاريفهما اليومية ويسهمان في مساعدة ولو بسيطة في المنزل، وهو الأمر الذي يخفف عن كاهله حملاً كبيراً، "خصوصاً وأنني موظف حكومي لا يتعدى راتبه تسعمائة جنيه (115 دولاراً) بعد الحوافز والمكافآت إن وُجدت. وأنا أضطر إلى العمل بعد الظهر سائق أجرة لأسد حاجة أسرتي، خصوصاً في حين تتزامن العودة إلى المدرسة مع العيد". ويصرّ توكل على متابعة أولاده تعليمهم في "مدارس تجريبية، إذ إنها حكومية وأوفر نسبياً من المدارس الخاصة. كذلك، مستواها في الوقت نفسه أفضل من مستوى المدارس الحكومية العادية". لكنه يضطر أيضاً إلى الدخول في جمعيات حتى يتمكن من توفير التكاليف.
لا تعاني عائلة سميرة إبراهيم كما تفعل عائلات أخرى، فزوجها مهندس ومرتبه مع بعض الحوافز كان "يكفي لسداد مصاريف ابنتينا في مدارس دولية. لكن تلك المصاريف الدراسية ارتفعت لتصل إلى اثني عشر ألف جنيه (1530 دولاراً) لابنتهما الصغيرة، وخمسة عشر ألف جنيه (1915 دولاراً) للكبرى. وهو ما شكل عبئاً كبيراً علينا. وفي العام الماضي اضطررنا إلى الاستدانة حتى لا يتراجع مستوى تعليمهما. أما هذا العام، فلا أعرف ماذا نفعل".
من جهة أخرى، تخبر سماح إسماعيل، وهي تلميذة في المرحلة الثانوية، أن "لديّ أربعة إخوة يتابعون جميعهم دروساً خصوصية لتقوية مستواهم. أما أنا، فقررت تخفيف بعض التكاليف عن والديّ من خلال تصوير الكتب ومتابعة دروس خصوصية في مجموعات عامة توفرها بعض المراكز التعليمية بأسعار مخفّضة".
اقرأ أيضاً: شهيد ومصاب ومعتقل في كشوف الجامعات