عنب اليمن... الحرب تدمر المزارع ومشروب الزبيب الرمضاني

28 مايو 2018
غلاء أسعار السلع الغذائية في اليمن بسبب الحرب (Getty)
+ الخط -
يقف المزارع اليمني نبيل الحميدي متحسراً وسط مزرعته الواقعة في مديرية بني حشيش، شمال العاصمة صنعاء، بعدما تراجع إنتاجها من محصول العنب إلى 50% بعد الحرب الدائرة في اليمن منذ 26 مارس/ آذار 2015، إذ صارت عائدات البيع لا تغطي تكاليف المزرعة، التي تأثرت بشكل مباشر من الحرب بعد تعرض مضخات الآبار التابعة لها، وحتى تلك المخصصة لمزارع جيرانه، للقصف الجوي من طائرات التحالف العربي الذي تقوده السعودية، كما تم استهداف "الهناجر" الخاصة بتجفيف العنب التي أنشأها المزارعون بالقرب من مزارعهم، كما يقول، مضيفا أن الحرب رافقتها تأثيرات غير مباشرة على الإنتاج، تمثلت في الارتفاع الكبير لأسعار الديزل المستخدم في المضخات، فضلا عن شحه في المدن اليمنية، ما أثقل كواهل المزارعين وضاعف من تكاليف الإنتاج، في ظل أوضاع اقتصادية صعبة تمر بها البلاد ومحدودية القدرة الشرائية للمستهلكين.

وتعد مزرعة الحميدي واحدة من 189 مزرعة عنب تضررت من قصف طيران التحالف في محافظتي صنعاء وصعدة، شمالا، بحسب إفادة صلاح المشرقي، مدير عام الإرشاد الزراعي بالاتحاد التعاوني الزراعي التابع لوزارة الزراعة والري لـ"العربي الجديد"، والذي قال إن الآثار غير المباشرة للحرب كان لها الدور الأبرز في التأثير على الإنتاج، إذ إن شح مادة الديزل تسبب في نقص المياه بسبب عدم القدرة على تشغيل ماكينات ومضخات الري، وهو ما أدى إلى جفاف بعض الأشجار وضعف المحصول، بالإضافة إلى نزوح بعض المزارعين من قراهم خوفا من قصف الطيران.


مزارع تأثرت بالحرب

يصل عدد أصناف العنب المزروع في اليمن إلى 60 نوعا، أبرزها الرازقي والعاصمي والأسود والأبيض والحاتمي والزيتوني والجوفي، وتتركز زراعته في المناطق ذات الطقس البارد والمعتدل، كمديريات بني حشيش وخولان وسنحان وبني الحارث وأرحب وهمدان، في محافظات صنعاء وصعدة وعمران والجوف وذمار وأجزاء محدودة من محافظات مأرب وتعز والمحويت، وفقا لبيانات حصل عليها معد التحقيق من وزارة الزراعة والري، لكن مزارع العنب التي تنتج هذه الأصناف تأثرت بشكل كبير بالقصف المباشر، بحسب تأكيد الدكتور محمد الحميري، وكيل وزارة الزراعة والري لقطاع الخدمات الزراعية، والذي قال لـ"العربي الجديد"، إن التأثيرات غير المباشرة على المزارع كان لها الدور الأكبر نتيجة قصف الطيران، كما يقول، مضيفا أن ارتفاع تكاليف الإنتاج وعدم التصدير إلى دول الجوار تسببا بخسائر كبيرة للمزارعين إلى جانب ضعف التسويق الداخلي، وهو ما يؤكده المشرقي، مشيرا إلى أن الظروف الأمنية في الطرقات والمواجهات العسكرية في العديد من المحافظات، والخوف من قصف سيارات النقل، كل ذلك قلص وجوده في الأسواق المحلية بشكل كبير.

ووثق معد التحقيق معاناة خمسة مزارعين في مديريات بني حشيش، وبني الحارث وبني مطر، شمال وغرب العاصمة صنعاء، أكدوا أن قصف طيران التحالف أثر على مزارعهم بشكل مباشر وغير مباشر، وفي الحالتين فإن النتيجة واحدة، كما يقولون، ومنهم المزارع الأربعيني علي مثنى، الذي قال لـ"العربي الجديد"، إن مزارع العنب تحتاج للري في ظل قلة التساقط المطري، لكن غلاء الديزل حال دون ذلك، ما تسبب في جفاف بعض الأشجار، فضلا عن الأوبئة والأمراض الزراعية التي تصيب المزارع، وتحتاج إلى تكاليف مالية لمكافحة هذه الآفات خلال مرحلة تكون الثمار، وكل هذه تكاليف لم يعد المزارعون قادرين على تغطيتها.



ضعف الإنتاج

تقلصت المساحة المرزوعة بالعنب اليمني بعد الحرب 1869 هكتاراً، إذ إن المساحة المزروعة كانت قبل الحرب 13613 هكتاراً في العام 2013، وفي العام 2016 تقلصت إلى 11744 هكتاراً، وفقا لبيانات وزارة الزراعة والري، والتي أوضحت أن إنتاج مزارع العنب انخفض في العام 2015 إلى 146730 طناً، وفي العام 2016 إلى 130234 طناً، فيما كان إنتاج مزارع العنب قبل الحرب مستقرا عند حدود 151468 طناً حتى نهاية العام 2014، الأمر الذي أدى إلى تراجع هامش الفائدة من قيمة المبيعات في إنتاج العنب خلال سنوات الحرب، إلى أن وصلت إلى السالب، بحسب الدكتور الحميري، مشيرا إلى أن ضعف العملة المحلية مقابل الدولار ضاعف من تكاليف الإنتاج الزراعي بسبب ارتفاع أسعار المكملات الزراعية المستوردة مثل المبيدات الزراعية وغيرها من مدخلات عملية الإنتاج.

ووصل سعر كيلوغرام العنب الرازقي وكذلك الأسود المجفف إلى 10 آلاف ريال (ما يعادل 40 دولارا)، وقد يقل عن ذلك أو يزيد حسب توفره ومقدار الطلب في السوق بعد الحرب، بحسب محمد الثلايا، مالك مصنع الثلايا لصناعة شراب الزبيب المجفف والشعير، والذي يستهلك الزبيب في هذه الصناعة لتلبية حاجة الناس منه في رمضان، لكنه يقول لـ"العربي الجديد"، إن هذه الأسعار المرتفعة للعنب المجفف أثرت على إقبال الناس عليه في سنوات الحرب، رغم أن مبيعاته تزيد في شهر رمضان بشكل أكبر من بقية أشهر العام، لاستخدام الناس له خلال وجبة الإفطار وجلسات السمر التي يجتمع فيها أفراد الأسرة أو الأصدقاء، مضيفا أن الكثير من المحلات صارت تبيع العنب المجفف المستورد من الخارج والذي لا يستطيع منافسة الزبيب المحلي في جودته وطعمه الذي اعتاده اليمنيون.

ويجفف العنب في "هناجر" مجاورة لمزارع العنب لفترة شهر أو شهرين قبل أن يتم تسويقه إلى السوق المحلي، بحسب تأكيد مزارع العنب في مديرية بني مطر، غرب العاصمة صنعاء، الخمسيني حامد القدمي، مؤكدا لـ"العربي الجديد"، أن الهنجر التابع له تعرض لقصف الطيران في إبريل/ نيسان 2016، في سلسلة استهداف الطيران للهناجر تحت ذريعة أنها مخازن أسلحة، كما يقول.


شراب الزبيب

ارتبط شراب العنب المجفف، أو ما يعرف باسم شراب "الزبيب"، بوجدان الناس منذ سنوات قديمة، ويعتبره اليمنيون أحد المشروبات الأساسية في المائدة الرمضانية، كما يقول الستيني إبراهيم عباس، بائع العنب المجفف في سوق باب اليمن الواقع وسط العاصمة صنعاء، مضيفا أنه اعتاد على شراب العنب المجفف منذ سنوات طويلة، وبات تقليدا عائليا في شهر رمضان المبارك لدى الكثير من الأسر في محافظة صنعاء ومحافظات أخرى.

ويوجد في العاصمة صنعاء 12 معملا لصناعة شراب العنب المجفف بالإضافة إلى شراب الشعير وبعض أنواع الحلويات، وأكثر من 15 محلا للبيع المباشر، لكنها لا تمتلك أي تراخيص عمل ولم تخضع للرقابة أو الفحوصات سابقا، ولم تلتزم بكتابة المكونات على قارورة الشراب ولا نوع الصباغات المضافة للمشروب ومقدارها، حسب تأكيد نائب مدير عام صحة البيئة التابعة لوزارة الأشغال العامة، سيف مقبل، لـ"العربي الجديد"، والذي قال إن صحة البيئة قامت بحملة تفتيش، وجمعت بيانات عن 7 معامل، ولا تزال خمسة معامل خارج السيطرة، مضيفا أن الحملة التي تنفذها صحة البيئة بالتنسيق مع هيئة المواصفات والمقاييس تهدف إلى تجويد الخدمات المقدمة من المعامل والمصانع المحلية الصغيرة والرقابة على الأسواق، ولا سيما في شهر رمضان، إذ يقبل الناس على شرابي العنب المجفف والشعير.

ويؤكد أخصائي التغذية الدكتور محمود محمد حسان، أن لشراب العنب المجفف فوائد كثيرة، أهمها، كما يقول لـ"العربي الجديد"، أنه يخلص الجسم من الإرهاق والتعب ويعالج مشاكل واضطرابات الجهاز الهضمي، والإمساك وعسر الهضم، كما يعتبر الزبيب علاجا للسمنة، إذ يحتوي على الألياف الغذائية والتي تمد الجسم بالإحساس بالشبع لفترات طويلة ويحسن من أداء وظائف الدماغ وتقوية الذاكرة، مضيفا أن العنب المجفف يحتوي على البوتاسيوم الذي ينظم ضغط الدم في الجسم ويقي من الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية ويساهم بتحقيق التوازن النفسي في الجسم وتهدئة الأعصاب بسبب احتوائه على العديد من الأملاح المعدنية، ويحمي الجسم من الإصابة بأمراض الكبد والقولون.

ويصطف اليمنيون قبيل موعد الإفطار أمام معامل تصنيع شراب العنب في العاصمة صنعاء، وفق مشاهدات معد التحقيق، ومن هؤلاء الثلاثيني صالح القاسمي، الذي يداوم بشكل يومي على شراء مشروب العنب المجفف، كما يقول، مضيفا أنه لا يستغني عن هذا المشروب، بعكس الخمسيني هاني الحكيمي، الذي ترك هذا المشروب مضطرا بعد ارتفاع ثمن القاروة التي تحوي ثلاثة أرباع اللتر في السنوات الأخيرة إلى 100 ريال (قرابة نصف دولار)، كما يقول.


أسعار مرتفعة

تصنع المعامل شراب العنب المجفف من نوعي العنب الأسود والرازقي، بحسب الثلايا، والذي قال إن الخطوة الأولى من تصنيع العنب هي نقع العنب المجفف وغليه بالماء في اليوم الأول، ثم تأتي عملية التبريد في اليوم التالي، وتتم إضافة السكر وبعض البهارات، مشيرا إلى أن سعر القارورة الواحدة التي تحتوي على أقل من لتر كان بـ30 ريالاً (الدولار الواحد يساوي 250 ريالا وفق للسعر الرسمي) قبل الحرب، ووصل سعرها بعد الحرب إلى 70 ريالاً في المعمل وتباع في البقالات بـ100 ريال، لكنه يقول إن الأرباح قليلة جدا وبالكاد تغطي نفقات الإنتاج فقط، بعد ارتفاع أسعار العنب المجفف الذي تأثرت مزارعه بالحرب، ومعاناة المزارعين من خسائر كبيرة، ما دفعهم إلى محاولة تغطية تكاليف الزراعة برفع أسعاره، لكن المزارع مثنى يؤكد أن بعض المزارعين صاروا ينفقون ما يربحونه من بيع القات للاهتمام بمزارع العنب التي قل إنتاجها وقلت عائداتها كثيرا في سنوات الحرب، مشيرا إلى أن بعض المزارعين موظفون، وكانوا ينفقون مرتباتهم لتحمل نفقات الإنتاج، لكن المرتبات توقفت وهذا أثر كثيرا على إنتاج العنب ومبيعاته أيضا.