عناصر الدفاع المدني في الغوطة يتحدون الموت

28 فبراير 2018
يحمل طفلاً جريحاً (عبد المنعم عيسى/ فرانس برس)
+ الخط -

يسعى عناصر الدفاع المدني في سورية، وتحديداً في الغوطة الشرقية، إلى إنقاذ ما تمكّن من أرواح أهلها، في ظل القصف الكثيف. مع ذلك، يُتهمون أحياناً بـ "الإرهاب".

من المهام الإنسانية الصعبة في الغوطة الشرقية للعاصمة السورية دمشق، هي ما يفعله عناصر "الدفاع المدني"، من إسعاف للجرحى وانتشال لأشخاص يطمرون تحت أنقاض منازلهم، في ظل استمرار القصف بمختلف أنواع الأسلحة، والذي يستهدفهم بشكل مباشر في أحيان كثيرة.

يقول عنصر الدفاع المدني في الغوطة الشرقية، والمدير السابق لإدارة الدفاع المدني في الغوطة، أبو بشير دغمش، لـ "العربي الجديد": "من أصعب اللحظات التي يختبرها عنصر من الدفاع المدني في الغوطة الشرقية اليوم، هو أن يسمع من خلال اللاسلكي أن منطقة سكنه تتعرض للقصف، حيث عائلته وأبناؤه، بينما هو مشغول بإسعاف آخرين، أو حين يأتي نداء للتوجه إلى منطقة سكنه بسبب وجود قصف وسقوط شهداء وجرحى. لا يمكن للكلمات وصف الأفكار والمشاعر الناتجة عن القلق على حال عائلاتنا ومصيرهم".

يضيف دغمش: "ومن اللحظات الصعبة التي يعيشها العنصر لدى وصوله إلى بناء مهدم، سماعه أصوات أطفال ونساء ورجال تحت الأنقاض، في وقت تحوم الطائرة فوق رأسه وتستعد لغارة جديدة. ويكون هناك من يحذره من الغارة ويطلب منه الاحتماء، فيما يخشى أن يفقد هؤلاء حياتهم تحت الأنقاض". ويلفت إلى أن "الدوام الرسمي لعنصر الدفاع المدني في الأيام العادية هو 24 ساعة في مقابل استراحة 48 ساعة. لكن في الظروف الحالية، نداوم 24 ساعة، ونلتحق في اليوم التالي بالمركز لمؤازرة الدفعة المناوبة من زملائنا. الفرق أننا لا ننام في المركز فقط". ويوضح أنّ "عملنا ليس مثل أي وظيفة ليحدّد بساعات، بل يرتبط بالوضع الإنساني. وفي ظل تدهور الوضع في الغوطة هذه الأيام، تمرّ علينا أيام لا نعرف فيها النوم، خصوصاً في ظل ارتفاع عدد الضحايا ووجود بعضهم تحت الأنقاض لأيام".


ويلفت دغمش إلى أنه "من جرّاء استهدافنا، خسرنا الكثير من معداتنا، أهمها معدات رفع الأنقاض مثل التركس والباكر واللودر، إضافة إلى مراكز عدة. كما خرجت نصف سيارات الإسعاف من الخدمة"، مضيفاً: "نفتقد إلى مكان آمن". ويقول إنّ المراكز غير مهيّأة، والبناء قد يسقط في حال تعرّض للقصف، حيث لا يوجد أية فرصة للنجاة.

من جهته، يقول عنصر آخر، وهو أبو فراس، لـ "العربي الجديد"، إنّ "علاقتنا كعناصر دفاع مدني مع بعضنا بعضاً أصبحت مميزة، وكأننا عائلة واحدة تتقاسم المخاطر والهموم والآلام. وأبرز ما يدور من أحاديث بيننا هو اتهامنا بأننا عناصر إرهابية، وأننا الوجه الثاني لتنظيم النصرة. وهذا يقهر العناصر الذين يخاطرون بأنفسهم من أجل هدف إنساني بحت". يضيف: "في نهاراتنا، نحكي عن هموم شخصية، منها تأخر الرواتب والغلاء وضغوط الحياة ونأمل انتهاء المأساة علّنا نعود إلى حياتنا وأعمالنا السابقة. نتحدث أيضاً عن المواقف التي نعيشها يومياً، مثل نجاة عنصر من الموت، أو العثور على شخص على قيد الحياة تحت الأنقاض. قبل أيام، أخبرنا عنصر أن كلباً أرشده إلى جثة رجل في أحد المباني المهدمة".

ويبيّن أبو فراس أن "راتب العنصر هو نحو 150 دولاراً أميركياً (أي ما يعادل 69 ألف ليرة سورية)، في حين أن سعر ربطة الخبز هو 1500 ألف ليرة سورية. ما نتقاضاه لا يكفي لتأمين احتياجاتنا الأساسية. على الرغم من ذلك، ينظر إلى عنصر الدفاع المدني أنه محظوظ لأنه يتقاضى راتباً بالدولار، لكن لا أحد يعرف المبلغ الذي يحصل عليه".

ويذكر أنّه قبل يومين، حصل كلّ مركز على مائة دولار أميركي لتأمين وجبة طعام واحدة لعناصر المركز، الذي يوجد فيه يومياً ما بين 30 و40 عنصراً. وفي الحالات الطبيعية، يوجد في المركز 20 عنصراً. ويشير أبو فراس إلى أن "المعدات ضعيفة. على سبيل المثال، في المركز حيث أعمل، هناك سيارة إسعاف خرقها صاروخ من السقف. الحمد الله لم يتأذّ أحد، وما زلنا نستخدم السيارة إلى اليوم، علماً أن إطارات السيارات في وضع سيئ جداً بسبب الطرقات المدمرة والأنقاض، ما يؤدّي إلى أعطال كثيرة".


وعن حال المعدات يتابع أبو فراس أنه "لم يبق لدينا إلّا معدات خفيفة. يساعدنا مدنيون. لكن نتيجة العمل تحت القصف، تتضرّر معدات أو تضيع أخرى. اليوم، نحتاج حتى إلى المعدات الخفيفة التي بدأنا نعاني من نقصها. مولدات الكهرباء التي نستخدمها لقص الحديد والحفر باتت معطلة بغالبيتها".

من جهته، يقول المسؤول الإعلامي في الدفاع المدني في الغوطة الشرقية عبدو أبو يامن، لـ "العربي الجديد": "في الغوطة الشرقية التي يبلغ عدد سكانها نحو 400 ألف، يقدر عدد متطوعي الدفاع المدني بـ 350، بين إداريين ومدراء قطاعات ومتطوعين، كل ضمن تخصصه"، لافتاً إلى أن جميع العناصر مستنفرة بسبب الهجوم الأخير. ويتحدث عن معاناة الدفاع المدني في ظل النقص الشديد في الآليات، من جرّاء الحصار ومنع دخول الآليات. وقد استعيض عنها بآليات محلية، وما يتوفر من آليات قديمة. وعلى الرغم من أن خبرة عناصر الدفاع المدني قليلة، إلا أنهم يعملون على صيانة تلك الآليات، في وقت يستعان ببعض المهنيين من الخارج في حال الأعطال الكبيرة.

ويذكر أبو يامن أنّ "أكبر تحدي يواجه عناصر الدفاع المدني هو استهدافهم بشكل مباشر، ما أدى إلى إصابة عدد منهم خلال تأديتهم عملهم، إضافة إلى عدم القدرة على استخدام ما يتوفر من معدات ثقيلة، من جراء استهدافها بشكل مباشر وصعوبة تحريكها بسرعة. لذلك، يستخدمون أحياناً أساليب وأدوات بدائية". ويبيّن أنّ "عنصر الدفاع المدني يتعرض لضغوط كبيرة في العمل، عدا عن سعيه إلى تأمين قوت عائلته وحاجاته بسرعة، لأنه مضطر إلى العودة إلى المركز لمتابعة عمله".