معاناة العمّال المؤقّتين في موريتانيا تبدو كبيرة. هؤلاء يحصلون على وعود تلو الأخرى بالتوظيف، لتكون النتيجة طردهم أو استقالتهم، لتستعين الشركات بعمال مؤقتين جدد. ويبقى لهم الشكوى أو التظاهر
كان الخبر قاسياً بالنسبة لزينب بنت شياخ. فقد طردت من المصرف بعدما عملت كمتدرّبة فيه مدة ستة أشهر، من دون راتب، علماً بأنها وعدت بالتثبيت مراراً. كانت تعمل عشر ساعات يومياً. وبعدما أنهت فترة الاختبار الأولى (ثلاثة أشهر)، وعدها مدير المصرف بتوظيفها في أقرب وقت، مشيداً بعملها، مما شجعها على مضاعفة عملها. لكنه، في النهاية، قرّر الاستغناء عن خدماتها.
زينب، وهي خريجة قسم الاقتصاد في جامعة نواكشوط، تحكي لـ "العربي الجديد" عن "الخديعة" التي تعرضت لها، وكيف تحملت أسرتها نفقاتها لاعتقادها بأنها ستحصل على عمل دائم، قبل أن تكتشف أنها استُغلّت على مدى ستة أشهر. حالها لا يختلف عن حال مئات العمال المؤقتين الذين يطردون يومياً، من دون الحصول على أية حقوق بعد أشهر أو سنوات من العمل في مؤسسات حكومية أو خاصة. هذه الشركات تستغل العمال الفقراء الذين يبحثون عن أية فرصة عمل. وبعد فترة، يطردون بعدما تستعين الشركة بعمال آخرين.
أكثر المتضرّرين هم عمال شركات المعادن غير الدائمين، والذين يعرفون بـ "الجرنالية". تتحايل شركات التنقيب عن المعادن عليهم من خلال التعامل مع شركات توظيف تستولي على رواتب العمال، مما دفع عمال "الجرنالية" إلى التظاهر أكثر من مرة، مطالبين بحل مشكلتهم. في كلّ مرّة، تحلّ مؤقتاً قبل أن تتكرر.
في العام 2013، نظّم عمال الجرنالية مسيرة قطعوا خلالها مئات الكيلومترات من منطقة زويرات في شمال موريتانيا، وصولاً إلى مشارف العاصمة نواكشوط. وتدخّل نقابيّون ورجال دين بهدف عقد اتفاق مع العمال يقضي بفصل قادتهم المضربين، وصرف بعض رواتبهم المتأخرة.
اقــرأ أيضاً
كذلك، يتظاهر الأساتذة غير المثبتين بشكل دوري، مطالبين بتثبيتهم، وقد لجأت إليهم وزارة التهذيب لسد النقص في أساتذتها ومدرسيها، إلا أنهم يحصلون على رواتب زهيدة وغير منتظمة. حتّى المؤسّسات الرسمية التي تملكها الدولة متّهمة باستغلال العمال غير الدائمين، كما هو الحال في مؤسستي الإذاعة والتلفزيون اللتين يعمل فيهما عشرات الصحافيين والفنيين كمتدربين برواتب زهيدة، ومن دون أمل في التوظيف. وبعدما تجاوزتا العدد المسموح به من الموظفين، نظّم التلفزيون الموريتاني في عام 2014 مسابقة لتوظيف عشرات الصحافيين والفنيّين. وبعد عامين من العمل كمتدربين، استقال غالبية هؤلاء وقد ذهبت وعود الترسيم أدراج الرياح.
موسى كوناتي ترك العمل كفني صوت في الإذاعة الموريتانية بعد ثلاث سنوات، لأنه فقد الأمل في تحقّق وعود الترسيم، لافتاً إلى أن هذا يعتمد على المعارف الشخصية. ويضيف لـ "العربي الجديد" أن "كلّ مدير جديد للإذاعة يتعاقد مع عشرات العمال المؤقّتين الجدد، ويطرد أولئك الذين كانوا يعملون في وقت سابق. وبحسب قانون العمل الموريتاني، يمنع أن تتجاوز فترة التدريب الثلاثة أشهر، إلا أن المؤسسات لا تلتزم بهذه المدة وتفضل المتعاقدين غير الدائمين على العمال الثابتين لأسباب اقتصاديّة.
وصادقت الحكومة الموريتانيّة في أغسطس/ آب في عام 2015 على قانون للقضاء على العمال المؤقّتين. ونظمت وزارة الوظيفة العمومية في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مسابقة لاكتتاب 200 موظف من العمال غير الدائمين. إلا أن هذه الجهود تبقى ضعيفة نظراً إلى عدد العمال غير الدائمين، والذي يقدر بالآلاف في القطاع العام وحده، فضلاً عن القطاع الخاص والقطاع غير المصنف.
في هذا السياق، يقول الباحث الإمام ولد عبد الله، لـ "العربي الجديد"، إنّ أزمة العمال غير الدائمين تعدّ سبباً رئيسيّاً لزيادة الهجرة بين شباب موريتانيا. ويضيف أنّ "الأزمات الاقتصادية تزداد، وتؤثر بشكل كبير على الشباب ذوي الكفاءات، في ظل غياب استراتيجيات توظيف فعالة، عدا عن سياسات الزبائنية والانتقائية التي تطبع عمليات التوظيف، بالإضافة إلى تدني الأجور وعدم مواءمتها مع متطلبات الحياة".
ويضيف ولد عبد الله أن أزمة العمالة المؤقتة تعكس فشل الدولة في دمج حملة الشهادات في الحياة الاقتصادية والاستفادة من خدماتهم وتوجيهها لصالح مشاريع تنموية تدعم الاقتصاد الوطني، وتساعد الشباب في حل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية". ويلفت الباحث إلى أنّ أزمة العمال المؤقتين هي جزء من أزمة البطالة في موريتانيا، نظراً لعوامل عدة،
منها العامل الإقتصادي المتمثّل في غياب مشاريع اقتصادية تنمويّة قادرة على استيعاب الشباب وتوظيفهم وتوفير حياة ملائمة لهم، بالإضافة إلى غياب الشفافية والنزاهة في التوظيف، وعدم الاستعانة بمن هم أكثر كفاءة.
اقــرأ أيضاً
كان الخبر قاسياً بالنسبة لزينب بنت شياخ. فقد طردت من المصرف بعدما عملت كمتدرّبة فيه مدة ستة أشهر، من دون راتب، علماً بأنها وعدت بالتثبيت مراراً. كانت تعمل عشر ساعات يومياً. وبعدما أنهت فترة الاختبار الأولى (ثلاثة أشهر)، وعدها مدير المصرف بتوظيفها في أقرب وقت، مشيداً بعملها، مما شجعها على مضاعفة عملها. لكنه، في النهاية، قرّر الاستغناء عن خدماتها.
زينب، وهي خريجة قسم الاقتصاد في جامعة نواكشوط، تحكي لـ "العربي الجديد" عن "الخديعة" التي تعرضت لها، وكيف تحملت أسرتها نفقاتها لاعتقادها بأنها ستحصل على عمل دائم، قبل أن تكتشف أنها استُغلّت على مدى ستة أشهر. حالها لا يختلف عن حال مئات العمال المؤقتين الذين يطردون يومياً، من دون الحصول على أية حقوق بعد أشهر أو سنوات من العمل في مؤسسات حكومية أو خاصة. هذه الشركات تستغل العمال الفقراء الذين يبحثون عن أية فرصة عمل. وبعد فترة، يطردون بعدما تستعين الشركة بعمال آخرين.
أكثر المتضرّرين هم عمال شركات المعادن غير الدائمين، والذين يعرفون بـ "الجرنالية". تتحايل شركات التنقيب عن المعادن عليهم من خلال التعامل مع شركات توظيف تستولي على رواتب العمال، مما دفع عمال "الجرنالية" إلى التظاهر أكثر من مرة، مطالبين بحل مشكلتهم. في كلّ مرّة، تحلّ مؤقتاً قبل أن تتكرر.
في العام 2013، نظّم عمال الجرنالية مسيرة قطعوا خلالها مئات الكيلومترات من منطقة زويرات في شمال موريتانيا، وصولاً إلى مشارف العاصمة نواكشوط. وتدخّل نقابيّون ورجال دين بهدف عقد اتفاق مع العمال يقضي بفصل قادتهم المضربين، وصرف بعض رواتبهم المتأخرة.
كذلك، يتظاهر الأساتذة غير المثبتين بشكل دوري، مطالبين بتثبيتهم، وقد لجأت إليهم وزارة التهذيب لسد النقص في أساتذتها ومدرسيها، إلا أنهم يحصلون على رواتب زهيدة وغير منتظمة. حتّى المؤسّسات الرسمية التي تملكها الدولة متّهمة باستغلال العمال غير الدائمين، كما هو الحال في مؤسستي الإذاعة والتلفزيون اللتين يعمل فيهما عشرات الصحافيين والفنيين كمتدربين برواتب زهيدة، ومن دون أمل في التوظيف. وبعدما تجاوزتا العدد المسموح به من الموظفين، نظّم التلفزيون الموريتاني في عام 2014 مسابقة لتوظيف عشرات الصحافيين والفنيّين. وبعد عامين من العمل كمتدربين، استقال غالبية هؤلاء وقد ذهبت وعود الترسيم أدراج الرياح.
موسى كوناتي ترك العمل كفني صوت في الإذاعة الموريتانية بعد ثلاث سنوات، لأنه فقد الأمل في تحقّق وعود الترسيم، لافتاً إلى أن هذا يعتمد على المعارف الشخصية. ويضيف لـ "العربي الجديد" أن "كلّ مدير جديد للإذاعة يتعاقد مع عشرات العمال المؤقّتين الجدد، ويطرد أولئك الذين كانوا يعملون في وقت سابق. وبحسب قانون العمل الموريتاني، يمنع أن تتجاوز فترة التدريب الثلاثة أشهر، إلا أن المؤسسات لا تلتزم بهذه المدة وتفضل المتعاقدين غير الدائمين على العمال الثابتين لأسباب اقتصاديّة.
وصادقت الحكومة الموريتانيّة في أغسطس/ آب في عام 2015 على قانون للقضاء على العمال المؤقّتين. ونظمت وزارة الوظيفة العمومية في شهر أكتوبر/ تشرين الأول الماضي مسابقة لاكتتاب 200 موظف من العمال غير الدائمين. إلا أن هذه الجهود تبقى ضعيفة نظراً إلى عدد العمال غير الدائمين، والذي يقدر بالآلاف في القطاع العام وحده، فضلاً عن القطاع الخاص والقطاع غير المصنف.
في هذا السياق، يقول الباحث الإمام ولد عبد الله، لـ "العربي الجديد"، إنّ أزمة العمال غير الدائمين تعدّ سبباً رئيسيّاً لزيادة الهجرة بين شباب موريتانيا. ويضيف أنّ "الأزمات الاقتصادية تزداد، وتؤثر بشكل كبير على الشباب ذوي الكفاءات، في ظل غياب استراتيجيات توظيف فعالة، عدا عن سياسات الزبائنية والانتقائية التي تطبع عمليات التوظيف، بالإضافة إلى تدني الأجور وعدم مواءمتها مع متطلبات الحياة".
ويضيف ولد عبد الله أن أزمة العمالة المؤقتة تعكس فشل الدولة في دمج حملة الشهادات في الحياة الاقتصادية والاستفادة من خدماتهم وتوجيهها لصالح مشاريع تنموية تدعم الاقتصاد الوطني، وتساعد الشباب في حل مشاكلهم الاقتصادية والاجتماعية". ويلفت الباحث إلى أنّ أزمة العمال المؤقتين هي جزء من أزمة البطالة في موريتانيا، نظراً لعوامل عدة،
منها العامل الإقتصادي المتمثّل في غياب مشاريع اقتصادية تنمويّة قادرة على استيعاب الشباب وتوظيفهم وتوفير حياة ملائمة لهم، بالإضافة إلى غياب الشفافية والنزاهة في التوظيف، وعدم الاستعانة بمن هم أكثر كفاءة.