عمر حاذق.. أجل هذه مكتبة الإسكندرية

26 ابريل 2014
"روح" سوزان مبارك الخالدة
+ الخط -

في الوقت الذي تدخل فيه مكتبة متواضعة مثل "مكتبة بعقلين الوطنية" في لبنان (كانت سجناً حتى 1982) كتاب "غينيس" للأرقام القياسية بعد نشاط امتد على ثماني ساعات تمّ فيه تبادل 1440 كتاباً؛ تتجه مكتبة الإسكندرية العريقة والضخمة بخطى واثقة نحو تثبيت اسمها في سجلات انتهاك حقوق الإنسان المدنية والثقافية، بل والفساد المالي أيضاً.

تفاصيل الحكم "الفرعوني" بسنتين سجناً على الشاعر الشاب عمر حاذق وحوالى 7147 دولار غرامة (متوسط الدخل السنوي في مصر 2430 دولار) باتت أخباراً متداولة. وأسباب سجنه لمشاركته في وقفة احتجاجية أواخر العام 2012، بالتزامن مع إعادة محاكمة قتلة خالد سعيد (إحدى شرارات ثورة يناير)، ومن ثمّ فصله التعسفي من عمله في مكتبة الإسكندرية، أمست معروفة كذلك. وكون الأمر دخل في خانة المعروف، لا يعني بالضرورة أنّ تعريفه ناجز.

بالتعريف، قانون التظاهر المصري هو قانون لعدم التظاهر. وبالتالي تصبح نعوت إعاقة حركة المرور، وتعريض المنشآت العامة للخطر، وتخريب الممتلكات، وزعزعة الأمن، وسواها، مجرد كمامات مطاطة في خزانة آخر (أقدم) صيحات الموضة "الشرطية". يمكن إلباسها لأي رأس، في أي مكان، وفي أية لحظة.

عدد تلك الرؤوس إلى الآن يقارب 26 ألف معتقل، ناهيك عن مئات المحكومين بالإعدام البدني، وآلاف غيرهم بالإعدام السياسي.

من حكم المرشد السماوي، إلى كرسي الدبابة الاسبارطي، يدأب السلطان المستجد على تغيير طبقه المفضل في مطبخ قصره الجديد، فيما تظلّ أركان البناء نفسه أمينة لعطن مكيافيلية المخلوع قبله، والمخلوع الآخر من قبله.

الشاشات الرسمية ستلّون بالعلم الوطني "كرافات" الزعيم القائد، وستقتبس داخل نشيد البلاد كلمات وحيه. أمّا من رسم وكتب ولحّن في الأصل، مثل عمر حاذق وكرم صابر (محكوم بالسجن غيابياً 5 سنوات بتهمة [ازدراء الأديان] بعد نشر مجموعته القصصية الأخيرة)، فلتمحى أسماؤهم، وليندثر ذكرهم، وليدفنوا أحياء في السراديب تحت الأرض، وفوقها.

"اتحاد كتاب مصر" أصغر من اسمه، ووزارة الثقافة منهمكة في اشتغالها على ثقافة الأوزار الموروثة، والمستولدة. أمّا الكثرة الكاثرة ممن يحملون لقب صديق أو زميل، فسيلمّعون عدّتهم الثقافية الثمينة، ويعيدونها مغلفة بورق البيانات إلى الجوارير، لائذين بأضعف الإيمان.

نناشد، نندد، نرفض، ندين، نعترض، نحتج، وبقية أخوات نون العجز والتقاعس، هي الفعل المضارع الأوحد إلى الآن، بعد تغيب مثقفين مصريين عديدين عن حضور ندوة تضامنية مع الشاعر منذ أيام.

على أننا لن نفهم بشكل دقيق سبب قرار الحاكم العسكري لمكتبة الإسكندرية، إسماعيل سراج الدين، نفي عمر حاذق من هذا الصرح الثقافي الكبير الذي أمضى الشاعر في جنباته سبع سنوات يضبط أخطاءه اللغوية وغير اللغوية (كمدقق ومصحح)؛ ما لم نرجع إلى قرار أقدم لهذا "السراج" بفصل حاذق إبان ثورة "25 يناير" مباشرة.

يطرز سراج الدين سيرته الذاتية (على موقعه الشخصي) بـ33 كلمة "دكتور"، ليس بينها واحدة عن الإدارة المالية للمنشآت الحكومية. وربما كان هذا هو السبب الذي يعتذر به عن تهم الفساد الغارق فيها حتى أذنيه، أو إلى حيث يمكن أن تصل كومة المليونين وثمانمئة ألف وخمسة وتسعين ألف دولار المتهم بإهدارها. بالإضافة طبعاً إلى حنان السيدة الفاضلة (سوزان مبارك) ودعواتها له بالتوفيق.

للإجابة على سؤال "ما العمل إذاً؟"، يرجى مراجعة الصفحات الأولى للجرائد المحلية والدولية اعتباراً من 17 كانون الأول/ ديسمبر 2010.

وأثناء ذلك سنكتشف لدينا، كما فعل حاذق، موهبة كتابة رواية جديدة "بجوار برميل زبالة لا يغسله أحد.. وبجوار هذه الصراصير كلها" كما قال.

--------

أصدر عمر حاذق كراساً شعرياً تحت عنوان ''نوتا.. فضاءات الحرية'' (2011)، بالاشتراك مع الشعراء السوري عبد الوهاب عزاوي، والبرتغالي تياجو باتريشيو، والإيطالي نيكي داتوما. صدرت روايته الأولى "لا أحب هذه المدينة" بعد أيّام قليلة من صدور حكم السجن في حقه.

المساهمون