وعلى الرغم من الترحيب الذي حصل عليه جونسون من رئيس الوزراء، ديفيد كاميرون، الذي طالما مارس ضغوطاً على عمدة لندن لخوض الانتخابات المقبلة، باعتباره من الشخصيات القوية وذات شعبية واسعة داخل حزب المحافظين، بالإضافة إلى ترحيب المشككين منهم بسياسات الإتحاد الأوروبي تجاه بريطانيا، إلا أن عدداً منهم ترجم خطوة جونسون بأنها جاءت لتحقيق طموحه، الذي طالما أخفاه، بخلافة كاميرون في زعامة حزب المحافظين.
وكان جونسون، الشهير بشعره الأشقر وكثرة زلات اللسان، قد ألقى خطاباً في وقت سابق عبّر فيه عن معارضته لسياسات الإتحاد الأوروبي. كما دعم فكرة الخروج من الاتحاد في حال لم يغير الأخير سياساته تجاه بريطانيا، في خطوة فسّرها البعض بأنها جاءت لكسب دعم المزيد من المحافظين المعارضين لهذه السياسات، وللتمهيد لخلافة كاميرون.
وكان استطلاع للرأي أجراه موقع لحزب المحافظين، "كونزرفتف هوم"، شمل عدداً من أعضاء الحزب، أظهر أن أكثر من ثلاثة أرباعهم يدعمون الخروج من الاتحاد الأوروبي. كما أن انتقادات جونسون لسياسات الاتحاد الأوروبي أكسبته شعبية كبيرة. وهو الأمر الذي دفعه إلى تصعيد لغته ضد سياسات الاتحاد الأوروبي في خطابه، أمس الاربعاء، إذ عكس جونسون فيه رؤيته لبريطانيا "عظيمة ومزدهرة لا تتحقق إلا خارج بروكسل".
ويُلاحظ أن اللهجة المتشددة التي يستخدمها جونسون ضد سياسات الإتحاد الأوروبي، لا تروق فقط للمتشككين في سياسات الاتحاد من المحافظين، وإنما أيضاً لنظرائهم في حزب الاستقلال، اليميني القومي، الذي صعد نجمه في الانتخابات المحلية وانتخابات برلمان الاتحاد الأوروبي الماضية. ويتوقع أن يحصد أصواتاً لا بأس بها في الانتخابات العامة المقبلة.
وبالرغم من الشعبية التي يملكها جونسون لدى هؤلاء المحافظين وغيرهم، يرى بعضهم أن إمكانية تزعّمه حزب المحافظين ليست بهذه السهولة التي يتصورها البعض، حتى ولو استقال كاميرون من زعامة الحزب، وذلك بسبب وجود عدد من الوزراء الذين يعارضون ذلك. فهؤلاء يتهمون جونسون بأنه شخص غير منظم، مستندين إلى تجربته عندما كان عضواً في البرلمان. فقد أشتهر جونسون بزلات لسانه التي وضعت المحافظين في مواقف محرجة، ما يدفعه إلى الاعتذار عنها.
ويجد مؤيدو جونسون أنه على الرغم من بعض عيوبه، فإنه شخص لا يستهان به، ويعتبرون أنه سياسي ذكي، يمتلك قدرات تؤهله للصمود في أصعب الظروف، وهذا ما أثبته خلال توليه منصب عمدة لندن. كما ينجذب هؤلاء إلى تاريخه السياسي، فطوال الفترة الماضية لم يكشف سجله أنه أطلق تصريحات متناقضة، وخصوصاً حول موقفه من سياسات الاتحاد الأوروبي تجاه بريطانيا.
أما الانتقادات التي أطلقها أعضاء حزب العمال المعارض لإعلان جونسون عزمه الترشح في الانتخابات المقبلة فكانت متوقعة. وجاءت أقوى الانتقادات على لسان وزير الظل، صادق خان، الذي قيل إنه ينافس جونسون على منصب عمدة لندن.
وهاجم خان إعلان جونسون نيته الترشح، معتبراً أنه "يظهر تركيز المحافظين على أمورهم الداخلية، وانشغالهم بالتنافس على القيادة العامة، وعجز كاميرون عن فعل أي شئ حيال ذلك".
ولغاية شهر مايو/أيار المقبل، يتوجب على جونسون إظهار ولاءه التام لرئيس الوزراء، وأن يكون حذراً في تصريحاته، ليس لأنه أصبح محطاً للأنظار أكثر من السابق فحسب، وإنما أيضاً لأن حزبه لا يتحمل الأخطاء في هذه الفترة الحساسة التي يمر بها الحزب، وخصوصاً أنه لم يتبق على الانتخابات العامة سوى بضعة أشهر.