ويقول القدسي إنه يشاهد الأطفال على مدار الأسبوع وهم يرمون المخلفات في المكان على عجل، لكن المشكلة تكمن في توقف سيارات النظافة عن حملها من أرصفة الشوارع كعادتها بسبب الحرب التي توقف معها كل شيء حتى إقبال الناس على شراء العطر والبخور منه.
أحد المواطنين الذي صادفناه عند توثيقنا لأوضاع المكان، كان يرمي ما بيده من مخلفات، وسألناه عما إذا كان مقتنعاً بما يفعله؟ فرد باستفسار مماثل وبنبرة غضب قائلاً: هذا مكانها المخصص، ماذا تريدنا أن نفعل؟ هل تتوقع أن نحتفظ بها في غرف النوم؟، الأولى أن تحاسب المتسببين في إيقاف عمال النظافة عن القيام بمهامهم.
تراكم المخلفات في الشوارع التي أصبحت مهجورة، يثير الكثير من المخاوف لدى الأهالي في تعز، وهي مشكلة يعانون منها خلال السنوات الأخيرة حتى في الأحوال العادية قبل الحرب، حيث تسببت في انتشار العديد من الأمراض، ومنها المرتبطة بالفطريات القاتلة وفيروس حمى الضنك الذي استشرى خلال فترات إضراب مكتب النظافة في العام الفائت.
ويقول سائق سيارة نقل مكتب النظافة، عمر محمد، إنهم يحرصون على تلمس معاناة المواطنين رغم الأجر المتواضع الذي يعمل به متعاقداً مع مكتب النظافة بالمدينة منذ ثلاثة عشر عاماً. "عندما نرى القمامة نشعر بالذنب ولكن هذا حظنا، فجميع هؤلاء المتحاربين حالتهم المادية أفضل منا ربما" على حد تعبيره.
اقرأ أيضاً:انهيار صحيّ في اليمن
في شارع ستة وعشرين، وهو أكبر مركز تسوّق في المدينة، قرر بعض أصحاب المحال التجارية حرق المخلفات بهدف التخفيف منها، لكن هذا ليس حلاً منطقياً بحسب أحد المتخصصين في مكتب البيئة بالمحافظة، والذي أوضح لـ"العربي الجديد" أن الدخان الناتج من حرق تلك المخلفات له آثار سلبية على الجهاز التنفسي والعصبي والبصري إضافة إلى مضاعفات مرضى الربو والتحسس والقلب، كما يؤدي إلى ولادة أجنة مشوهة وزيادة نسب السرطانات المختلفة والتي بدأت تظهر بصورة مخيفة في الآونة الأخيرة في المدينة.
ويؤكد الأمين العام لجمعية أصدقاء البيئة في تعز، الدكتور رشاد الكامل، أنه إضافة إلى تشويه المنظر الجمالي للمدينة والإضرار بالبيئة، فإنه مع الإحراق تتطاير الأدخنة وتنبعث معها الغازات السامة في كل الاتجاهات ولمسافات بعيدة في المدينة، فتتسرب عن طريق الجلد وتتسبب في حدوث تلف فوري للأوعية الدموية الرئوية.
إهمال رسمي
في إطار بحثنا عن الدور الرسمي، يكتفي مكتب محافظ تعز، شوقي هائل، بالتأكيد على أنهم يناقشون معوقات عمل صندوق النظافة حاليا ويحرصون على نشر التوجيهات عبر وسائل الإعلام، والتي يطالبون فيها إدارة مكتب النظافة بالتواصل والتنسيق مع كافة الأطراف التي تقود المواجهات، والعمل بما يضمن سلامة العمال ومعدّات وسيارات النظافة للقيام برفع المخلفات المكدسة وتنظيف الأحياء والشوارع بصورة آمنة ومستمرة في هذه الظروف.
اقرأ أيضاً: تعز اليمنية... كارثة إنسانية تدقّ أجراس الخطر
الظاهرة التي أصبحت تهدد المواطنين ليست وليدة اللحظة، فمدينة تعز، والتي تم اختيارها عاصمة الثقافة اليمنية العام الماضي، تعاني من مشكلة القمامة ومياه الصرف الصحي بصورة مستمرة، بحسب الكاتب سعيد المعمري.
وقال المعمري: إذا كانت هنالك إشكالات أخرى جرّاء الضربات الجوية التي تُمطر الناس، فالجهات المختصّة تواصل الإهمال المتعمد، وعليها أن تستشعر دورها وتعمل على معالجة مشكلة القمامة، إضافة إلى مشكلة طفح مياه الصرف الصحي.
"لقد بات وجه المدينة نائياً أجرد يعاني نتوءات الزمان وتقيّحات المكان"، هكذا وصفت سمية محمد مدينتها التي يطلقون عليها "الحالمة"، وتقول سمية إنه لم يبق منها سوى أطلال تبكي بعضها هذه الأيام بعد أن أُجبر أبناؤها من جيل النخبة على ترك الكتب وصارت النظافة فيها موسمية وكأنها شيء زائد على الحاجة أو ثانوي لا أهمية له.