"صنداي تليغراف": عمال أفارقة تركوا ليموتوا بمراكز احتجاز كورونا في السعودية

31 اغسطس 2020
مئات العمال الأفارقة محتجزون في ظروف مزرية في السعودية (صنداي تليغراف)
+ الخط -

تحتجز السعودية المئات، إن لم يكن الآلاف، من العمال الأفارقة في مراكز إيواء أشبه بالمعتقلات، وفي ظل ظروف مروعة ضمن حملة لوقف انتشار فيروس كورونا، وفق تحقيق نشرته، الأحد، صحيفة "صنداي تليغراف" البريطانية.
وتُظهر صور تم التقاطها عبر الهواتف المحمولة داخل تلك المراكز، وجود عشرات الرجال الذين أصيبوا بالهزال وأمراض أخرى، وهم مستلقون في صفوف مكتظة في غرف صغيرة ذات نوافذ بقضبان حديدية، وتظهر إحدى الصور ما يبدو أنها جثة أحدهم، ويقال إنه شاب مات، في حين بالكاد يحصل الآخرون على ما يكفيهم من الطعام والماء للبقاء على قيد الحياة، كما تظهر صورة أخرى مراهقا معلقًا من نافذة في جدار داخلي، ويبدو أنه قتل نفسه بعدما فقد الأمل، كما يقول أصدقاؤه.

ويعود احتجاز هؤلاء الأفارقة إلى شهر إبريل/ نيسان. ويؤكد العمال الذين تظهر على ظهورهم ندوب عدة، أنهم تعرضوا للضرب على أيدي الحراس الذين كرروا توجيه شتائم عنصرية لهم. يقول أحد المحتجزين من إثيوبيا: "إنه الجحيم. نعامل كالحيوانات، ونضرب كل يوم بالسياط والأسلاك الكهربائية. إذا رأيت أنه لا مفر من هذا الجحيم سأنتحر. جريمتي الوحيدة هي مغادرة بلادي بحثًا عن حياة أفضل".
وأثارت الصور والشهادات غضبًا بين نشطاء حقوق الإنسان، وخاصة أنها تزامنت مع الاحتجاجات العالمية على التمييز ضد أصحاب البشرة السوداء. وقال آدم كوغل، نائب مدير "هيومن رايتس ووتش": "تُظهر الصور القادمة من مراكز الاحتجاز في جنوب السعودية، أن السلطات هناك تُخضع مهاجري القرن الأفريقي لظروف مزرية وغير إنسانية، ومن دون أي اعتبار لسلامتهم أو كرامتهم. مراكز الاعتقال المزرية في جنوب السعودية لا ترقى إلى المعايير الدولية، وبالنسبة لدولة غنية، ليس هناك أي عذر لاحتجاز المهاجرين في مثل هذه الظروف المؤسفة".

وتمكنت الصحيفة من تحديد الموقع الجغرافي لاثنين من المراكز، أحدهما في "الشميسي"، بالقرب من مكة المكرمة، والآخر في جازان، بالقرب من الحدود مع اليمن. وحسب شهادات محتجزين، فإن "هناك المئات في كل غرفة"، وتظهر صور الأقمار الصناعية أن هناك العديد من المباني في كلا المركزين، ما يعني أنه قد يكون هناك عدد كبير من المحتجزين في كل مركز.
وقالت "صنداي تليغراف": "لطالما استغلت السعودية الغنية بالنفط العمالة المهاجرة من أفريقيا وآسيا. في يونيو (حزيران) 2019، كان ما يقدر بنحو 6.6 ملايين عامل أجنبي يشكلون حوالي 20 في المائة من سكان الدولة الخليجية، معظمهم يشغلون وظائف منخفضة الأجر، وغالبا ما تكون شاقة بدنياً، منها الأعمال الخاصة بالبناء. على مدار العقد الماضي، شق عشرات الآلاف من الشباب الإثيوبي طريقهم إلى الدولة الخليجية بمساعدة وكلاء توظيف سعوديين ومهربين".
الشهادات التي جمعتها "صنداي تليغراف" مباشرة من العمال حول ظروفهم، تظهر مدى فظاعة الأوضاع التي يعيشونها، وتظهر كيف أن عشرات الرجال أصيبوا بالشلل بسبب الحر داخل أحد مراكز الاحتجاز. قال أحد المحتجزين: "بسبب هذه الظروف،كثير من النزلاء ينتحرون، أو يعانون من أمراض عقلية بعد الحجز لخمسة أشهر، إضافة إلى أن الحراس يسخرون من وضعنا، ويقولون إن حكومتكم لا تهتم، ماذا يفترض بنا أن نفعل بكم؟".
وتابعت الصحيفة: "عندما ضرب وباء كورونا في مارس/آذار، خشيت الحكومة السعودية من أن يكون العمال الذين يقيمون في كثير من الأحيان في أماكن مزدحمة، بمثابة ناقل للفيروس. تم ترحيل ما يقارب 3000 إثيوبي من قبل أجهزة الأمن السعودية إلى إثيوبيا في الأيام العشرة الأولى من إبريل/نيسان، وقالت مذكرة مسربة للأمم المتحدة إن 200 ألف آخرين سيتم ترحيلهم، ثم تم تعليق عمليات الترحيل بعد الضغط الدولي على الرياض".
ووجدت الصحيفة أن "العديد من المهاجرين الذين كان من المقرر ترحيلهم قبل خمسة أشهر، تُركوا للتعفن في مراكز الاحتجاز التي تنتشر فيها الأمراض. قال أحدهم: "لقد تُركنا لنموت هنا".

وتظهر الصور المسربة أن العديد من المحتجزين يعانون من التهابات في الجلد، ويؤكدون أنهم لم يتلقوا أي علاج طبي. يروي أحدهم: "نأكل قطعة صغيرة من الخبز في النهار، والأرز في المساء، لا توجد مياه تقريبًا، والمراحيض تفيض إلى حيث نجلس ونأكل، ناهيك عن الرائحة التي تعودنا عليها". وقال شاب إثيوبي آخر: "يوجد أكثر من مائة منا في الغرفة، والحرارة تقتلنا".
ويُظهر مقطع فيديو قصير تم تسريبه عدة غرف مغطاة بالقذارة، في حين يصرخ أحدهم قائلاً: "المراحيض مسدودة، نحن نعيش في هذا القذارة، وننام فيها أيضاً"، ويضيف "هذه رسالة إلى السعوديين، وإلى رئيس الوزراء الإثيوبي الحائز على جائزة نوبل للسلام: عندما نموت، سيبدو الأمر كما لو أن نملة ماتت، لا أحد يهتم أو ينتبه".
ولا يتمتع المهاجرون الأفارقة بحقوق قانونية، ويشكو الكثير منهم من الاستغلال والاعتداء الجنسي والعرقي من قبل أصحاب العمل، وتم سن قوانين جديدة تحد من حقوق العمال الأجانب وفرص العمل لهم في عام 2013، واستمرت حملات القمع تحت حكم ولي العهد محمد بن سلمان، منذ تولى منصبه في عام 2017، وقال العديد من العمال إنه تم إلقاء القبض عليهم من منازلهم في مدن سعودية مختلفة، قبل وضعهم في تلك المراكز.

المساهمون