عمالة الأطفال... سرقة الأحلام قبل أن تولد

بيروت

لميس عاصي

avata
لميس عاصي
01 مايو 2019
762E2089-DC8F-4F77-9455-5443CACB6B8D
+ الخط -


أطفال يتسولون عند إشارات المرور، وأطفال تنهكهم أشعة الشمس في الحقول والمزارع، وكثيرون غيرهم يقضون طفولتهم في المصانع والورش للحصول على مبالغ مالية لا تكفي حتى لشراء الخبز. واقع يعيشه أكثر من 24 مليون طفل في الدول النامية، ضمن الفئات العمرية ما بين 5 أعوام و14 عاماً، بحسب تقديرات منظمة "يونيسف".

وتقدر منظمة العمل الدولية أن هناك نحو 215 مليون طفل دون سن 18 عاماً يعملون لساعات طويلة في جميع أنحاء العالم. ففي أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى يعمل واحد من كل 4 أطفال تتراوح أعمارهم بين 5 أعوام و17 عاماً، مقارنة بواحد من كل 8 أطفال في آسيا والمحيط الهادئ وواحد من كل 10 أطفال في أميركا اللاتينية. فكيف هو الواقع في عالمنا العربي؟

الحروب مزقت الطفولة

مع ارتفاع حدة التوترات الإقليمية، واتساع رقعة النزاعات المسلحة في أكثر من منطقة عربية، يضطر الأطفال إلى الانخراط في سوق العمل، لتأمين المسلتزمات الأساسية لحياة الأسرة. وملايين الأطفال في اليمن وسورية وليبيا والعراق ولبنان يعملون بدوام كامل أو جزئي لقاء مبالغ زهيدة، وفي ظروف أقل ما يقال عنها أنها خطرة وقاسية.

ويشير تقرير صدر عن جامعة الدول العربية خلال شهر مارس/ آذار الماضي بعنوان "عمالة الأطفال: دراسة نوعية وكمية"، إلى أن الأطفال في الدول العربية التي تشهد أعلى معدلات من الفقر يعملون لساعات طويلة، في حين تنخفض النسبة في الدول العربية ذات الاقتصادات الجيدة. ويرجح معدو التقرير أن الحروب والنزاعات ساهمت في انتشار ظاهرة التسرب المدرسي للانخراط في سوق العمل.

وتبيّن التقديرات أن القطاع الزراعي خصوصاً في لبنان، وسورية، ومصر، والسودان، واليمن يستقطب ملايين الأطفال ليسرق أحلامهم.

الزراعة تستقطب النسبة الأكبر من عمالة الأطفال (جدعون ميندل/Getty) 


الزراعة تسرق أحلامهم

تعد عمالة الأطفال في المناطق الريفية الأعلى مقارنة مع عمالتهم في المدينة، إذ تغيب المقومات الرئيسية للعيش ويفتقر هؤلاء لحقوقهم الأساسية في التعليم واللعب، وهو مظهر من مظاهر غياب العدالة الاجتماعية.

ووفق تقرير الجامعة العربية، يرتكز عمل الأطفال في المنطقة العربية في القطاع الزراعي، ويليه قطاع الخدمات والصناعة. إذ يعمل في القطاع الزراعي أكثر من 70 في المائة من اليد العاملة ضمن الفئة العمرية 5 أعوام إلى 17 عاماً، وتصل نسبتهم في قطاع الصناعة إلى 12 في المائة تقريباً، ومن ثم قطاع الخدمات بنحو 17 في المائة.

وبحسب بيانات منظمة العمل الدولية لعام 2017، فإن أكثر من 85 في المائة من الأطفال في أفريقيا يعملون في القطاع الزراعي، في حين تصل النسبة في الدول العربية إلى 60 في المائة.

أما بالنسبة إلى القطاع الصناعي، فتصل نسبة عمالة الأطفال في أفريقيا إلى 3.7 في المائة مقارنة مع 12.4 في المائة في الدول العربية، أما في قطاع الخدمات ومنها الخدمة في المنازل، فتصل النسبة في أفريقيا إلى 11.2 في المائة، وترتفع في باقي الدول العربية إلى 27.4 في المائة، بحسب المنظمة.

ضيق العيش يجبر الأطفال في اليمن على العمل (سنان ييتر/الأناضول) 


ويتفاوت معدل انخراط الأطفال في العمل إلى حد كبير بين دولة وأخرى، وبين فئة عمرية وأخرى. ففي السودان تصل النسبة ضمن الفئة العمرية من 4 أعوام إلى 15 عاماً إلى 12.6 في المائة، وترتفع إلى 19.2 في المائة ضمن الفئة من 15 إلى 17 عاماً.

ولا يختلف الوضع في اليمن، حيث ساهمت الحرب في تردي الأوضاع الاقتصادية، ورفع نسبة عمالة الأطفال، التي تصل إلى 13.6 في المائة للفئة العمرية من 4 إلى 15 عاماً، وإلى 34.8 في المائة للفئة الأكبر.

كذلك الأمر في كل من مصر والعراق، ففي مصر يعمل نحو 1.2 في المائة ضمن الفئة العمرية 4 إلى 15 عاماً، وترتفع النسبة إلى 13.5 في المائة ضمن فئة الأعمار من 15 إلى 17 عاماً، وفي العراق تصل النسبة إلى 4.9 في المائة في الفئات العمرية الصغيرة.

أطفال يعملون لساعات طويلة بأجور زهيدة (سام تارلينغ/getty) 


أمراض وحوادث وأكثر

يعاني الأطفال العاملون في القطاع الزراعي وفق منظمة "يونيسف" من مشاكل صحية كثيرة، وتصاب نسبة كبيرة منهم بأنواع مختلفة من السرطانات، نتيجة استنشاق المبيدات الضارة.

ورصد برنامج UCW "فهم عمل الأطفال" (برنامج مشترك بين منظمة العمل الدولية ويونيسف والبنك الدولي) أنواع الأخطار التي يتعرض لها الأطفال العاملون في القطاع الزراعي، والتي تتفاوت حدتها من مشاكل تتعلق بالجهاز التنفسي إلى أمراض مزمنة وخطيرة، جراء استنشاق المواد الكيميائية والمبيدات والغبار، إضافة إلى مشاكل جسدية ومنها التقزم وغيرها نتيجة حمل الأثقال، والإصابة بالحمى نتيجة العمل لساعات تحت أشعة الشمس، ناهيك عن أمراض التيفوئيد وغيرها.

أعمال خطرة تنتهك التشريعات

وضع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان معايير ثابتة وأساسية لحماية الأطفال، كما سعت الحكومات حول العالم إلى تأمين التعليم المجاني خاصة للمرحلة الابتدائية، ومنعت الدساتير عمل الأطفال وتعريضهم للمخاطر الجسيمة.


وبالرغم من إلزامية هذه التشريعات، إلا أن ظاهرة تفشي عمالة الأطفال لا تزال منتشرة، وتزداد في دول أفريقيا. وتظهر دراسة الجامعة العربية أن نسبة الأطفال العاملين في أعمال خطرة ترتفع في الدول الأفريقية مقارنة مع الدول العربية، وتصل النسبة  إلى 8.6 في المائة، فيما تصل النسبة في الدول العربية (12 دولة عربية) إلى 1.9 في المائة.
​​

ساعات عمل طويلة

يعتبر عدد ساعات العمل أحد المعايير الرئيسة والمحددة حين يتعلق الأمر بعمالة الأطفال. وتنص توصية منظمة العمل الدولية رقم 146 على توجيهات بشأن الحد الأدنى لسن الاستخدام، مع وجود تفاوت بعدد ساعات العمل القصوى للأطفال بحسب البلدان. ووجدت أن الحد الأقصى بلغ 14 ساعة عمل في الأسبوع للأطفال في الفئة العمرية 12-14 عاماً، و43 ساعة عمل في الأسبوع للأكبر سناً.

وتظهر دراسة UCW، المستندة إلى تقديرات منظمة العمل أن الأطفال العاملين في المنطقة العربية يعملون لساعات طويلة جداً، ووجدت أن الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً يعملون بمعدل 44 ساعة أسبوعياً في مصر، و38 ساعة في العراق، و41 ساعة في الأردن.

ذات صلة

الصورة
أول شاحنة مساعدات لغزة 22 أكتوبر 2023

سياسة

قد تُعقد قمة عربية طارئة في الأيام المقبلة، دعا إليها الرئيس الفلسطيني محمود عباس أخيراً، فيما يكون قد مضى على العدوان الإسرائيلي على غزة أكثر من شهر. في موازاة ذلك، تتعارض الآراء حول أهمية القمة في ظل الدعم الأميركي لإسرائيل.
الصورة
حفل وأطفال في جمعية قرية المحبة والسلام في لبنان (فيسبوك)

مجتمع

تتوالى الانتهاكات التي يقع ضحيتها أطفال في لبنان، في ظلّ انعدام الرقابة الجدية على عمل المؤسسات والجمعيات، وهشاشة نظام الحماية الاجتماعية. ولعلّ أحدث الانتهاكات فضيحة الاتّجار بالبشر، القصّر تحديداً، والتحرّش الجنسي كذلك بجمعية "قرية المحبة والسلام".
الصورة
منى زكي في "تحت الوصاية"

منوعات

انتهى رمضان 2023 ومعه مسلسل "تحت الوصاية" الذي ناقش حق وصاية الأم على أبنائها بعد رحيل والدهم وفق القانون المصري، لكن قصصَ ظلمٍ مؤثرة أحياها المسلسل لا تزال تنتشر على مواقع التواصل. 
الصورة

مجتمع

شهد عام 2022 تصاعد طلبات لجوء مواطنين عرب لدى دول الاتحاد الأوروبي الـ27، بعد تراجعها في 2020، الذي شهد ذروة انتشار جائحة كورونا، وما نجم عنه من إغلاقات للحدود والمطارات، ما صعّب من تحركات المسافرين، ومنهم الباحثون عن اللجوء.