هل تعرف أنه يمكنك استغلال أسئلته وفضوله لتنمية مهارات التفكير لديه، فلم يعد هناك صعوبات كثيرة في الحصول على أجوبة، ولكن الكيفية التي نستطيع تعلمها للحصول على هذه الأجوبة هي الأهم.. والأهم من ذلك كله هو ألا نتوقف عن طرح الأسئلة.. فالسؤال هو أصل المعرفة وأصل العلم وأصل الإبداع والتفوق.
أسئلة صغيرة
تسأل إحدى الصغيرات أمها: هل يملك ذكر الكنغر كيسا لحمل صغيره مثل أنثى الكنغر؟
قد تضحك من السؤال، وقد تتجاهل الإجابة عليه إن كنت مشغولا، وقد ترد بعدم اهتمام.. ولكن الحقيقة أن الأم ردت قائلة: "دعينا نبحث على شبكة الإنترنت.. فربما وجدنا لدى الذكر أيضا كيسا". معرفة الابن أن الأم والأب لا يعرفان بعض الإجابات قد يكون مطلوبا ليتعلم الطفل أنه لا خجل في ذلك، وأن الأهم هو عدم التوقف عن البحث والوصول لأي معلومة نريد.
يستفسر طفل آخر بعد مشاهدته أحد برامج الكارتون باللغة العربية الفصحى عن معنى "طاب صباحك"، فتخبره الأم أنها تعني "ليكن صباحك جميلا" وتواصل: وكلمة "طاب" تحمل أكثر من معنى بحسب الكلمة التي تتبعها، فنقول طاب الطعام، وطاب قلبه، وطابت الأرض.
اغتنم أي فرصة لسؤال ابنك عن أمر ما أو معنى كلمة ما، لتثري مفرداته وتنمي أفكاره وتجعله يفكر معك بصوت عال في معاني كلمات أخرى.
وبينما كانت الجدة تعاقب حفيدها وتعطيه درسا مفاده بأن الرجال لا يبكون، فإذا بحفيدتها سلمى ذات السنوات السبع تستنكر قولها بتساؤل ينم عن تفكيرها غير المستسلم لأفكار الكبار: ولماذا لا يبكي الرجال؟!
والأهم من استنكار سلمى ألا يتم تعنيفها على تعبيرها عن فكرتها الجديرة بالاهتمام (ألسنا جميعا بشرا ونحتاج إلى البكاء في كثير من مواقف الحياة؟).
التفكير.. لماذا؟
يؤكد الخبراء أن الهدف من التربية هو تنمية التفكير بكل أشكاله الإبداعي والنقدي وأسلوب حل المشكلات، وإتاحة الفرصة للتفكير خارج التسلسل المألوف وخارج الصندوق والإطار المعتاد، وإعداد طفل قادر في المستقبل على حل المشكلات غير المتوقعة، وأن يكون لديه القدرة على التفكير في بدائل متنوعة واستنتاجات متعددة، قادر على اتخاذ قراراته بنفسه لرسم مستقبله وفق ما يريده وليس وفق ما نحدده ونخطط له ونمليه عليه، وتأهيله لأسلوب الدراسة القائم على البحث عند التحاقه بالجامعة بعيدا عن أسلوب التلقين والتقيد بالكتاب المدرسي في مرحلة التعليم الأساسي.
التفكير الإبداعي
يمكن تدريب الطفل على التفكير الإبداعي من خلال الصور التي يتعرض لها يوميا وطرح أسئلة تتعلق بهذه الصور، ومحاولة الربط بينها. وكذلك عن طريق سرد القصص وتشجيع الطفل على التنبؤ بنهاية كل قصة وإطلاق العنان لخياله في العيش مع أبطالها ووضع المزيد من الحلول لمشكلاتهم، وماذا كان فاعلا لو كان هو أحد أبطال قصته، وكذلك تزويد الطفل بالقصص المصورة ليُكوّن جملها ومفرداتها بنفسه، ويمكن استغلال حب الطفل للرسم في تنمية فكره الإبداعي، ويؤدي اللعب أيضا دورا أساسيا في تنمية القدرة على الابتكار من خلال بناء المكعبات وعمل أشكال مختلفة منها وكذلك فك اللعب وإعادة تركيبها مرة أخرى.
التفكير الناقد
أي ضرورة التفكير في الأفكار قبل قبولها والتسليم بها، وإعمال العقل قبل الانصياع لأي فكرة، هذا النوع من التفكير النقدي ينمي قدرة الطفل على إدارة الحوار، والنقاش على أسس سليمة والبحث والتنقيب عن المعلومات والأدلة الكافية قبل إصدار الأحكام وعدم تقبل أي أفكار دخيلة قبل التفكير فيها ونقدها، وبالتالي إنتاج شخصيات مستقلة تتمتع بثقة في النفس ومرونة وقدرة على الإقناع وحب الاستطلاع والتحرر من القيود.
حل المشكلات
يذهب بعض الأمهات إلى تسليح أطفالهن بأسلوب حل المشكلات وطرق اتخاذ القرار، ويعتمد ذلك على تحديد المشكلة التي يتعرض لها الطفل وجمع المعلومات حولها للمفاضلة بين حلول مختلفة وصولا إلى الهدف المرجو، فإذا كان في حيرة بين أكثر من لعبة يريد شراءها، فلا تختار له وإنما توجهه من خلال عمل مقارنة عن الكيفية التي سيستفيد من كل منهما في حال امتلكها، ومن ثم يقرر بنفسه أيهما يريد استخدامها أكثر، هذا النوع من التفكير يستفيد منه الطفل في محطات هامة في حياته لاحقاً، كالمفاضلة بين الكليات والتخصصات والجامعات التي يريد الالتحاق بها بعيدا عن التقيد بفكرة المجموع والتنسيق.
الظروف المناسبة
هذه الأنماط من التفكير تحتاج مناخا صحيا وظروفا مناسبة، وهذا ما ذهبت إليه الكاتبة الهندية "شاكونتا لا ديفي" في كتابها "أيقظي العبقرية في طفلك"عندما وجهت سؤالها إلى كل أم: فكري في زهرة الخزامى "التيوليب"، لماذا تنمو بشكل رائع على أرض هولندا؟، وتجيب: لأن التربة ودرجة الحرارة وكمية الرطوبة والبيئة كلها ممتازة، إنها تزهر بفضل الظروف المناسبة، بنفس الطريقة سوف تتفتح عبقرية طفلك بفضل المحيط الخصب الذي يمكنك تهيئته، وانتهاز الفرص للإجابة عن أسئلته وملاحظة طريقته في التعبير واختيار الموقف المناسب لتنبيه حواسه واختيار القصص له عبر تجاربه وألعابه المختلفة.
وإذا كانت مهمة تعليم وتدريب الطفل على التفكير الإبداعي والقدرة على الاستنباط والبحث هي في الأساس مهمة فردية تقع على عاتق الوالدين في تربية وتنشئة الطفل، إلا أن الدول المتقدمة صارت تعتمد هذا الأسلوب في المناهج أو تعليمه بشكل مستقل مثل الولايات المتحدة وكندا وفنزويلا, كما لجأ الكيان الصهيوني إلى إدخال مقررات إجبارية لتعليم التفكير في المجال العسكري والتربوي لتعليم التفكير لأهم شريحتين، وهم الطلبة والجنود.
أما في مصر فقد قررت أكاديمية البحث العلمي للعلوم والتكنولوجيا أن تتيح للأطفال هذا العام 2015 الدخول للجامعة من خلال الدراسة المتوازية بها بإتباع أساليب جديدة في التعليم الإبداعي تقوم على الابتكار والنقد وتنمية المهارات الفكرية ومساعدتهم على تحديد أهدافهم المستقبلية وتعزيز اهتماماتهم التعليمية في الوقت الذي ما زال يتجاهل التعليم الأساسي اعتماد التفكير في المناهج.
الأجهزة الرقمية هي الأخرى تتحكم في طريقة التفكير، وبعد أن أصبحت جزءا لا يتجزأ من حياة أطفالنا، وجب على المربين استغلال شغف وتعلق الأطفال بها في إكسابهم مهارات البحث والإبحار في الشبكة العنكبوتية وصولا إلى مزيد من المعلومات والتفاصيل حول أي معلومة، يساهم ذلك في تقبلهم لفكرة التعلم الذاتي والتفاعل مباشرة مع مصادر المعرفة واكتساب مهارات البحث العملي وتنميتها ومن ثم ضمان تأهيل طالب مميز ومتمرس على فنون البحث التي صار يعتمد عليها جل التعليم الجامعي، كما تساهم الكثير من الألعاب الإلكترونية في تنمية الفكر عند الأطفال والتدريب على إيجاد الحلول المختلفة من خلال ما يواجهه من مواقف.