في واحد من أحياء بغداد القديمة، يتعايش اللاجئ السوري علي صالح وأفراد عائلته مع الفقر، وسط أمل دائم بعودة قريبة إلى الديار. هو كان قد نجا من الموت الذي خيّم على مدينة حلب وخطف جيراناً وأقرباء له. قبل سنوات، استقرّ صالح في العراق، وقد تمكّن في خلالها من تأمين مصدر رزق بسيط لعائلته، "حتى نواصل الحياة" بحسب ما يقول.
عند سؤاله عن كيفية خروجه من سورية ووصوله إلى العراق، يردّ أن رواية نجاته تتطلّب ساعات، "ومختصرها أنّ الموت لم يُكتَب لي ولا لأهل بيتي". يضيف أنه "وسط احتراق كلّ شيء من حولي، إنقاذ أهل بيتي هو كلّ ما فكّرت به. فخرجنا ليلاً من حلب ومررنا في منبج والقامشلي حتى وصلنا إلى مدينة زاخو العراقية (في محافظة دهوك بإقليم كردستان العراق). هناك، نزلنا من السيارة ومشينا نحو 25 كيلومتراً، علماً أنّ عبور ذلك الطريق لم يكن آمناً ومع مشقّات كثيرة".
يتابع صالح سرده: "بعد ذلك، أرسلنا الأمن العراقي إلى مدينة إربيل (عاصمة الإقليم) حيث قدّمنا أوراقنا إلى الأمم المتحدة، فحصلنا من ثم على تصاريح. وعندما سئلنا عن مكان سكننا، أبلغناهم أننا نعيش في منطقة نائية وأننا استخدمنا صناديق البلاستك لصنع سقف لنا يردّ عنا المطر والبرد". ويكمل: "بقينا لمدّة عام ونصف العام ننتظر بارقة أمل من الأمم المتحدة في إربيل من دون جدوى، فانتقلنا بعدها إلى صلاح الدين وثم الأنبار. احتضننا الأهالي في هاتَين المحافظتَين، وفي خلال إقامتنا فيهما فُتحت لنا البيوت وحظينا بالضيافة العربية الأصيلة. لا يمكننا أن ننسى تلك الوجوه الطيبة والخيّرة".
بعد اجتياح تنظيم "داعش" المحافظتَين، هُجّر صالح وعائلته إلى بغداد "حيث بدأت معاناتنا مع الظروف الاقتصادية القاسية". يقول إنّ "بدل إيجار المنزل الذي نسدده حالياً هو 450 ألف دينار عراقي (نحو 380 دولاراً أميركياً) بالإضافة إلى فاتورة المياه والكهرباء"، مشيراً إلى أنّ "لديّ ثلاث بنات وابناً واحداً، جميعهم متزوّجون ويعيشون في بيوت مستأجرة. ونحن نسعى هنا إلى الحصول على أيّ فرصة عمل لتأمين لقمة العيش، لكنّ ذلك ليس أمراً سهلاً".
يحلم صالح بالعودة إلى "سورية التي كنت أعرفها"، لافتاً إلى أنّه "لا أحد مثلي مشتاق للديار وللأهل والجيران والصحبة. لكنني أظنّ أنّ كثيرين إما ماتوا تحت القصف وإما ابتلعهم البحر وإما لجأوا إلى الأردن أو تركيا أو لبنان". لكنه يؤكد أنّ "الأولوية اليوم هي للصغار. نحن لم يحالفنا الحظ للعيش بطريقة مريحة".
وتتدخل الزوجة لتقول إنّ "العائلة تركت سورية مجبرة بعدما تحولت سورية إلى خراب. وقد نمنا في الشوارع وأكلنا ما لا يأكله البشر، ونأمل أن تكون النهاية خيراً وفرحاً لسورية". وتشير إلى أنهم يلاقون "كل خير وودّ من العراقيين، وثمّة تعاطف كبير معنا. لكنّ العراقيين أنفسهم يشكون من أحوال معيشية صعبة، فكيف الأمر بالنسبة إلى الضيوف في هذا البلد؟".