قبلَ أن يأتي إلى لبنان، لم تكن والدته تسمح له بالسهر طويلاً. عند الساعة الثامنة من مساء كل يوم، باستثناء أيام العطل، كان يعرف أن عليه إتمام طقوس ما قبل النوم، ليكون مستعداً للمدرسة في اليوم التالي. والدته اعتادت أن توقظه باكراً ليتناول فطوره قبل الذهاب إلى المدرسة. كانت حياة عادية ولكن جميلة. يقول الجيران إنهم كانوا يتضايقون من ضجيج أولاد الحي الذين يلعبون على مقربة من البيوت بعد عودتهم من المدرسة. عرفوا قيمة أصواتهم هذه حين فقدوها، ولما صار للموت صوت.
هرب هذا الصبي وعائلته من سورية إلى لبنان. هنا اختلف كل شيء. تحققت أحلامه البسيطة وصار بإمكانه أن يسهر. لن تجبره والدته على النوم باكراً بعد اليوم. على العكس، صارت تطلب منه ألا يعود إلى البيت باكراً، عله يجني مزيداً من المال. حلّ الليل منذ بعض الوقت، وقد تعب من الوقوف والتجوال بين السيارات لبيع ما في حوزته. جلس على الرصيف يتأمل أضواء السيارات والناس التي تستمتع بالليل. كم يتمنى اليوم أن ينام عند الثامنة.