عاد أكثر من عشرين ألفاً من فلسطينيي الداخل، أمس الأول الخميس، عودة رمزية إلى قرية خبيزة المهجّرة، ومكثوا، لساعات معدودة في سهلها، الذي تكشّف عن حصاد مبكر قام به مستوطنو الكيبوتسات والبلدات اليهودية الإسرائيلية التي قامت على أراضي منطقة الروحة، الواقعة جنوب شرق حيفا على مسافة 39 كيلومتراً، وفقاً لكتيّب أصدرته جمعية حقوق المهجرين في الداخل. هُجّرت غالبية قرى الروحة، مثل خبيزة وأم الشوف وصبارين والسنديانة وبريط، في 12 مايو/أيار من العام 1948، بعد هجوم منظّم لمنظمة الإيتسيل الإرهابية، فيما تنكّر عناصر كيبوتس "جلعاد" لجيرانهم ولوعدهم بمنع تهجيرهم، بل سارعوا بعد التهجير والنكبة إلى الاستفادة من الأراضي الخصبة لخبيزة والقرى المجاورة لها وبنوا اقتصادهم على زراعتها وهم يلهجون بنشيد أخوة الشعوب الاشتراكي الأممي ويقدسون العمل العبري على أرض مغتصبة.
عشرون ألف فلسطيني، أو أكثر بقليل، جاؤوا من قرية البصة المهجرة في أعالي الجليل، وحتى القرى مسلوبة الاعتراف في جنوب النقب، في مسيرة أصبحت تقليداً، تعكس قبل كل شيء، تشبّث أكثر من ثلاثمائة ألف فلسطيني، وجدوا أنفسهم مهجرين في الوطن، يعيش بعضهم أحياناً على مسافة مئات الأمتار لا أكثر من بيته القديم، بحقهم الأساسي في العودة، العودة إلى نفس البيت والساحة مهما طال الزمن.
"هنا في خبيزة، بدأ كل شيء، وهنا ينتهي كل شيء"، هي الجملة القصيرة التي استهل بها الأسير المحرر من قيد الاحتلال مطلع الأسبوع، أمير مخول، كلمته في مسيرة العودة، وهي تحكي كل شيء وتختصر كل شيء. النكبة فعل متواصل لم ينته وسيبقى متواصلاً ما دام اللاجئ في المنفى والمهجر على مسافة "خبط عصا" من بيته، فيما ينعم المغتصِبون بأرضه، وحقوله وعيون الماء.
في خبيزة، وفي الدامون، وفي البصة، وفي الشيخ مؤنس، وفي خربة الشيخ بدر، وفي ذبالة النقب، وعمواس، ويالو، في كل ما حمل الوطن من قرى مهجرة، أكثر من 500 قرية وخربة وبلدة، بدأ كل شيء، وفي كل هذه القرى الموزعة على الوطن من شماله إلى جنوبه لا بد أن ينتهي كل شيء، بعودة اللاجئ والنازح والمهجر إلى بيته ومسقط رأسه وبئره الأولى. هؤلاء نقطة الضوء والأمل في الإبقاء على جمرة الثورة مشتعلة، وفي رفض وإفشال كل مشاريع التصفية من أولها إلى آخرها، سواء كان اسمها أوسلو أم "فلسطين الجديدة"، فما ضاع حق وراءه مطالب.