على أبراج لا نراها

02 مارس 2017
(الشاعرة، تصوير: إيفلين فلور)
+ الخط -

ولا تعُدْ

سلكتَ طريق بلد الليل.
الصحراء هناك صقيع
والنجوم يقتلها الضجر.
افتح ذراعيك واحفر عميقاً،
سيصير الغبار خبزك،
سترويك دموعنا
اذهب، اذهب ولا تعد
إذا سمعت الحجر يعوي،
فاعلم أنهم يحفرون حروف اسمك فيه.



ريسيفي

المدينة تحبس أنفاسها.

أطفال، بأجساد لامعة،
يقفزون من الشعاب
يطلقون صيحات ضفادع.

هواء البحر
ينشر فوق الإسفلت حطام جثث معدنية


القطط تتخلّى عن فرائسها
تتجه صوب الشاطئ.

إنها ليلة القمر المستدير،
ليلة الدم يكتنفه الرمل،
ليلة لا تنسى،
ليلة يدلف فيها قطّاع الطرق المتصوفون إلى بطون الكنائس،
ليلة ندم الأمهات على عشاقهن،
ليلةٌ بعيون مفتوحة ويد تطبق على الفم،
ليلة الطاولات المنصوبة في الفراغ،
ليلة السيرك الفارغ،
ليلة برزخ "كروز دو باتراو"
حيث تلمع في ضوء القمر
جماجم أطفال أفريقيا الطاهرة.



حلم أورفيوس

في الجحيم البشر
ليسوا سوى ظلال،
سأتخذّ من جسدك ظلاً.

سأشيّد مدناً من الرمل
ليجفّ النهر الذي لا عودة منه.

سنرقص على أبراج لا نراها.

سأكون لسانك المقطوع الذي لا يتقن الكذب.
وسنلعن الحبّ الذي فقَدَنا.



حلم أوريديس

سنحفر أثلاماً جديدة نغطيها بالرماد
سنشهد موت الريح المحمّلة بالنسيان.
ستكون جيوبي مثقلة بتفاح سرقته ممن يفوقني فقراً.
سنقشره بالسيوف.
ومن بقايا أحلامنا
سنشيّد أخرى
خلف النيران
وخلف حدود النظر.



جلدها الدافئ المعتم

جلدها الدافئ المعتم
كليلة صيفية
يتمدّد يراوغ الفجر
حين تفرد من جديد جسدها،
جسد فرس متوحش
يحفر في غياهب ساقيها
فردوساً لصائد العصافير



هــــــــي

كل هذا ذو ذاكرة آثمة
الشعراء أعادوا اختلاق كل شيء
كان يعوزنا رجل
يتخطى الآلهة
وككل الرجال
بعيداً عن بيته
يلعن البحر الخمري
يخدش وجهه

عندما مات الشاعر
عشرة آخرون حلّوا مكانه وأعادوا كتابة التاريخ
هكذا خلق الإنسان الأسطورة

علّقتُ الأمل على جدران زنزانتي
لا أرض أرحب من أرض ذاكرتي
حفرتُ جبالها، أفرغت أنهارها
قلبت حجارة أسوارها كلها
بانتظار عودة عشيقي البربري

هذا الرجل يلمّ أصواتكم
يتحمّل هذيانكم
ويرتدي كل الأقنعة
هذا الرجل الذي تسمّونه أوديسيوس



[من النشيد السادس]
هــــــــي

أعطني اسماً، أوديسيوس
أعطني اسماً لأستطيع الانتظار
سأكون هنا، ستكون مرآة
سأتبعها إلى هناك، مواربة، على حافة كرسي، على طريقة العصافير
والألم في فخذي حتى لا أضيع في هذا الجانب من المرآة

في الصباح سأرتدي أقراطي
لن أنزعها حتى في السرير فلربما فاجأتَني في منتصف الليل

لكن إن كنتُ بلا اسم كيف لي أن أعرف من سيسهر هي أم أنا؟



أوديسيوس

أأعطيكِ اسماً؟
أأعطيكِ اسماً حين ترقصين في الظلام في شوارع مقفرة مع كلاب كبيرة؟
أأعطيكِ اسماً حين تذهبين إلى النهر في لباس النوم تحت شمس ساطعة متجاهلة رجالاً ضاعوا وهم يظنون أنهم ممسكون بك؟

سأهديك برتقالاً
وسكيناً لتقشريه ليس أكبر من الإبهام
سكيناً عاجياً سأسرقه بعد المعركة
هدية ميت لامرأة أخرى
سيكون عليكِ التفكير بها، بملاءاتها الباردة، بثقب في جيبها مكان السكين

سأهديكِ حفنة عشب احتفظتُ بها طويلاً أسفل نعلي
عشباً ينمو حيث ترقد الأجساد
وينتصب كحراس تماماً حيث ينتهي الهروب.


بحثاً عن وجه

ولدت أوريليا لاساك Aurélia Lassaque عام 1983 وهي شاعرة بالفرنسية والقسطانية لغتها الأصلية. من أعمالها "لكي يغني السلمندر" (الصورة/ منشورات برونو دوسي، 2013). وسيصدر ديوانها "بحثاً عن وجه" في أيار/مايو 2017 عن الناشر نفسه. بناء على إرثها القسطاني، تلتفت الشاعرة إلى البعد الشفاهي والمشهدي للشعر، وتتعاون مع موسيقيين وفنانين أدائيين، وتجمع الشعر إلى الغناء بلغتها الأصلية. وهي أيضاً باحثة قدّمت أطروحة دكتوراه حول المسرح القسطاني في القرن السابع عشر.


* ترجمة عن الفرنسية: روز كلش

 
المساهمون