علم لا يظهر منه إلا السيف

04 أكتوبر 2017
+ الخط -
كان لدي زميل دراسة مغربي مقيم في الرياض، دائم الشكوى من مشكلة لا توجد سوى في السعودية، ولا حل لها. كان هذا الأستاذ في جامعة سعودية محروما من إمكانية السفر خارج المملكة لحضور موتمر أو نشاط أو لقاء، لسبب يبدو تافها، لكنه معقد هناك. ليس لديه سائق، فراتبه لا يسمح له بذلك، وزوجته المغربية التي تسوق في كل بلاد الدنيا لا تستطيع أن تجلس خلف المقود لتأخذ الأطفال إلى المدرسة، أو لتزود البيت بحاجياته من السوق في غياب الزوج. لهذا يظل في الرياض إلى أن تحين العطلة السنوية، فيأخذ العائلة إلى المغرب أو أوروبا، حيث تستطيع زوجته أن تسوق سيارة.
حل قرار ملكي الأسبوع الماضي هذا المشكل، وسمح للمرأة السعودية بقيادة السيارة، ولكي يخفّف من صدمة القرار على التيار الديني الوهابي المتنفذ في البلاد، استشار هيئة كبار العلماء الذين نقضوا فتوى سابقة لهم تحرّم على الجنس الناعم سياقة السيارات، وقالوا اليوم: (التحريم ارتبط بما يحيط بسياقة المرأة للسيارة من مخاوف السقوط في الاختلاط أو الفتنة أو ما شابه، وإن مبررات المنع في السابق كانت من باب سد الذرائع، وهي ظنية وليست قطعية، أما وأن ولي الأمر سمح بذلك، وأحاطه بضمانات، فإن هيئة العلماء لا ترى مانعا). وتعرض كبار علماء الوهابية لسخرية سوداء من تناقضاتهم هذه، سواء في معسكر مؤيدي القرار أو في معسكر رافضيه.
سارع الصديق الجديد للرياض، الرئيس الأميركي دونالد ترامب، من واشنطن للترحيب بالقرار الذي يعطي للمرأة السعودية بعضا من حقوقها، فيما صمت عن حق 26 مليون سعودي في دستور وبرلمان وأحزاب ونقابات وإعلام حر وقضاء مستقل وحرية قول ودولة مؤسسات، هذه كلها مطالب معلقة على إرادة الحاكم ودرجة شهيته للسلطة.
وعلى الرغم من أن المملكة التي تنتج 12 مليون برميل من النفط في اليوم، تصرف مليارات على تحسين صورتها في العالم، فإنها توجد في أسفل ترتيب الدول من حيث السمعة في الخارج، ويكفي للإنسان أن يطل على وسائل الإعلام الأميركية والأوروبية، وعلى أفلام هوليوود، وعلى مكتبات لندن وباريس ونيويورك، ليكتشف أن العلم الأخضر للمملكة لا يظهر منه إلا السيف.
ويطرح قرار السماح لنصف المجتمع بسياقة عربة جملة من الملاحظات: أولا: السعودية على أبواب نهاية "الحلف المقدس" الذي جمع بين آل سعود ومحمد عبد الوهاب. ولا يمكن لدولة حديثة أن تعيش رهينة مؤسسة دينية كهنوتية، حتى وإن وفرت لها شرعية الولاء المطلق للحكم، لأن هذا التعايش بين الحاكم الذي يسيطر على السلطة ورجل الدين الذي يسيطر على المجتمع، أصبح مكلفا للمملكة في الخارج والداخل، فالسعودية، ومنذ هجمات "11 سبتمبر" في 2001، وهي تتعرض لضغوط قوية باعتبارها مسؤولة أيديولوجيا عن 15 سعوديا من أصل 19 انتحاريا كانوا على متن الطائرات الأربع التي انفجرت في أميركا.
ثانيا: لا تقود مظاهر التشدد الديني مع المجتمع السعودي إلى سلامته، ولا إلى طهارته، ولا إلى نقائه، كما يتوهم العقل الفقهي الوهابي، العكس هو الصحيح، تقول جل الإحصائيات إن ثلاثة بلدان إسلامية توجد على قائمة البلدان التي تعرف أعلى معدلات التحرّش الجنسي، وهي: السعودية ومصر وأفغانستان، وكلها دول محافظة ومتدينة شكليا، ويحتل الفقهاء والوعاظ فيها دورا بارزا في توجيه سلوك المجتمع. حظر التربية الجنسية في المدارس، وزرع الثقافة الذكورية التي تحتقر المرأة في عقلي الرجل والمرأة، وغياب المساواة بين الجنسين، وبين المواطنين عموما، كلها أعطاب تحرر الغرائز، وتنتج سلوكيات غير أخلاقية بوجود التدين أو في غيابه.
ثالثا: يوما بعد يوم، يتضح "نفاق" المؤسسة الدينية الرسمية في السعودية، وفي بلدان عربية أخرى، حيث تتعرى تبعيتها للسلطة، وينكشف دورها في نشر قيم العبودية للحاكم، والطاعة لولي الأمر، والاستخفاف بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، فطاعة ولي الأمر واجبة (حتى وإن ضربك على ظهرك وأخذ مالك)، كما يردد علماء السعودية، مخالفين قيم الدين الذي لم يجعل الإكراه حتى في الإيمان. وقال تعالى: "لا إكراه في الدين"، وقال "ومن شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر". فكيف يسمح الخالق بالإكراه في السياسة والاجتماع والثقافة والتعليم.
ستسوق المرأة السعودية في سنة 2018 سيارة أميركية أو يابانية أو ألمانية، لكن من يسوق بلاد الحرمين نحو بر الأمان؟
A0A366A1-882C-4079-9BED-8224F52CAE91
توفيق بوعشرين

كاتب وصحفي مغربي، رئيس تحرير جريدة "أخبار اليوم" المغربية.