تشكو المستشفيات التونسيّة من عدم قدرة الأقسام على الاستيعاب، في ظلّ تخوّف من تدهور الخدمات الصحيّة وعدم توفّر التجهيزات اللازمة. وعلى الرغم من ذلك، أعلنت وزارة الصحة العموميّة أخيراً عن توقيعها اتفاقيّة تعاون مع وزارة الصحة الليبيّة تمكّن الليبيّين من تلقّي العلاج في مستشفيات تونس العموميّة. وهو ما أثار انتقادات كثيرة وخلّف شكوكاً في إمكانيّة نجاح التجربة.
في الفترة الممتدة ما بين عام 2011 وعام 2013، أدخل أكثر من 40 ألف مريض ليبي في تونس إلى المستشفيات، بحسب ما أفادت الغرفة الوطنيّة للمصحات الخاصة. ويقول رئيسها خالد النابلي لـ"العربي الجديد" إنّ المستشفيات الخاصة في تونس شهدت توافد آلاف الليبيّين بعد الثورة، من جرّاء الإصابات التي تعرّضوا لها في خلال المواجهات. لكن بعضهم لم يتمكّن من تحمّل كامل كلفة العلاج، فبلغ مجموع ديون المرضى الليبيّين أكثر من 80 مليون دينار تونسي (100 مليون دولار أميركي). إلى ذلك، قارب عدد المرضى الليبيّين في المستشفيات العموميّة والخاصة، 800 ألف مريض.
يضيف النابلي أن هذه الديون جعلت المستشفيات الخاصة غير قادرة على استقبال أي مريض تتكفل بعلاجه مصالح الصحة في السفارة الليبيّة في تونس.
تعاون في اتفاقيات
وكانت الحكومة ممثلة بوزارة الصحة، قد ارتأت توقيع اتفاقيّة تعاون بينها وبين ليبيا تقضي بتأمين علاج المرضى الليبيّين في المؤسسات الاستشفائيّة العموميّة التونسيّة. كذلك، كانت اتفاقيّة تعاون بين وزارة الصحة التونسيّة ونظيرتها الليبيّة، تجيز للمستشفيات العموميّة المرخّص لها إجراء عمليات استئصال وزرع أعضاء وأنسجة بشريّة.
وتقضي الاتفاقيّة أيضاً بتأمين خدمات الأنسجة البشريّة بالتنسيق مع المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء والمركز الوطني لزرع النخاع العظمي، وذلك في حدود الإمكانات وطاقة الاستيعاب المتاحة. لكن ذلك يشترط أن يتحمّل الطرف الليبي ممثلاً بسفارته في تونس، تكاليف سفر مرضاه والمتبرّعين لهم بالأعضاء المحتملة، وكذلك تكاليف إقامتهم والعلاج المقدّم لهم من قبل مختلف المستشفيات المرخص لها في مجال استئصال الأعضاء والأنسجة البشريّة وزرعها.
من جهة أخرى، تتكفل السفارة الليبيّة بتأمين تكاليف العلاج لكل المرضى والمصابين المؤهلين في مركز الإصابات والحروق البليغة، وبالتزامها تسديد الفواتير المترتبة عليها وفقاً لما تنصّ عليه اتفاقيّة وقّعت لهذا الغرض.
مزاحمة أهل البلد
لكن اتفاقيات التعاون الصحي التي وقّعها الجانبان الرسميان التونسي والليبي، أثارت جدالاً وتساؤلات في الشارع التونسي حول تأثيرات فتح المؤسسات الاستشفائيّة العموميّة أمام المرضى الليبيّين، نظراً للاكتظاظ الذي تشكو منه المستشفيات في الأساس وعدم قدرتها على استيعاب المرضى التونسيّين، وأيضاً بسبب مزاحمة التونسيّين في ما يتعلّق بالخدمات العلاجيّة في القطاع العام.
في مستشفى "الرابطة" في العاصمة تونس، يستغرب المواطن علاء السايحي "هذا الاتفاق لا سيّما أنّ المستشفيات التونسيّة تشكو الاكتظاظ وتدهور الخدمات. فبعض المرضى تتأجل عملياتهم الجراحيّة التي من المفترض أن يخضعوا لها، بسب عدم توفّر أسرّة شاغرة".
من جهتها، تقول مواطنته رحمة إبراهيم إنّ "الليبيّين توافدوا إلى تونس بالآلاف ومعظمهم مصابون من جراء المواجهات التي تشهدها البلاد. صحيح أنه من واجب تونس مساعدة الشعب الليبي، لكن هل تنجح هذه التجربة في تنفيذ الاتفاقيات، خصوصاً وأن التونسيّين يتذمرون بمعظمهم من الخدمات الصحيّة التي تُقدّم في المستشفيات العموميّة؟".
الصحة تطمئن
وتردّ مديرة التعاون الدولي في وزارة الصحة سنيّة بالشيخ على مخاوف التونسيّين وامتعاضهم قائلة إنّ الاتفاقيات المبرمة لن تمسّ أولويّة أن يستفيد التونسي بالعلاج وبكل الخدمات الصحيّة في القطاع العام.
وتشير إلى أن "التعاون المطروح في إطار الترحيل الصحي مشروط بقدرة استيعاب المستشفيات والإيواء وإمكانيات الطاقم الطبي التونسي". وتشدّد على أن ذلك لن يزيد من الاكتظاظ الذي تعاني منه المستشفيات ويشكو منه المواطنون والطواقم الطبيّة على حدّ سواء، نظراً لانحصار الخدمات المتاحة أمام المرضى الليبيّين في ثلاثة اختصاصات دون غيرها، بالإضافة إلى تحمّل الطرف الليبي تكاليف الإقامة والعلاج وكذلك تكاليف سفر المرضى والمتبرّعين لهم.