عقود الغاز الجزائري... التخلي عن الإمدادات طويلة الأمد

06 يوليو 2019
محطة لمعالجة الغاز في جنوب الجزائر (Getty)
+ الخط -
دقت ساعة تجديد عقود إمدادات الغاز الجزائري نحو جنوب أوروبا. إذ تمكن المجمع النفطي "سوناطراك" الجزائر من تجديد ثلاثة عقود غازية كبرى مع شركاء أجانب، في عز الحراك الشعبي، ووسط غموض المشهد السياسي والاقتصادي اللذين تعيشهما البلاد منذ فبراير/شباط الماضي. ورغم تجديدها لعقود إمدادات الغاز مع إسبانيا، ايطاليا والبرتغال في انتظار فرنسا.

واللافت في ساحة "تجديد عقود الغاز" أن الجزائر تخلت لأول مرة عن أهم شروطها في المفاوضات سابقاً وهو "العقود طويلة الأمد"، حيث تفضل الجزائر توقيع عقود بين 20 إلى 25 سنة، على أن تخضع العقود لمبدأ “Take Or Pay"، أي "يتَعَيّنُ على المشتري استلام الكمية المتعاقد عليها ودفع ثمنها حتى وإن لم يستلمها". إلا أن تطور السوق العالمية للغاز، وظهور منافسين سواء في الغاز التقليدي أو الصخري، دفع بالجزائر إلى مراجعة "عقيدتها التجارية" في مجال تصدير الغاز.

فقد دخلت الجزائر مطلع السنة الحالية مرحلة تجديد عقود الغاز مع شركائها التقليديين، بعد وصول أغلب العقود إلى نهاية آجالها مع انتهاء السنة الحالية. وكانت البداية في 16 مايو/أيار الماضي مع شركة "إيني" الإيطالية الشريك التاريخي للجزائر و"سوناطراك"، حيث وقّع الطرفان على تجديد عقود توريد الغاز لإيطاليا لعشر سنوات اعتبارا من 2020، وبكميات تتراوح بين 9 مليارات و10 مليارات متر مكعب سنويا. رغم أنها كمية أقل مما كانت عليه سابقا بالنظر إلى تراجع نمو الاقتصاد الإيطالي.

ثم اتفق الطرف الجزائري مع نظيره البرتغالي "غالب" في 11 يونيو/ حزيران الماضي، على تجديد عقد تصدير الغاز لعشر سنوات أخرى اعتبارا من 2020، بكميات تصل إلى 2.5 مليار متر مكعب سنويا. وجاء الدور نهاية يونيو، إلى شركة "إينال" الإيطالية التي ستزودها "سوناطراك" بـ 3 مليارات متر مكعب سنويا، لمدة 8 سنوات اعتبارا من 2020.

ويضاف إلى هذه العقود، تلك التي جددت العام الماضي مع كل من "بوتاش" التركية، التي ستزودها "سوناطراك" بكميات من الغاز تقدر بـ 5 مليارات متر مكعب سنويا لمدة 5 أعوام.

كما جددت "سوناطراك" في شهر آب/أغسطس 2018 عقد توريد الغاز إلى إسبانيا من خلال شريكها "ناتيرجي"، بكميات سنوية تقدر بـ 8 مليارات متر مكعب على امتداد 9 سنوات، ما يرفع صادرات الجزائر الى قرابة 29 مليار متر مكعب سنويا، نحو جنوب القارة الأوروبية، في انتظار تجديد العقود مع شركتي "توتال" و"غاز-سويز" الفرنسيتين، اللتين تعثرت المفاوضات بينهما وبين “سوناطراك" بسبب مدة العقود التي تريدها فرنسا 5 سنوات قابلة للتجديد، في حين تتمسك الجزائر بـ 10 سنوات على الأقل.

وحسب الخبير في الطاقة مزياني مهماه، فإن "تجديد العقود بالنسبة للجزائر يعد نجاحا في ظل دخول منافسين جدد كروسيا التي أبدت استعدادها لتموين الجنوب الأوروبي بالغاز، كما هو حال النرويج أيضا".

ويرى الخبير الجزائري في حديث مع "العربي الجديد" أن "ما شفع للجزائر في تجديد العقود الكبرى لتصدير الغاز، هو وفاؤها بالتزاماتها دوما تجاه الشركاء الأجانب وفي أحلك الظروف، كما كان عليه الحال في العشرية السوداء (سنوات الإرهاب المتطرف)، أو منذ الحراك الشعبي مثلا، الذي زاد من مخاوف شركاء الجزائريين من تأثر إمدادات الغاز".

وكانت الجزائر قد صدرت السنة الماضية 51 مليار متر مكعب من الغاز، 35 في المائة نحو ايطاليا و31 في المائة نحو إسبانيا، و13 في المائة نحو البرتغال و8 في المائة فقط نحو فرنسا، في حين تم تصدير 75 في المائة عبر الأنابيب الثلاثة التي تربط الجزائر بإيطاليا وإسبانيا، وفق أرقام "سوناطراك".

ويؤكد عبد المجيد عطار نائب رئيس الجمعية الجزائرية لصناعة الغاز والمدير العام الأسبق لمجمع "سوناطراك" أن "عهد العقود طويلة الأمد انتهى دون رجعة"، معللا رأيه في حديث مع "العربي الجديد" بالقول إن "تجديد العقود مهما كانت مدتها يعتبر نجاحا للجزائر، وذلك لتغير المشهد الطاقوي العالمي، بدخول أميركا قائمة كبار مصدري الغاز مع قطر وأستراليا.

أيضا دخول 4 دول أفريقية قائمة المصدرين مستقبلا وهي موريتانيا والموزمبيق بالإضافة إلى السنغال وتنزانيا. كل هذه المعطيات دفعت بالعملاق الروسي "غاز بروم" أكبر مزود للقارة الأوروبية بالغاز إلى رفع إنتاجه للإبقاء على هيمنته. كل هذه المتغيرات يضاف إليها ارتفاع الطلب الداخلي على الغاز، تجعل الجزائر لا تغامر في عقود طويلة الأمد، يمكن أن تهوي فيها الأسعار".
دلالات
المساهمون