عقوبات الاحتلال بحق الخليل تكشف عجزه عن وقف الانتفاضة

04 يوليو 2016
دفع الاحتلال بمزيد من قواته إلى الخليل(حازم بدر/فرانس برس)
+ الخط -

أظهرت عودة عمليات المقاومة في الأراضي الفلسطينية المحتلة نهاية الأسبوع الماضي، من جديد، مدى ضعف الآمال التي علّقها الاحتلال الإسرائيلي على التراجع في عدد العمليات في الأشهر الثلاثة الأخيرة، مع محاولته الادعاء بأنها تؤكد خبو الانتفاضة وتراجعها بفعل نشاطه الحازم في ضربها عبر جملة من الخطوات التي قام بها، أهمها اعتماد سياسة الإعدامات الميدانية، والتي فضحتها عملية إعدام الشهيد عبد الفتاح الشريف في الخليل في 24 مارس/ آذار الماضي.
ومع مسارعة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى عقد اجتماع طارئ للمجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية، مساء أول من أمس السبت، والتصريح بأنه اتفق منذ يوم الجمعة الماضي، مع وزير أمنه أفيغدور ليبرمان، بالرد على عملية كريات أربع التي نفذها الشهيد محمد طرايرة، ببناء 42 وحدة سكنية في مستوطنة كريات أربع، وتشديد القبضة على قرية بني نعيم بداية ثم توسيع نطاق الحصار والطوق الأمني ليشمل مجمل محافظة الخليل، فقد أقر محللون في وسائل الإعلام الإسرائيلية المختلفة أنه لن يكون أمام المجلس الوزاري المصغّر للشؤون الأمنية والسياسية الكثير مما يمكن أن يفعله في مواجهة التصعيد الجديد في الانتفاضة.
وشكّلت القرارات التي تم اتخاذها خلال مداولات المجلس الوزاري المصغّر، مجرد مصادقة على التوصيات التي اقترحها جيش الاحتلال، مع زيادة قرار تخصيص مقبرة خاصة لجثامين الشهداء وعدم إعادة هذه الجثامين لذويها، وهو ما بدا واضحاً أنه نتاج التغيير في وزارة الأمن. فقد جاءت هذه الخطوة، كمحاولة لاسترضاء الانتقام والتطرف في اليمين الإسرائيلي، لكونها تتناقض كلياً مع السياسة التي كان يعتمدها الجيش الإسرائيلي تحت ولاية وزير الأمن السابق موشيه يعالون. فقد كان يعالون ومعه قيادة الجيش على قناعة بأن سياسة الاحتفاظ بجثامين الشهداء من شأنها فقط أن تزيد من لهب الانتفاضة.
وفي ظل عجز الاحتلال عن "ابتكار وسائل جديدة" لضرب الانتفاضة، فقد ركزت قرارات المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية على توسيع دائرة العقوبات على الفلسطينيين ككل. فبدلاً من سياسة إلغاء تصاريح عمل أهالي وأقارب الشهداء، قرر الاحتلال هذه المرة بشكل معلن إلغاء كافة تصاريح العمل الممنوحة لسكان قرية بني نعيم، والمقدّر عددها بنحو 2800 تصريح. وإذا أضيف لذلك فرض الحصار على القرية، فإن النتيجة هي حصار وضربة اقتصادي لقرية بأكملها. لكن ذلك لم يكن كافياً للاحتلال، فتقرر أيضاً، أن يشمل الحصار وتقييد حرية التنقل، مجمل قرى وبلدات محافظة الخليل التي يقطن فيها نحو 700 ألف فلسطيني على الأقل.
وتهدف هذه العقوبات الجماعية إلى ضرب اقتصاد محافظة الخليل، خصوصاً أن مدينة الخليل والبلدات المحيطة بها، تشكّل في واقع الحال، خلافاً مثلاً لمدينة رام الله أو نابلس، المحرك الاقتصادي الأكبر للاقتصاد الفلسطيني في الضفة الغربية ككل. وبالتالي فإن فرض الحصار عليها ومنع حرية التنقل يعني أيضاً ضرب مراكز الاقتصاد الأخرى في الضفة الغربية. ولما كان الاقتصاد الفلسطيني يقوم أساساً على التجارة، لقلة وضعف قطاعات الصناعة والإنتاج فيه، فإن ضرب حرية التنقل والحركة في محافظة الخليل سيترجم مباشرة بتراجع في حركة الاقتصاد والتجارة الفلسطينية ككل.


لكن العقوبات الجماعية التي أقرتها إسرائيل على محافظة الخليل وبلداتها، ليست بالأمر الوحيد، إذ قام الاحتلال بالدفع بكتيبتين إضافيتين إلى منطقة الخليل، وتشديد الرقابة في محاور الطرق الرئيسية، مع زيادة في عمليات المداهمة لبلدات الخليل، وتعزيز الرقابة على صفحات التواصل الاجتماعي، بالتوازي مع اتهام وزيرين من أعضاء الكابينيت الإسرائيلي، هما جلعاد أردان ونفتالي بينيت، لإدارة "فيسبوك" بأنها تتحمّل مسؤولية عن استمرار اشتعال الانتفاضة، لاستخدام الفلسطينيين موقع "فيسبوك" في نشر "الدعاية المحرضة" ضد الاحتلال.
لكن هذه الخطوات المجتمعة، ومعها محاولة الضغط على السلطة الفلسطينية لإبداء مزيد من التعاون الأمني مع سلطات الاحلتال، عبر تجميد أموال الضرائب المستحقة لها، لن تكون قادرة باعتراف عضو الكابينيت الإسرائيلي، يوآف غالانط، على تحقيق هدف القضاء على العمليات الفلسطينية بشكل محكم، وتحقيق صفر من العمليات الفلسطينية.
ولعل الجديد في سلسلة الخطوات التي كان سبق للاحتلال أن لجأ إليها في يونيو/ حزيران 2014 بعد عملية اختطاف المستوطنين الثلاثة، هو ترسيخ الفجوة بين مواقف وسياسة وقادة الجيش والأذرع الأمنية، وبين المستوى السياسي للحكومة الإسرائيلية، والتي وجدت نفسها وعلى رأسها نتنياهو، وحتى نفتالي بينيت، في حالة من الحرج في مواجهة المستوطنين المطالبين بتحقيق الأمن لهم، عبر مزيد من البطش والاستيطان رداً على العمليات الفلسطينية.
وفي هذا السياق أشار المحلل العسكري في "هآرتس"، عاموس هرئيل، إلى أن التوجّه الجديد بوقف "الفصل بين مجمل السكان في الضفة الغربية المحتلة وبين منفذي العمليات، والذي تتم ترجمته الآن بالعقوبات الجماعية، يشكّل رهاناً خطيراً، لأن هذه العقوبات تمس مئات آلاف الفلسطينيين الذين سيتضررون منها"، مشيراً إلى أن "الحكومة تخاطر هنا برد فعل شعبي قد يتحوّل إلى انفجار سيل من العمليات، لا سيما في ظل الوضع الجديد المتمثل بوجود ليبرمان في وزارة الأمن من جهة، واستمرار ضعف هيبة ومكانة السلطة الفلسطينية التي باتت تعيش حرب وراثة علنية لمن سيأتي بعد الرئيس الحالي محمود عباس".
هذا الواقع الجديد مع كون عملية الجمعة تمت بالاستعانة بالأسلحة النارية، واحتمالات تصعيد من الجبهة الجنوبية في غزة، عوامل تضع حكومة الاحتلال تحت مزيد من الضغوط، خصوصاً أن هذه الموجة من الأعمال امتازت بغياب الحديث عن أية مبادرة أو اقتراح أو إشارة إلى أن الحل الوحيد هو إطلاق مبادرة سياسية أو تحرك دبلوماسي.
في المقابل، لفت المحلل العسكري في "يديعوت أحرونوت"، يوسي يهوشواع، إلى أن قرارات الكابينيت الإسرائيلي، هي محاول عملية لتمرير رسالة بأن إسرائيل انتقلت من الرد على العمليات، إلى المبادرة للهجوم. لكنه أشار إلى أن الهجوم الإسرائيلي وتحديداً في منطقة الخليل، يحتاج إلى المعلومات الاستخبارية، فيما تشكّل محافظة الخليل، نوعاً من الحصن المنيع الذي فشلت الاستخبارات الإسرائيلية لغاية الآن في اختراقه. وبالتالي بحسب يهوشواع، سيكون على الاحتلال الآن أن يحاول قدر الإمكان، البحث عن معلومات أولية ومحاولة بناء شبكة استخباراتية لتتبّع عناصر "حماس" والمقاومة الفلسطينية، خصوصاً أن الانتفاضة الحالية ولغاية الآن، كانت بإقرار الاحتلال نفسه، انتفاضة أفراد يصعب رصد تحركات أفرادها، أو التنبؤ بقرارهم في تحديد موعد ومكان العملية، خلافاً لحالة ترقب ورصد نشاطات خلايا منظمة للفصائل الفلسطينية.
وبالتالي فإن لجوء الاحتلال إلى العقوبات الجماعية ووقف الفصل بين منفذ العمليات وبين مجمل الفلسطينيين، مع تشديد القبضة الاقتصادية وقبضة القمع عبر حملات اعتقال واسعة، قد يرتد على الاحتلال بحالة انتفاضة شعبية شاملة لشرائح واسعة من المجتمع الفلسطيني، خصوصاً في محافظة الخليل، إذا واصل الاحتلال فرض الطوق الأمني عليها، وضرب حركتها الاقتصادية، ومنع سكان المحافظة من العمل داخل إسرائيل، مما سيخلق نسبة بطالة عالية، تزيد من حالة الاحتقان والغضب والإحباط في المجتمع الفلسطيني لا يمكن التنبؤ بتداعياتها المستقبلية.