عقلية ذكورية تحكم المرأة

07 ديسمبر 2015
+ الخط -
وحدها التبعية التي تخلقها السلطة الذكورية هي الممارسة الحقيقية التي باستطاعة المرأة القيام بها الآن، داخل معظم المنظومات الاجتماعية، فهي سجينة خيارات الرجال وحدهم، بصياغاتهم التي ليس للمرأة حضور فيها إلا من خلال أفكارهم التي تحيل على الرجال.
في مجتمع الكل يعتقد أنه الأصح من غيره، والكل يقيم الكل، ويزاود بأخلاقه على الآخر، هناك مئات القصص لنساء يدفعن حياتهن بأكملها كل يوم بسبب نتائج غير مرتبطة بقراراتهن.
يسيطر النمط الذكوري على "ربة المنزل"، لا كما يسيطر لحن ساحر ومجنون على ذاكرة موسيقار، بل كنشاز يعكر صفاء طبيعتها، ينحت شخصيتها لتنقلب من إنسان يؤمن بأفكار وآراء ومبادئ ثابتة إلى تمثال بلا روح يعكس صيغة حياة تشبهه، يُصيبها الجمود القاتل الذي ينهي حياتها المهملة بين أثاث البيت، مطرودة من الحياة قابعة في النسيان، هذه السيطرة التي تشعرها بالعدم في كل شيء، بفقدانها للشغف، ولأن ترسم ملامح حياتها كما تحب، فتعيش من أجل الزوج وتنسى حياةً خُلِقتْ من أجلها، ثم تُنسى.
لطالما أطلقنا أحكامنا المسبقة حول اللواتي دخلن المعتقل السياسي من ناشطات سياسيات ومعتقلات رأي، بالرغم من العذاب الجسدي والنفسي اللذين تعيشهما المرأة داخل سجون التعذيب بفترات زمنية ليست بقليلة، فمنذ لحظة إطلاق سراحها تدخل مباشرة دوامة السياقات الاجتماعية التي تُلبس المرأة المعتقلة ثوب العار، بدلا من الوقوف بجانبها ومساندتها والأخذ بخاطرها، بسبب ما يُقرأ عن أهوال الموت في أدب السجون أو ما يُسمع عن جرائم الإغتصاب الجنسي في غرف التحقيق، ولا تقف صفة العار عند هذا الحد، وإنما في بعض الأحيان لا تسلم المرأة المعتقلة من ألسنة الناس طوال حياتها، فمن يستطيع الخروج من دوامة العفن الفكري بعدما يصل داخلها؟ فقد يورّث العار لأولادها وأحفادها بعد موتها..
تخفي المرأة في جيب سري من جيوب روحها المهترئة الكثير من العناء والأسى اللذين تراكما من هول جحيم الواقع، تأخذ على عاتقها عبء الذكورة الثقيل، والذي لا يعترف به المجتمع ولا ينصفها قانون، تكون ضحكتها يابسة كجثة دُفنت منذ زمن بعيد، ولم يبقى من صوتها سوى بحة الحزن فيه. كلما حاولت المرأة النهوض بدوافعها تجاه إيجاد طقس خاص لها، فإن زورة واحدة من زورات الواقع الذكوري تكفي لجعلها كالصنم، مثلما أن من شأنها أن تكون خرساء فلا تنطق، فكأنها ملك خاص للرجل.
إلى جانب السلطة الذكورية التي تفرض العقوبات على المرأة، إذا لم تنسق وراء أهواء المجتمع، هناك الأكثر مرارة، وهو بقايا الذكورة في عقول كثير من الأمهات اللواتي لهن دورا أساسيا في الظلم السائد والقائم إلى الآن على نساء مجتمعاتنا، إذ أن المرأة حين تصبح أما، فإنها تعود لتخلق من ابنها الرجل نفسه الذي ظلمها، وكان سببا في معاناتها، وتلقنه الثقافة السوداء نفسها، والعقلية نفسها التي تربط كون المرأة بمصير الرجل، حيث أنها تضخ الأفكار السامة نفسها في ذهن ابنها، لتخلق منه توأما يشابه كل الرجال الذين تبغضهم، وتحجب ضوء التمرد عن ابنتها أو أختها أو جارتها أو أي امرأة في محيطها الاجتماعي، لتعمل على هلك إرادتها وإنقاص حقها في الإختيار وتعيق حياتها، وتكسر من قواها النفسية والعقلية، هكذا بعض النساء، يعشن الإزدواجية على أصلها، لتصبحن أكثر عداوة من الرجال للمرأة، حتى يتلاشى دعم النساء لبعضهن، ويصبح بلاء المرأة مرأة.
في روح المرأة راقصة تتقن الرقص على خيط الحياة بإيقاعات مقدسة آتية من السماء، وفي قوالب مجتمعنا الغني بالغازات السامة، تغيب شمس الوعي وتتلاشى خلف سحابة الجهل الكبيرة، تُستخدم الأنوثة لقياس مدى ذكورة المجتمع، لتغرق تلك الراقصة في السارين وتموت اختناقا لترقص مع صمت القبور.
avata
avata
صالح (سورية)
صالح (سورية)