القضية ليست إلّا دليلاً آخر على أن عقلية "المترجم الإسرائيلي" تتعامل مع الملكية الفكرية العربية مثلما يتعامل أيّ مستوطن صهيوني مع قطعة أرض أو بيت فلسطيني في القدس المحتلة، الاستيلاء عليهما أو الاستفادة منهما أمر مشروع؛ عقلية لا توجد إلّا عند اللصوص وقطّاع الطرق.
مواقف الكاتبات كانت مضيئة، في عتمة التطبيع الراهن التي نشعر أحياناً أنها بدأت تطبق علينا، مواقف من كاتبات شابات تفوق في نزاهتها تلك المواقف التي عرفناها عند روائيّين وكتّاب عرب كبار خذلوا قرّاءهم ووجدوا مسوغات يبرّرون بها تطبيعهم.
صحيح أن ردود فعل الكاتبات العربيات الخمسة والأربعين، ما زالت متواصلة للتعبير عن رفض المشاركة في هكذا كتاب، لكن ما هو ضروري هو تحويل القضية إلى مناسبة لتقوية جبهة مقاومة التطبيع ووضع حد للمؤسسات الصهيونية التي اعتادت الاستيلاء على الحقوق العربية.
الكتاب رُفع من موقع "دار النشر في ما يبدو أنه تخوّف من الملاحقة القضائية، وأصدر قسم "دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون" ما يشبه التبرّؤ من محرّره، متشدقين بالكلام عن احترام حقوق الملكية الفكرية، لكن ليس مستغرباً لو كشفت هذه الواقعة عن كتب أخرى و"ترجمات" مشابهة لا علم لنا بها.
وكانت الكاتبات قد عرفن عن الأنطولوجيا بالصدفة بعد أن أعلنت الدار إقامة حفل إشهار وتوقيع لها. ولفتت الكاتب الفلسطينية خلود خميس النظر إليه، فتوالت بيانات الكاتبات ومنهن نجوى بن شتوان من ليبيا، وجنات بومنجل من الجزائر، وبثينة العيسى من الكويت، ومنتهى العيداني من العراق، وسلوى البنا من فلسطين، وسناء الشعلان من الأردن، وهيفاء بيطار من سورية، ولطيفة باقا من المغرب.
ومن أبرز ما جاء في ردود الكاتبات، تعليق بثينة العيسى: "سرقة الحقوق جريمة، هذا أمرٌ متفق عليه عالمياً، لكن الدهشة تتبدّد تماماً عندما تبدر السرقة من دار نشر إسرائيلية. إسرائيل سرقت الأراضي والبيوت والمزارع والأشجار والتراث الفلسطيني، إسرائيل سرقت آلاف الأرواح وأقامت دولتها المزعومة على أنقاض المذبحة. لماذا يجدرُ بنا أن نستغرب عندما تقوم دار نشر إسرائيلية بسرقة حقوق كاتبات عربيات؟".
وقالت سلوى البنا: "من يسرق وطناً لا تستعصي عليه سرقة فكرة، كلمة، ثقافة وحضارة... اليوم وفِي ظل هجمة التطبيع الثقافي بكل أشكاله لم يعد يفاجئنا هذا العدو بابتكار وسائل جديدة تغني هدفه الأساس في تفريغ وتصفية القضية الفلسطينية من خلال تشويه رموزها الثقافية واستدراج بعضهم إلى فخ التطبيع".
بدورها، قالت الكاتبة المصرية انتصار عبد المنعم أنها ترفض ترجمة أعمالها للعبرية، حتى لو طلبت دار النشر الإسرائيلية ذلك، مبينة: "المشكلة ليست مع اللغة العبرية ولكن المشكلة مع إسرائيل المحتلة لأرض عربية وهذه الثوابت هي التي تربيت عليها".