عقدة "ليليث" عند داعش وبوكو حرام

22 ديسمبر 2014

عمل لـِ(ليوبولد لاوي)

+ الخط -

لا ندري من أين جاء تنظيم داعش وجماعة بوكو حرام باستحضار عقدة "ليليث"، لتأصيل عمليات الخطف والسبي واستعباد النساء، غير أن بحور ظلمات تسبح فيها أدمغتهم، ويتغذى عليها تفكيرهم. فهذه المكنونات الذهنية المتحجّرة التي لا ترى في المرأة إلّا بضع متاع، أو "جنية الليل المجنحة والغاوية" التي يلزم كسر شوكتها، لن تكون إلّا نتيجة انحراف فكري ومذهبي، يأخذ رأس الخيط باسم الدين، ثم يغذيه قهراً وسلطوية متوحّشة.

في هذه الحقبة الزمنية التي صارت فيها للوحشية دولة، وللقهر سلطان، نشهد أسوأ ما يمكن أن يحدث للمرأة من جرائم في تاريخ البشرية، باختطافها وسبيها واسترقاقها وإجبارها على "جهاد النكاح". وعلى امتداد التاريخ، فإنّ ممارسات العنف ضد المرأة كانت تتخذ شكل العصر الذي توجد فيه. ولكن، ما أتتنا به داعش في العراق وسورية وجماعة بوكو حرام في نيجيريا، فاق كل الممارسات، قديمها وحديثها.

بعد خطفها حوالي ما يقارب 300 فتاة في إبريل/ نيسان الماضي، خطفت جماعة بوكو حرام، أخيراً، 185 أغلبهن من النساء والأطفال، في ظل تطور ممارسات داعش وتشعبها. ولم أجد بُدّاً من تأكيد أصحاب هذه الذهنية، على لوثتها بعقدة "ليليث"، بطلة الميثولوجيات السومرية القديمة قبل 3000 سنة قبل الميلاد. وتقول أسطورة "ليليث" إنّها هي المرأة الأولى التي خُلقت من تراب مثل آدم، لكنها رفضت الخضوع الأعمى للرجل، فتمردت ونُفيت إلى الأرض، وبعدها خُلقت حواء من ضلع آدم. وهذا التمرد هو الذي جعل ناسجي الأسطورة يظهرونها في ما بعد، بصورة بشعة، لا لشيء إلا لتمسكها بحقها في المساواة.

أمّا عقدة "ليليث" التي ابتكرها المحلل النفساني النمساوي، فريتز ويتلز، عام 1932، فهناك فرق بينها وبين الأسطورة. فبينما كانت وظيفة "أسطورة ليليث" إزاحة الرجال عن طريق النساء، من خلال تحذيرهم بالخطر الذي تمثله بالنسبة لهم، فإنّ وظيفة "عقدة ليليث" هي تحذير النساء اللواتي لا يتبعن قانون الرجال من أن يكون مصيرهنّ الهجر والعذاب إلى الأبد.

تسير داعش وبوكو حرام، ومَن لفّ لفّهما، على نسقٍ تمت معالجته عقوداً طويلة، حيث كانت سيادة الرجل على المرأة هي الأساس، فصارت علاقته بها استبدادية، كما يكرّس الواقع ذلك على مستوى العادات، والتقاليد، والأعراف، وعلى مستوى القوانين المعمول بها. ويمكن أن يظهر استبداد الرجل بالمرأة امتداداً لاستبداد الطبقة الحاكمة، كما يحدث، الآن، من ردة حقوقية، وبشكل واضح، في السودان ومصر.

ففي السودان، واجه سلوك رجال الشرطة تجاه الفتيات استنكاراً من على منابر صلاة الجمعة، لتعرّض هؤلاء الفتيات واقتيادهنّ بعنف إلى مراكز الشرطة، لتطبيق القانون سيء الذكر، "قانون النظام العام". هذا القانون شرّعته حكومة الإنقاذ خصيصاً لقهر النساء، وامتهان كراماتهن، ما جعل شرف المرأة نفسه عرضة للانتهاك على أيدي جلاديها. ويتم تطبيق هذا القانون على أساس سياسي، وبطريقة انتقائية، لا تخلو من الابتزاز الصريح والمخبوء.

وفي مصر، يتم الشيء نفسه، بمنهجة العنف ضد النساء لأسباب سياسية. ومشهودة هي الخروق في حقوق المرأة الإنسان ممّا يقع عليها من اعتقالات وتعذيب داخل السجون، وغيرها من الممارسات.

كما يسير القهر الممنهج للمرأة من داعش وبوكو حرام، على نسق موروث، يتكئ على الذهنية الشعبية في مجتمعاتنا الإسلامية. يحرك هذه الذهنية هاجس التخلّص من عقدة الخوف من الأنثى، على الرغم من أنّ الذهنية نفسها تصنّفها كائناً ضعيفاً ظاهرياً. وعلى الرغم من أنّ الرجل يرى الأنثى في صورة كل النساء الساكنات في عقله الباطن، فإنّه يراوغ حقيقتها بوعي المستكشف، أحياناً، فيستعذب قهرها وامتلاكها. وامتثالاً لهذا الاعتقاد، وضع الرجل في مبادئه الخاصة لرؤية الأنثى، ما يتواءم مع أهوائه الغريزية، ومنافعه الخاصة والعامة، من دون الاستناد إلى حيثيات الدين والشرع. فأخذ يثير أنّ المرأة هي السبب في نزول آدم من الجنة، لأنّ إبليس سوّل لآدم عن طريق حواء، وهذا افتراء، فلم يشر القرآن مجرد إشارة إلى ذلك، ولم يذكر حواء بالاسم، وإنّما ذكر صحبتها لآدم وعقابهما معاً في عدد من الآيات الكريمة.

كوّن هذا الصراع بين الطبيعة والموروث الشعبي لدى هذه الجماعات قاعدة أساسية، استطاعت أن تقرّب التصور الكامل عن المرأة، وعن حقيقة همومها، انشغالها، تأثرها وتأثيرها على مَن حولها، وهو ما ساعد في بناء نموذجٍ كل أدواته معطاة مسبقاً. وحينما نزل الخيال إلى الميدان، وشمّرت الأسطورة عن ساعد الجدّ، تمت صناعة حياة مليئة بالإثارة، بطلتها المطلقة هي المرأة. وما ساعد على وجود صيغةٍ تهدف إلى إضفاء الفضول وازدياد الحيرة، تم تشكيل هذا الكائن بنموذج قياسي، يختص بالعالم غير المنظور، وغُلّف بغلاف شيطاني، حتى يبرّر قهرها.

ضحايا داعش وبوكو حرام من النساء يمثّلن حلقة واحدة في سلسلة العنف الأرعن لذكورية فجّة، تمارس رغبة أصحابها في السيطرة والامتلاك والاضطهاد. وبينما تكورت الحلقات الأُخرى على أنفسهن باكيات، ولم يستطعن الهرب من ابتزاز باسم السلطة، تختار الأيزيديات والنيجيريات أن يكنّ الحلقة النافرة.

8615DCBC-E386-43F8-B75E-8FF0C27360A3
منى عبد الفتاح

كاتبة صحفية من السودان. حاصلة على الماجستير في العلوم السياسية. نالت دورات في الصحافة والإعلام من مراكز عربية وعالمية متخصصة. عملت في عدة صحف عربية. حائزة على جائزة الاتحاد الدولي للصحفيين عام 2010، وجائزة العنقاء للمرأة المتميزة عام 2014.