عقبات نقل الحوار اليمني إلى الرياض

05 مارس 2015
هادي قد لا ينجح بتصحيح مسار الوضع (الأناضول)
+ الخط -

عادت العملية السياسية في اليمن مجدداً إلى طاولة دول مجلس التعاون الخليجي، من حيث بدأت المرحلة الانتقالية أواخر العام 2011 عبر "المبادرة الخليجية"، والآن تبرز الدعوة مجدداً إلى طرح الملف اليمني على طاولة حوار خليجية. ومع أن الخليج يُعدُّ الأكثر قدرة على التأثير في اليمن في أغلب الظروف، إلا أن أشياء كثيرة تغيرت منذ العام 2011، على صعيد عناصر الأزمة ومدى التهديد الذي وصلت إليه البلاد، في ظل فقدان العناوين السياسية بريقها، بسبب الأمر الواقع المختلف.

وجاءت دعوة الرئيس عبد ربه منصور هادي، مجلس التعاون لرعاية مؤتمر حوار ينعقد في العاصمة السعودية الرياض، بعدما انتقل هادي إلى مدينة عدن، كبرى المدن في جنوبي البلاد، واعتباره أن العاصمة صنعاء، أصبحت "محتلة" من مليشيات جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، ورفض بعض الأطراف المعنية بالحوار دعوة سابقة له بنقل الحوار إلى مدينة عدن أو تعز، اللتين لم تسقطا بأيدي المليشيات.

ينظر اليمنيون إلى الدعوة الأخيرة باهتمام كبير نتيجة الوضع الذي آل إليه البلد، ويقتفي هادي بهذه الدعوة أثر سلفه، علي عبد الله صالح، الذي طرح عام 2011 على الخليج تبني مبادرة تضمن مخرجاً سلمياً للأزمة التي تصاعدت بين نظامه والقوى المؤيدة للثورة عليه. وأصبحت "المبادرة الخليجية" القاعدة الأساسية التي قامت المرحلة الانتقالية عليها وتسلم بموجبها هادي، الذي كان نائباً لصالح، رئاسة الدولة. وبعد ثلاث سنوات انتقالية سقطت خلالها العاصمة بأيدي المليشيات، يخرج هادي بخطوة مشابهة، من خلال دعوة الخليج إلى رعاية حوار. فهل يعاود الخليج الكرّة ويخرج البلد من عنق الزجاجة؟

عناصر مختلفة

كانت الأزمة في العام 2011 مركزية، انقسمت وفقها العاصمة والجيش، وكان التوجّه نحو الخليج انطلاقاً من المكانة والأهمية التي تحتلها دول مجلس التعاون، والسعودية خصوصاً، لدى أبرز القوى الفاعلة في الثورة، وهي حزب "التجمع للإصلاح"، واللواء علي محسن الأحمر، والتيارات القبلية المحسوبة على الثورة، وكذلك لدى صالح ونظامه.

ولم يكن الحوثيون الموالون لإيران، النقيض الإقليمي للخليج، طرفاً في المبادرة الخليجية، إذ كان التوصيف لجماعتهم إلى ذلك الحين كجماعة متمردة تسيطر على محافظة صعدة. ومع عودة الدعوة مجدداً إلى دور خليجي يرعى "حواراً" بعد أكثر من ثلاث سنوات، أصبح الحوثيون الطرف المسيطر على صنعاء، وعلى عدد من المحافظات، في مقابل هادي الذي استقر به الحال في عدن، بعد سقوط العاصمة والعديد من المدن في عهده، بأيدي المليشيات.

ووفقاً لذلك، لم تعد الأزمة اليمنية محصورة في صنعاء، ولا تتمتع عناصر المعادلة الراهنة بذات العلاقة التي كانت قوى الخلاف في العام 2011 تتمتع بها مع الرياض. فالحوثيون أقرب إلى طهران، وهادي البعيد في عدن جل ما يتمتع به هو نتيجة لموقف القوى الأخرى من الحوثيين. ويذهب كثيرون إلى أن فرص نجاحه بإصلاح مسار الوضع قليلة، بعدما عجز في الدفاع عن العاصمة.

وعن ذلك يقول رئيس تحرير جريدة "الشارع" الأهلية، نائف حسان، في حديث لـ "العربي الجديد"، إن "المشكلة لا تكمن في مكان الحوار حتى يتم تحديد مكان آخر، بل في ضعف رئاسة الجمهورية ممثلة في هادي، وغياب سلطة الدولة اليمنية كدولة ضامنة لتنفيذ ما يمكن الاتفاق عليه في أي حوار سواء كان في صنعاء أو في غيرها".

ويضيف حسان: "إذا ما افترضنا أنه جرى الاتفاق على نقل الحوار إلى تعز أو الرياض، فهذا لن يشكل فارقاً بالنسبة لتنفيذ مخرجات هذا الحوار، إذ ستظل جماعة الحوثي مسيطرة على أرض الواقع ولا تهتم بالمجتمع الدولي أو بالعقوبات التي يصدرها أو يلوح بها مجلس الأمن، لهذا فالمهم لليمن في هذه المرحلة، هو المضي نحو نقل السلطة من هادي، والاتفاق على فترة زمنية قصيرة لإنهاء المرحلة الانتقالية، وإجراء انتخابات تأتي بقيادة جديدة لليمن، لأن استمرار هادي في الرئاسة لا يعني إلا استمرار ضعف كيان الدولة وتعاظم قوة جماعة الحوثي واتساع نفوذها".

اقرأ أيضاً: قضية الدبلوماسي السعودي في اليمن: قبائل خطفته من "القاعدة"

وعلى الرغم من هذه التغيرات، تبقى الدعوة لإعادة زمام المبادرة في اليمن إلى أحضان الخليج، خطوة مهمة لطالما تأخرت، إذ تراجع الدور الخليجي خلال المرحلة الانتقالية لصالح الدور الغربي وإيران. وتعتمد فعالية أي دور يمكن أن يلعبه الخليج في هذا الإطار، على تجاوب الحوثيين، ومدى قابليتهم لتقديم تنازلات في طاولة الحوار ينهي سيطرتهم على العاصمة. وبدرجة ثانية، تعتمد أهمية مثل هذا الدور، على نوع المبادرة وتفاعل القوى اليمنية الأخرى.

ويذهب أستاذ الإدارة الحكومية في جامعة الملك سعود في الرياض، عبد الملك المخلافي، إلى أن اليمن في أمسّ الحاجة في المرحلة الراهنة إلى من يحتضنه ويضبط إيقاع الأحداث فيه، قبل أن تنزلق إلى صراع أهلي لا نهاية له.

ويرى المخلافي، في تصريح لـ "العربي الجديد"، أن دعوة هادي لنقل الحوار الوطني إلى الرياض، إذا قبلت بها كل الأطراف السياسية، ستسمح للسعودية بالقيام بدورها السياسي والأخلاقي والأخوي نحو اليمن في محنته الراهنة، من خلال ضبط مسار الأحداث السياسية وتوجيهها نحو السياق الذي يخدم أمن المنطقة ويقي اليمن من الاقتتال الأهلي.

ويقول إن "هذا ليس بجديد على السعودية؛ فلها أدوار مهمة في كل المراحل التي تعرض فيها اليمن لمشكلات ومحنٍ داخلية، ومنها المصالحة التاريخية بعد ثورة سبتمبر، وكذلك توقيع المبادرة الخليجية في الرياض؛ والتي تمثّل الحامل الشرعي والموضوعي لعملية التسوية ونقل السلطة في اليمن، كما لا ننسى أن للسعودية أياديَ بيضاء على اليمن في مختلف المجالات"، معتبراً أن "نقل الحوار إلى الرياض سوف يهيئ الأجواء الآمنة له، وبالتالي الدعم اللازم لتنفيذ مقرراته ومخرجاته".

أما الباحث بشؤون النزاعات المسلحة، علي الذهب، فيقول لـ "العربي الجديد"، إن هادي بهذه الدعوة "يسعى لجعل معارضي نقل الحوار إلى عدن يرضخون للاستجابة لهذا الخيار من خلال طرح ما هو أكثر مرارة بالنسبة لهم، ذلك أن إجراء الحوار في الرياض سيجعل بعض ممثلي القوى السياسية تحت تأثير نفوذ الرياض ذاتها، بمعنى أن ما يمكن أن يبديه ممثلو بعض القوى السياسية، وتحديداً حزب المؤتمر الشعبي وحلفاءه، من موقف إزاء قضايا خلافية، لن يكون بذات التعاطي فيما لو جرى الحوار في صنعاء أو غيرها من مدن اليمن".

كما يشير الذهب إلى أن الهدف من دعوة هادي لنقل الحوار، قد يكون "إحراج بعض القوى السياسية أمام القيادة الجديدة للسعودية لمجرد أنها تبدي فقط الممانعة في نقل الحوار إلى الرياض، إذ ليس في صالح تلك القوى أن يكون هذا العرض مرفوضاً من قِبلها، في ظل القيادة الجديدة التي يحاول الكثير خطب ودها، ولكن من دون أن يكون الثمن باهظاً".

وتثار تساؤلات عديدة حول دعوة هادي لنقل الحوار، وهي تساؤلات تتحكم في نجاح تلك الدعوة من عدمها، ومنها هل سيوافق الحوثيون على دعوة رئيس انقلبوا عليه، والانتقال للحوار في عاصمة تدرجهم ضمن الجماعات الإرهابية؟ أليس الأجدى بهادي تعليق الحوار حتى إسقاط الانقلاب وسحب المليشيات من العاصمة؟ علماً أن الحوثيين أعلنوا رفضهم نقل الحوار إلى خارج العاصمة صنعاء، فضلاً عن نقلها إلى خارج اليمن.

على أن ثمة من يتخذ موقفاً سلبياً من العملية الحوارية برمتها، ومثال ذلك الناشط السياسي غائب حواس، الذي يقول في تصريح لـ "العربي الجديد": "نحن ننظر من أول يوم إلى الحوار على أنه مجرد متاهة تم تضليل اليمنيين من خلاله، وقد حصد اليمنيون منه إلى الآن نتائج كارثية ربما لا يستطيعون تلافيها خلال عقد أو اثنين على الأقل".

ويشير إلى "أن الحوار أُريد منه تقويض كل الشرعيات القائمة، كما أنهم جعلوا الحوار بديلاً عن الدولة التي قُدّمت قرباناً على مذبح الحوار، كما أنه تم ارتكاب سلسلة من الإجرام والعدوان بحق اليمن، إذ تمت مأسسة الجماعات المسلحة والعنصرية باسم الحوار وتم إعطاؤها الشرعية باسم الحوار وتم إسقاط البلاد بيد المليشيات باسم الحوار".

ويخلص حواس إلى القول إن "عودة الحديث عن الحوار في ظل تساقط أقاليم البلاد بيد المليشيا وعدم توفر سيادة للدولة، يُعتبر سخرية باليمنيين وتلاعباً بجراحاتهم الوطنية وكرامتهم المجروحة من الحوار ورعاته والقائمين عليه".

المساهمون