يبدو أن قطاع العقارات البريطانية الذي كان قبلة المستثمرين من أنحاء العالم، ويعد من الملاذات الآمنة لكبار الأثرياء، بات أكبر ضحايا "استفتاء بريكست" وما تلاه من فوضى سياسية، وتلكؤ في حسم مستقبل العلاقة التجارية بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي.
وحسب البيانات، فقد تراجعت أسعار العقارات بمعدلات كبيرة خاصة منطقة وسط لندن والقريبة من هارودز، ومعروف أن وسط لندن يحتضن العقارات الفاخرة، التي تعتمد مبيعاتها على أثرياء العالم وكبار المستثمرين في الاقتصاد البريطاني.
وطبقا لسماسرة عقارات وشركات تسويق، فقد ارتفعت أسعار الوحدات السكنية في لحظات الانتعاش قبل استفتاء بريكست، ليصل سعر الشقة الفاخرة إلى أكثر من 100 مليون إسترليني، بسبب إقبال أثرياء العالم على لندن، كوجهة استثمارية و"عنوان راق" في مجال الأعمال التجارية. وأصبح وقتها أن تباع شقق "مانشن" و" بنتهاوس"، بـ 30 أو 50 مليون جنيه إسترليني شيئاً عادياً.
لكن قطاع العقارات البريطاني بات حاليا تحت المراجعة أو التجميد في ظل ما يحدث من فوضى سياسية منذ استفتاء بريكست الذي جرى صيف 2016.
كما يشير تقرير "نيشن وايد" إلى أن معنويات المستهلك البريطاني باتت عند أدنى مستوياتها.
من جانبه قال البنك المركزي البريطاني، في تقرير صدر يوم الجمعة الماضي، إن حجم القروض العقارية التي وافقت عليها المصارف لعملائها الراغبين في شراء وحدات سكنية تراجعت في شهر فبراير/ شباط الماضي، كما أن معدل الاستثمار في الأعمال التجارية تراجع كذلك في الربع الأخير من العام الماضي.
وحسب موقع "ويتش" المتخصص في أسعار السلع الاستهلاكية والعقارات، فإن وسط لندن شهد أكبر تراجعات في أسعار العقارات مقارنة بالمناطق الأخرى.
ويشير جدول للأسعار العقارية، إلى أن سعر المسكن في حي "ويستمنستر" الراقي والواقع وسط لندن، حيث مبنى البرلمان البريطاني، شهد أكبر انخفاض، إذ تراجع سعر المسكن في المتوسط 14% خلال العام الماضي إلى 1.116 مليون جنيه إسترليني، بينما تراجع سعر المسكن في حي "كامدين تاون" المجاور لـ"ويستمنستر" بنسبة 8.25%.
لكن في مقابل هذه التراجعات، لاحظت "ويتش"، أن سعر المسكن في أحياء مثل " إيلينغ" ونيوهام، ارتفع بنسبة 4.9% في المتوسط. وفي ذات الصدد، قالت وكالات عقارية كبرى في مارس/ آذار الماضي، إن دخلها تراجع في العام الماضي بنسبة 50%.
من بين هذه الوكالات العقارية، "كونتري وايد" التي تملك عدة فروع في لندن والمدن البريطانية الأخرى تحت مسميات مختلفة، مثل "هامتونز" وبيرستو إيف و"جون دي وود". وكان سعر سهم الشركة العقارية قد تراجع العام الماضي من 50 إلى 10 بنسات وذلك في أعقاب تحذير حول الدخل المتوقع.
ويلاحظ أن الطلب على الشقق الفاخرة كان مرتفعاً في السنوات الماضية التي سبقت استفتاء "بريكست"، خاصة من قبل أثرياء الشرق الأقصى والصين وأثرياء روسيا.
لكن في أعقاب "بريكست"، ضربت حال عدم اليقين حول مستقبل بريطانيا فانخفضت أسعار الشقق والمساكن الفاخرة في وسط لندن التي شهدت ضغوطاً في تسعيرها، أكثر من غيرها، بسبب ارتفاع الضريبة عليها، وهو ما أجبر أصحابها على خفض أسعارها. ولكن الضغوط تواصلت أكثر على البائعين في العام الماضي.
وتعرضت العقارات الفاخرة وسط لندن خلال العام الماضي، لمجموعة من الضغوط السالبة على أسعارها، وكذلك على صعيد الطلب، خاصة في أحياء مايفير وتشلسي وكينزنغتون.
لكن إلى جانب عامل "بريكست" وتداعياته السالبة فإن هنالك ضغوطا أخرى تعرضت لها العقارات البريطانية الفاخرة، من بينها فقدانها شريحة كبيرة من أثرياء السعودية والصين خلال العام الماضي، وكذلك العقوبات الأميركية المفروضة على الأثرياء الروس، والتي تكثفت أخيراً في أعقاب محاولة تسميم العميل الروسي سكريبال وابنته، وما تلا ذلك من عقوبات أميركية مؤخراً على روسيا، تضاف إلى ذلك القيود التي وضعتها الحكومة الصينية على خروج الثروات للخارج.
ثم تضررت الأسعار كذلك من الإجراءات التي اتخذتها الحكومة البريطانية للحد من عمليات شراء العقارات بغرض الإيجار، وكذلك تشديد إجراءات منح القروض العقارية.
وحتى الآن، لم يتمكن أعضاء مجلس العموم البريطاني من التوافق على بدائل محتملة لخطة الخروج من الاتحاد الأوروبي (بريكست) التي تقترحها الحكومة. وبذلك، تستمر حالة الجمود بشأن كيفية خروج بريطانيا من التكتل الأوروبي.
وكان النواب البريطانيون قد رفضوا ثلاث مرات اتفاق الخروج الذي توصلت إليه رئيسة الوزراء تيريزا ماي مع قادة الاتحاد. كما لم يحصل أي من البدائل المقترحة على الدعم الكافي في البرلمان.
وربما ستكون مفاجأة القرن، إذا تواصل رفض البرلمان البريطاني لكل الخيارات التي تطرح لتسوية قضية "بريكست" وتبعاً لذلك تحديد مستقبل علاقات بريطانيا التجارية مع الاتحاد الأوروبي.
فأعضاء البرلمان حتى مساء الاثنين وفي "التصويت المؤشري"، يرفضون كل مقترح لحل إشكالية بريكست ولا يتفقون على شيء، في وقت يواصل فيه الاقتصاد البريطاني النزيف المتواصل ويئن المواطن تحت وطأة المستقبل المجهول، وتخسر الأسر البريطانية الوظائف وترتفع أسعار السلع، ويتزايد القلق في حي المال البريطاني الذي فقد القدرة على التخطيط والاستثمار.