عضوية برلمان السيسي... مكافأة الدم

14 اغسطس 2018
وصف خالد يوسف (يمين الصورة) الاعتصامين بالبؤرة الإجرامية(العربي الجديد)
+ الخط -
خمسة أعوام مرت على أكبر مجزرة شهدها المصريون في تاريخهم الحديث، حين فضت قوات من الشرطة والجيش اعتصامين سلميين لمؤيدي الرئيس المعزول، محمد مرسي، في ميداني رابعة العدوية، ونهضة مصر، صبيحة يوم 14 أغسطس/آب 2013، ما خلّف قرابة ألف وخمسمائة قتيل بين صفوف المدنيين، وآلاف الجرحى والمصابين.
فض الاعتصامين سبقه وصاحبه "هستيريا إعلامية" للتحريض على قتل المعتصمين السلميين، من قِبل وسائل الإعلام الموالية لسلطة الانقلاب، وتصدّر المشهد آنذاك مجموعة من الشخصيات ذات الخلفية العسكرية والحزبية المناوئة لتيار الإسلام السياسي، والتي كافأها نظام الرئيس عبدالفتاح السيسي في ما بعد، بتسهيل حصولها على عضوية مجلس النواب.

عدد غير قليل من أعضاء البرلمان الحالي، أدوا دوراً مؤثراً في التحريض على فض الاعتصامين، من دون اكتراث بأرواح الأبرياء التي جرى إزهاقها، سواء من خلال مداخلاتهم في القنوات الفضائية، أو تصريحاتهم في الصحف الحكومية والخاصة، ليقدّموا "السبت"، كما يقول المصريون، ويكافؤوا بـ"بمقاعدهم النيابية" عقب الانتخابات الهزلية التي جرت في أواخر العام 2015.

البداية مع مؤسس حركة "تمرد"، النائب محمود بدر، الذي زعم في تصريحات متكررة "رفض أنصار مرسي كل المبادرات التي تم طرحها خلال الفترة السابقة لفض الاعتصامين، وهو ما أجبر الدولة على استخدام القوة، بعد اتفاق جميع القوى السياسية"، مدعياً أنه ضد فض أي اعتصام سلمي بالقوة، "غير أن الاعتصامين كانا مسلحين، ويضران بمصالح الشعب المصري". وقال بدر مخاطباً المدافعين عن حقوق الإنسان: "إن من حق السلطات الأمنية فض أي اعتصام سلمي بأي طريقة كانت، طالما يضر بالمواطنين، ويعطّل مرافق الدولة، ويهدد أمن الوطن"، معتبراً أن الدولة آنذاك لم تكن لتتحمل الدخول في آتون حرب أهلية، إذا ما فاض الكيل بأهالي مدينة نصر والجيزة، وخرجوا للاقتتال مع المعتصمين، حسب تعبيره.
ووفقاً لبدر، فإن نائب رئيس الجمهورية السابق، محمد البرادعي، كان على علم مسبق بوجود أسلحة داخل اعتصام ميداني رابعة والنهضة، وأقر بأنه لا بديل عن فض الاعتصامين، في حالة فشل المبادرات مع جماعة الإخوان، بالقول: "أنا عارف، وهما كمان عارفين، والأوروبيين عارفين... وإحنا بنحاول نحطهم قدام مسؤولياتهم، علشان خاطر نشوف أي حل... فإذا لم يكن هناك حل، سيكون الفض هو الحل... ولكننا نؤجل هذا الحل الآن".



أما المخرج السينمائي، خالد يوسف، الذي فاز بمقعده النيابي عن محافظة القليوبية بعدما قام بتصوير تظاهرات 30 يونيو من على متن طائرة عسكرية، فدأب على التحريض لفضّ اعتصامي رابعة والنهضة بالقوة، واصفاً الأول بـ"البؤرة الإجرامية" التي تنطلق منها كل العمليات الإرهابية التي تضرب كل أنحاء مصر. وقال يوسف في تصريحات سابقة: "رابعة والنهضة ليسا اعتصامين سلميين، بل بؤرة من بؤر الإرهاب التي تمارس منها جماعة الإخوان كل أشكال العنف والتحريض"، متابعاً "أي اعتصام سلمي هذا الذي يسقط في محيطه عشرات القتلى... أتمنى أن تضرب الحكومة بيد من حديد، وتوضح للعالم حقيقة تلك البؤر الإجرامية التي تتنافى تماماً مع السلمية، وتسعى لتفتيت المجتمع المصري وإرهابه". كما قال يوسف، في تغريدة له على موقع "تويتر"، أثناء فترة الاعتصام، إن الأعداد في ميدان "رابعة العدوية" لا تزيد عن مائتي ألف متظاهر في أقصى تقدير، وهو الشخص نفسه الذي روّج إلى تظاهر 30 مليون مصري في بؤرة محدودة كميدان التحرير.

بينما حرّض عضو البرلمان عن دائرة مدينة نصر، اللواء السابق في الجيش، حمدي بخيت، على فض الاعتصامين في مداخلات عدة مع القنوات الفضائية، قائلاً في مرحلة لاحقة إنه لا يجب ذكر اسم "رابعة" مرة أخرى، وطالب بنسب ذكرى الأحداث إلى "الشرطة المصرية وشهدائها الذين سقطوا خلال فض الاعتصام" (سقط 8 شرطيين خلال يوم الفض). وأضاف بخيت أن "الشرطة نجحت في القضاء على أكبر بؤرتين للإرهاب، واستطاعت العبور بمرحلة التحوّل التي كانت تشهدها مصر وقتها"، متابعاً أن "جماعة الإخوان مدعومة من قوى إقليمية ودولية، وفي مقدمتها منظمة هيومن رايتس ووتش الأميركية، وذلك بهدف إسقاط الدولة المصرية من الداخل".



من جهته، قال الضابط السابق في الاستخبارات، النائب الآخر عن دائرة مدينة نصر، تامر الشهاوي، إن "مرسي لم يكن يحكم مصر خلال العام الذي سيطرت فيه جماعته على البلاد، بل كان يتلقى الأوامر التي تأتي إليه من مكتب الإرشاد"، مدعياً أن الضغوط الخارجية من دولتي تركيا وقطر على الإخوان هي التي عجّلت من سقوط الإخوان، بعدما كشف الشعب حقيقتهم، ومدى نهمهم للسلطة.
وأضاف الشهاوي، في حوار أجراه مع قناة "الحياة" الفضائية، في يونيو/حزيران الماضي، أن "تنظيم الإخوان فَقَدَ السيطرة على مصر، بعدما عمد إلى تأسيس 12 بؤرة إرهابية، على غرار التي كانت في رابعة... ومن ضمن مواقع تلك البقع عين شمس، والمعادي، وأماكن أخرى في محافظتي الإسكندرية، وأسيوط"، مشدداً على أن "التنظيم الدولي للإخوان" يتلقى "مساعدات جيدة" من أميركا، وأوروبا، وقطر، وتركيا، وإيران، وفق ادعائه.



في سياق متصل، شغل عضو لجنة الدفاع والأمن القومي في البرلمان، اللواء علي الدمرداش، منصب مدير أمن القاهرة في أعقاب فض الاعتصامين، وكان له دور لا يخفى في قمع قوات الشرطة للتظاهرات المعارضة للانقلاب، خصوصاً في مناطق شرق القاهرة، والتي كانت تخرج بانتظام أيام الجمع من كل أسبوع، وسقط خلالها المئات من الضحايا المدنيين برصاص الأمن على مدار الأشهر الستة التي تولى فيها منصبه.

بدوره، شارك عضو المكتب السياسي لائتلاف "دعم مصر"، النائب جمال عبدالعال، في عملية فض اعتصام رابعة، بوصفه كان يشغل منصب مساعد وزير الداخلية لمباحث العاصمة، وأشرف على عمليات قتل المتظاهرين السلميين، قبل أن يقال من منصبه إثر تفجير سيارة مفخخة أمام مديرية أمن القاهرة، في يناير/كانون الثاني 2014.

وخلال أيام الاعتصام، خرج رئيس حزب "التجمع اليساري"، النائب المعيّن من السيسي، سيد عبدالعال، ليقول إن "جماعة الإخوان يجب أن تخضع للإرادة الشعبية، وتعي أن استمرار الاعتصام كعدمه، لأنه لا مجال لعودة الرئيس المعزول مجدداً إلى سدة الحكم"، مدعياً أن "أحداث 30 يونيو" كانت ثورة شعبية، وشارك فيها ما يزيد عن 30 مليون مواطن في كافة ميادين مصر. وأضاف عبدالعال في تصريحاته آنذاك: "أنه يجب إنهاء اعتصامات الإخوان بأسرع وقت ممكن، لأن الوقت ليس في صالح وزارة الداخلية والشعب المصري"، مستدركاً "يجب ألا يكون هناك إقصاء لأي فصيل سياسي في المرحلة المقبلة، ومشاركة الجميع في الحوار الوطني للعمل على الانتقال من المرحلة الحالية من دون حدوث مخاطر في الدولة".

أما مستشار السيسي للشؤون الدينية، النائب المعين، أسامة الأزهري، فاكتفى بين الحين والآخر بحثّ المصريين على التماسك، وعدم التفرق، لعدم ملاقاة مصائر بعض الدول المجاورة، زاعماً أن فكر أنصار "الإخوان" لا يختلف عن فكر أتباع "تنظيم داعش"، "فكلاهما أفكار تنتهي إلى حتمية الصدام، والانقسام، والفرقة، وإسالة الدماء"، على حد قوله. وقال الأزهري، في خطبة للجمعة ألقاها في مسجد "المشير طنطاوي" بحضور السيسي، في مارس/آذار الماضي، إن "الشهيد هو الذي يجود بحياته الدنيوية، ويقدمها هدية لوطنه، وليس لشيء آخر، حتى يحيا أبناء الوطن في أمان".


عضو ائتلاف الأغلبية (دعم مصر)، وأستاذة العقيدة في جامعة الأزهر، آمنة نصير، خرجت وقت الاعتصام كذلك لتقول إن "سقوط جماعة الإخوان يعود إلى عدم فهمها وإدراكها لمفاتيح حكم مصر"، مدينة توظيف المعتصمين للدعاء على المصريين (الانقلابيين)، وكأنهم كفار، علاوة على استقواء أنصار مرسي بالدول الأجنبية المعادية لمصر، وفي مقدمتها الولايات المتحدة، وفق زعمها.
كما دانت نصير موقف السلفيين من فض اعتصام أنصار جماعة "الإخوان"، ووصفته بـ"المتخاذل"، قائلة إن "الإخوان استغلوا الدين، واستخدموا ظاهره فقط، بينما سكت السلفيون سكوت المتربص، وليس المخلص"، مستطردة "الإخوان يذكرونني بالتتار، الذين إذا نزلوا في أي مكان يحرقوه، ولذا أطالبهم بالعودة إلى رشدهم، وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الشخصية والحزبية الضيقة".

أما البرلماني عن حزب "المحافظين"، إيهاب الخولي، فهو صاحب مقطع الفيديو الشهير في أعقاب خطاب مرسي الرافض للانقلاب في 2 يوليو/تموز 2013، والذي قال فيه بطريقة انفعالية استعراضية: "هناك أكثر من 33 مليون مواطن نزلوا في الشارع، ولم يراهم مرسي، الذي يحتمي بالأميركان وأوباما، ويحث أنصاره على الإرهاب". وأضاف الخولي على قناة "صدى البلد" الفضائية، المملوكة لرجل أعمال النظام، محمد أبو العينين: "كل دم في هذا الوطن حرام... وعليا الطلاق ما هانمشي غير لما يمشي محمد مرسي... أنا بقول لكل المصريين لو فيكم راجل شريف يحب هذا الوطن ينزل الشارع، ولا يعود حتى يرحل مرسي... مصر هي مقبرة الإرهاب والتطرف، وأكذوبة الإسلام السياسي انتهت خلاص".

كذلك اعتبر عضو البرلمان المتهم في 11 قضية نصب واحتيال، سعيد حساسين، أن اعتصام رابعة كان من أصعب المراحل التي مرت بها مصر، قائلاً: "ربنا ما يعودها أيام، كان بيحصل فيه حاجات فظيعة... فقيادات جماعة الإخوان كانوا يحمسون الشباب للاستمرار في الاعتصام، وهربوا كالفئران عند الفض، بعد استخدامهم شعارات مثل: مرسي هايفطر معانا بكرة... وبكرة العصر مرسي راجع القصر".

أما أمين سر لجنة العلاقات الخارجية في البرلمان، والعضو السابق في حركة شباب السادس من إبريل (الجبهة الديمقراطية)، طارق الخولي، فقال في الذكرى الثالثة لفض الاعتصامين، إن "اعتصام رابعة كان بؤرة إجرامية تسعى لإدخال الوطن في حالة من الفرقة والانقسام... وارتكب أعضائه كافة الجرائم التي تستهدف هدم الوطن على أهله، بعد أن أسقط الشعب حكم الإخوان البغيض".

إلى ذلك، أدى البرلماني عبد الرحيم علي، دور رأس الحربة إبان فترة حكم مرسي، في التحريض ضد جماعة "الإخوان"، إذ أنشأ موقعاً إخبارياً تحت اسم "البوابة نيوز" خصيصاً لهذا الغرض، بدعم وتمويل إماراتي، واستغل الأموال الخليجية في الترويج للانقلاب على مرسي وفض اعتصامات أنصاره بالقوة. وقال علي آنذاك: إن "ثورة 25 يناير 2011 انتهت بحلول 30 يونيو 2013، وعودة الشرطة والجيش المصري إلى المشهد"، مضيفاً في لقاء له على قناة "النهار" الفضائية، أنه "كان من المقرر تنظيم 30 اعتصاماً في مصر قبل فض رابعة، من بينها 28 في المحافظات، واعتصامين في القاهرة، لتكون نواة لحرب أهلية ينتج عنها التدخّل الأميركي في شؤون البلاد"، حسب زعمه.

كما عمل رئيس نادي الزمالك، البرلماني مرتضى منصور، على التحريض مراراً على فض اعتصام رابعة، بالقول: "الجيش الذي حرر سيناء من احتلال إسرائيل قادر على تحرير إشارة مرور"، رافضاً أي هجوم إعلامي على مواقف السعودية والإمارات والكويت، بعد مساعدتها لمصر بما يقرب من 12 مليار دولار، في أعقاب الانقلاب. واتهم منصور، نجم كرة القدم السابق محمد أبو تريكة، بالانتماء إلى جماعة "الإخوان"، وتضامنه مع اعتصامهم في ميدان رابعة العدوية، قائلاً "حب شخص أمر وارد، لكن حب مصر لا صوت فوقه... خاصة مع سقوط عدد كبير من شهداء الجيش والشرطة على يد الإخوان والإرهابيين، وهو عدد أكبر من الذين سقطوا في حرب أكتوبر".

الباحث في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية، والقيادي السابق في "الحزب المصري الديمقراطي"، النائب عماد جاد، كان من أبرز المحرضين أيضاً، إذ قال قبيل فض الاعتصامين إن "الدولة المصرية بجميع مؤسساتها مطالبة بفرض سيطرتها على الشارع، وإعادة الانضباط إليه مرة أخرى من خلال فض الاعتصامات، بعد تجاوب الشعب مع دعوة السيسي بشأن تفويضه لمحاربة الإرهاب".
واعتبر أن اعتصام رابعة العدوية "هدفه الرهان على الغرب بشكل رئيسي، في ضوء رفض جماعة الإخوان لدعوات المصالحة الوطنية"، متهماً الجماعة بالارتماء في أحضان الإدارة الأميركية، والقوى الغربية. وهو الذي كتب في مقال منشور له في صحيفة "الوطن" في سبتمبر/أيلول 2017، قائلاً إن الموضوعية تقتضي الاعتراف بأن إسرائيل أدت دوراً مهماً في دعم "ثورة 30 يونيو"، ومارست ضغوطاً كبيرة على أعضاء في الكونغرس من أجل تبني رؤى موضوعية تجاه الأحداث في مصر.

في حين زعمت النائبة لميس جابر، زوجة الفنان يحيى الفخراني، أن جماعة "الإخوان" هي من قتلت الشباب (المتظاهرين) في الشوارع أثناء ثورة 25 يناير 2011، وليس الشرطة، قائلة في لقاء لها مع الإعلامي عمرو أديب، في يناير/كانون الثاني الماضي: "اعرف ناس في فترة رابعة بقوا يقوموا مظاهرات، وفيه طفلين في إعدادية رايحين ياخدوا درس... قالوا لهم تيجوا يا بني المظاهرات، وتاخدوا 100 جنيه... مشي الولاد في المظاهرات، وناس اندسوا جوه المظاهرة، وضربوا نار في الولدين"، وفقاً لروايتها.



وكيل لجنة التضامن الاجتماعي في البرلمان، محمد أبو حامد، كان له نصيب وافر من التحريض، إذ صرح مراراً بأن "اعتصام رابعة كان هدفه إيجاد حالة سياسية أشبه بما نشاهده في لبنان، وإعطاء إيحاء أن الشعب المصري منقسم تجاه أمر ما، في ظل وجود مناطق تتبنى وجهة نظر معينة"، معتبراً أن استمرار الاعتصام من دون فضه "كان سيتسبب في إجهاض ثورة 30 يونيو، وعدم اعتراف المجتمع الدولي بها". وادعى أبو حامد أن "اعتصامي رابعة والنهضة كانا نقطة انطلاق لمسيرات عنف تتحرك بمحيطهما"، مشيراً إلى فض الاعتصامين لا يقل أهمية عن أحداث 30 يونيو، خصوصاً "أن أنصار الإخوان كانوا يصدّرون، من خلال اعتصاماتهم، أن الشعب المصري منقسم على نفسه، وهو ما كان يستدعي فض الاعتصامين منذ اليوم الأول لهما".

بدوره، زعم عضو البرلمان، مصطفى بكري، أن "الإخوان حشدوا أفرادهم وأسلحتهم، لفرض السيطرة والسطوة على الشعب"، وأن "اعتصام رابعة كشف النقاب عن المؤامرة التي أراد الإخوان من خلفها أن يُسمعوا العالم صوتاً كاذباً، بغرض تشويه صورة مصر، والإساءة إلى جيشها وشرطتها، غير أن الشعب فهم سيناريو رابعة، الذي كان فيلماً عربياً ساقطاً"، حسب تعبيره.
المساهمون