عصيان مفتوح في السودان: قوى "الحرية والتغيير" تتمسك بالسلمية في مواجهة العسكر

09 يونيو 2019
تراهن المعارضة على نجاح العصيان (أشرف الشاذلي/فرانس برس)
+ الخط -
مرة جديدة سيكون السودان اليوم الأحد على موعد مع عصيان مدني شامل، هو الأول من نوعه منذ ارتكاب المجلس العسكري، مجزرة فض اعتصام الخرطوم والتي راح ضحيتها أكثر من 100 مدني خرجوا إلى الشوارع رغبة بالتغيير، فرد عليهم المجلس بالقتل. ويأتي العصيان، الذي تراهن المعارضة على نجاحه، لإضفاء مزيد من الضغط على المجلس العسكري، في وقت تتواصل الوساطة الإثيوبية بعد تكليف رئيس الوزراء أبي أحمد، الذي غادر الخرطوم أول من أمس، أحد مستشاريه مهمة إكمال الاتصالات، ولا سيما بعدما وضعت المعارضة شروطاً للتفاوض، فيما حاول المجلس العسكري الظهور بمظهر المتجاوب بإعلان رغبته في استئناف التفاوض مع "قوى إعلان الحرية والتغيير"، لكنه في الوقت نفسه كان يعتقل قياديين في الحركة الشعبية قطاع الشمال، بعضهم التقى رئيس الوزراء الإثيوبي. 

وفي ظل قناعة المعارضة بأن المجلس العسكري ماض في تعنته، كثفت أمس السبت من حشدها للمشاركة في العصيان المدني الشامل اليوم الأحد، متغلبة على قطع المجلس للإنترنت عبر إرسال رسائل نصية قصيرة إلى هواتف المواطنين السودانيين تدعوهم لإغلاق الطرق ووضع المتاريس وعدم الذهاب للعمل، اليوم الأحد، لأن "كل الشوارع دم، كل البيوت أحزان، كل الوطن موجوع".

وأكد مضمون الرسائل أن اليوم الأحد بداية العصيان المفتوح حتى سقوط المجلس العسكري الانتقالي، كما تم التشديد على أن "سلميتنا هي سدنا المنيع". في المقابل، أكد البنك المركزي السوداني أن الأحد هو يوم عمل، مع أنّ قطاع البنوك شارك في الإضرابات السابقة التي شهدتها السودان مشاركة فاعلة.

وفي إطار استعدادات المجلس لمحاولة إفشال العصيان، أظهرت جولة لـ"العربي الجديد" وجود انتشار أمني مكثف في العاصمة فضلاً عن تقاسم القوات الأمنية الأدوار في الخرطوم المؤلفة من ثلاث ولايات (الخرطوم، الخرطوم بحري، أم درمان). وانتشرت قوات الدعم السريع المعروفة بمليشيات "الجنجويد"، والمغضوب عليها من السودانيين بسبب دورها المركزي في مجزرة الفض، في الخرطوم بينما كانت قوات الجيش في أم درمان. أما الشرطة والأمن العام فتوزع عناصرهما في الخرطوم بحري. وجاء انتشار قوات الدعم السريع في الخرطوم لتكون على مقربة من مقر القيادة العامة للجيش ومن أم درمان التي يتوقع أن تشهد مشاركة واسعة في العصيان. وعلمت "العربي الجديد" أن القوات بمختلف تشكيلاتها انتشرت ترافقها جرافات لتتولى إزالة أي متاريس اليوم.

وفي السياق، أكد الناشط السياسي جعفر خضر، في حديث مع "العربي الجديد"، أن "الروح التي ستدخل بها الثورة السودانية في يوم العصيان، اليوم الأحد، ستكون أفضل بكثير مما كانت عليه قبل ثورة إطاحة البشير في ديسمبر/كانون الأول الماضي". وأكد أن الاستعدادات في كل السودان "تمضي على قدم وساق لإنجاح العصيان".

ومثّل خضر لذلك بمدينة القضارف، أكبر مدن شرق البلاد، لافتاً إلى أنه منذ أمس السبت تجري فيها الترتيبات وتنشط فيها حركة دؤوبة في القطاعات كافة، خاصة الشباب لإغلاق الطرق وإقامة المتاريس وعدم الذهاب إلى العمل. وأوضح أن العصيان سيكون عاملاً آخر لإضعاف المجلس العسكري الذي تنتابه أصلاً حالة ضعف كبيرة بسبب المجزرة التي ارتكبها خلال فض اعتصام الخرطوم. وتوقع أن يقود العصيان لانقسام جديد داخل المجلس، وهو ما يؤدي في النهاية لإعلان الجيش أو بعض ضباطه في الرتب الأدنى الانحياز للخيارات الشعبية وإسقاط النظام، على حد قوله.


أما الكاتب الصحافي، خالد فضل، فقد توقع في حديث مع "العربي الجديد"، "نجاح العصيان لحصوله على درجة استجابة واسعة، عطفاً على ظروف الغضب الشعبي من مسلك المجلس العسكري والقوات الموالية له والتي مارست أسوأ أنواع الانتهاكات بحق المدنيين، خصوصاً بعد ما حصل لشهداء يوم مجزرة فض الاعتصام (الاثنين الماضي)"، مشيراً إلى أنه يوجد شعور عام وسط الشعب السوداني بإجهاض الثورة. وأكد أنه كل ذلك سيقود إلى نجاح الاعتصام.

وحول جدوى الاعتصام، قال فضل إن "الخطوة ستكون ورقة ضغط أخرى على المجلس العسكري، واستفتاء شعبي سيكون على حساب المجلس الذي سيخسر المعركة كما خسر من قبل معركة الإضراب عن العمل، والتي شاركت فيها مؤسسات حكومية بما في ذلك البنك المركزي السوداني". ولفت إلى أن "المجلس العسكري فوت على نفسه فرصة أن يكون شريكاً في التغيير، خصوصاً بعد أن مدت قوى إعلان الحرية والتغيير يداً بيضاء للمجلس".

من جهته، عبر القيادي السابق في حزب المؤتمر الوطني (الحاكم سابقاً)، الشفيع أحمد محمد، في حديث مع "العربي الجديد" عن أمله في أن يوقف المجلس العسكري وقوى إعلان الحرية والتغيير التصعيد والتصعيد المضاد، مشيراً إلى أن نجاح العصيان المدني أو فشله لن يؤدي إلى حلول للأزمة السودانية. وأضاف أن توقيت العصيان المدني جاء غير ملائم في ظل وجود وساطة إثيوبية جادة يقودها رئيس الوزراء أبي أحمد، والتي وجدت استجابة من الطرفين، وبالتالي عليهما تهيئة المناخ لتلك المبادرة حتى تصل إلى غاياتها. ولفت إلى أن نجاح المبادرة الإثيوبية بات قريباً نسبة إلى الكاريزمية التي يتمتع بها أبي أحمد وتأثيره على الاتحاد الأفريقي ما يؤدي في النهاية إلى خلق قوة ضغط تفضي إلى نجاح المبادرة.

وكان "تجمع المهنيين السودانيين"، قد أكد، أول من أمس الجمعة، تمسكه بالعصيان المدني الشامل، معتبراً إياه "خطوة نحو تمام سقوط المجلس (العسكري) الانقلابي وتحقيق النصر". وحذر التجمع، في بيان، الشعب السوداني من مخطط "بدء أجهزة المجلس العسكري في محاولة تكوين لجان أحياء من أذيال وفلول المنتمين لذات المنظومة المجرمة، بحجة حفظ الأمن في الأحياء بعد إطلاق شائعة وجود عصابات متفلتة". وشدد على ضرورة المواصلة في تنسيق العمل المقاوم في جميع الأحياء من دون أي احتكاك مع "المليشيات البربرية"، حسب البيان ذاته.

في هذه الأثناء، تواصل إثيوبيا وساطتها على الرغم من مغادرة أبي أحمد إلى أديس أبابا، إذ تم تكليف أحد مستشاري رئيس الوزراء الإثيوبي بمواصلة الاتصالات، وعقد لقاء مع رئيس حزب الأمة القومي الصادق المهدي، من دون أن تصدر تفاصيل بشأن ما دار بينهما، لكن المهدي أكد عقب لقائه بأعضاء من البعثة الأفريقية، المتواجدة في الخرطوم، بأنه يؤيد طروحات قوى التغيير.

مع العلم أن "قوى التغيير"، أكدت في بيان ليل الجمعة السبت، وفي أعقاب لقاءاتها مع أبي أحمد، أنها تقبل بالوساطة الإثيوبية شريطة أن يعترف المجلس العسكري بارتكاب جريمة فض الاعتصام. وأضافت أن شروطا قدمتها إلى أبي أحمد تتضمن تشكيل لجنة تحقيق دولية لبحث ملابسات فض الاعتصام، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين وكل المحكومين على خلفية معارضة النظام السابق. كما تشترط إتاحة الحريات العامة وحرية الإعلام، وسحب المظاهر العسكرية من الشوارع، ورفع الحظر عن خدمة الإنترنت.

من جهته، كان رئيس الوزراء الإثيوبي أكد في ختام زيارته، التي التقى خلالها بأعضاء المجلس العسكري ووفد من إعلان قوى الحرية والتغيير وقوى سياسية أخرى، أنه أجرى مناقشات صريحة مع الجميع اتسمت بروح عالية من المسؤولية والوعي بدقة وخطورة الظرف الراهن.

وشدد على أن وحدة واستقرار وسيادة السودان الوطنية يجب ان تبقى هدفاً مقدساً لا مساومة فيه على الإطلاق. وفيما أكد أن واجب الجيش والمنظومة الأمنية كلها هو أن تركز جهودها على الذود عن حرمة الوطن وسيادته وأمن المواطنين وممتلكاتهم والقيام بدور فعال وإيجابي في المرحلة الانتقالية، اعتبر أن واجب الأحزاب السياسية هو أن تركز على مصير البلاد في المستقبل وليس أن تبقى رهينة لعقليات ومعوقات الماضي البائد. ولفت إلى أن الفاعلين السياسيين السودانيين مطالبين باتخاذ قراراتهم بشأن مصيرهم الوطني في حرية واستقلالية تامة عن أي طرف غير سوداني مهما كان. وحذر من أن |الأجنبي والأطراف الأخرى مهما كان لن يحمل الهم السوداني كما يحمله السودانيون أنفسهم". وأشار إلى أن "الجيش والشعب والقوى السياسية مطالبين بإلحاح بالتحلي بالشجاعة والمسؤولية للسير بخطى سريعة إلى اتفاق مؤسس لمرحلة انتقالية ديمقراطية وتوافقية وشاملة في البلاد".

في موازاة ذلك، تحدث المجلس العسكري الانتقالي، أمس السبت، عن رغبته في استئناف التفاوض مع "قوى إعلان الحرية والتغيير"، موجهاً الشكر لرئيس الوزراء الأثيوبي على جهوده في "تقريب وجهات النظر بين الأطراف السودانية". وأعرب المجلس في بيان عن "الانفتاح والحرص على التفاوض للوصول إلى تفاهمات مرضية تقود إلى تحقيق التوافق الوطني، والعبور بالفترة الانتقالية إلى بر الأمان". وشدد على ضرورة "التأسيس للتحول الديمقراطي، الذي هو هدف التغيير والتداول السلمي للسلطة في البلاد". وهذا هو ثاني إعلان من المجلس، خلال أقل من 24 ساعة، يتحدث فيه حرصه على التفاوض، في ظل رفض قوى التغيير الاجتماع معه منذ أن ارتكاب المجزرة خلال الفض الدموي لاعتصام الخرطوم، والتي أفادت قوى التغيير بسقوط 113 قتيلاً خلالها بينها تصر السلطات على أن عدد القتلى لم يتجاوز الـ 61.

لكن محاولات المجلس العسكري الترويج لانفتاحه على الحوار كانت تدحضها إجراءاته على الأرض، إذ اعتقلت قوات الأمن التابعة للمجلس العسكري في السودان، أمس السبت، الأمين العام لـ"الحركة الشعبية- قطاع الشمال" إسماعيل خميس جلاب، من منزله واقتادته إلى جهة مجهولة، بحسب ما علمت "العربي الجديد". وفي السياق ذكرت "فرانس برس"، أنّ قوات الأمن أوقفت أيضاً محمد عصمت القيادي في "الحركة الشعبية- قطاع الشمال"، بحسب ما أفاد أحد مساعديه. وصرّح مساعد لعصمت، لوكالة "فرانس برس"، "عندما خرجنا من مبنى سفارة إثيوبيا، الجمعة، أوقفت سيارة فيها مسلحون محمد عصمت وأخذته إلى جهة لا نعلمها وبدون أن يقدموا أي تفاصيل".

كما اعتقلت قوة أمنية سودانية المتحدث باسم "الحركة الشعبية- قطاع الشمال" مبارك أردول. ونقلت وكالة "الأناضول" عن مصدر في الحركة، قوله، في تصريح مقتضب، إنّ "قوة أمنية كبيرة اقتحمت مقر سكن أردول في العاصمة الخرطوم، واعتقلته"، بعدما كان قد وصل وعدد من قيادات الحركة كوفد "حسن نوايا" أخيراً إلى الخرطوم، وذلك قبل مجزرة فض الاعتصام. وتأتي الاعتقالات في سياق الحملة على جميع قيادات الحركة الشعبية والتي كانت بدأت باعتقال قوة أمنية، الأربعاء الماضي، نائب رئيس الحركة ياسر عرمان، واقتادته إلى جهة مجهولة، فيما أفادت معلومات حصلت عليها "العربي الجديد"، أمس السبت، بأنّه يجري التحقيق مع عرمان بمعتقل في ظروف صعبة، وسط حديث عن تعرّضه للتعذيب.

المساهمون