عصر يصرخ بالتركيّة

31 يوليو 2020
(كان كوتش)
+ الخط -

المشهد الثالث

‫فراغٌ في رأسي يُسمّونه السّماء‬‬
عيناي الثَرثَارَتان - المَشهَد الثالث في حرب الآلهة -
فيهما البَرَكَة كما يقولُ فَلّاحٌ بابِليّ
هِبَةٌ إلهيّة للأرض. 

يبدو أن وَجَعَ صدري هذا هو العالَم
أُحدّق في الشوارع، كلٌ منها عِبارة عن شخص انْطوائيّ،
وفوقَ رأسي "فالانتين تاسكين" يتخلّص مِن نُفاياتِه.
موسقى ليليّةٌ هذا المساءَ، "شوبان" مرّةً أخرى
وعلى حِين غرّة تنكَتِم الأصوات
على الفوْر أجِدُني في "تارلاباسى". 

بدونِ رأسي، السّماء التي في رأسي
وقد أُفرغ تماماً
مَنْ أَقُلْ لَه 
هذا أيضاً سيمُرّ
يقُلْ لي
هكذا حالُ الدُنيا.


■ ■ ■


مُلاحظة المُترجِم

رأيتُ الرجل ووَجْهُه مُبَقَّعٌ بالِدماء
يُحملِق في تَمثالٍ بيزنطيّ بعيد جداً
ويُلقي الزَهر مُراهِناً على موته
وقد جَمَعَ الطيورَ التي أسقَطَها

مَن أحبَّ إذن، هو الذي من أجل أنْ يُمارِسَ الغرام
كان عليه أن يُطارد وادياً وكَعبُ البُندُقيّةِ في خَصرِه
حيث استعجالُ الإمكانات يَعبَث فوقَ أوراقٍ يوقّعها كلّ يوْمين
فقط صورتي الفوتوغرافيّة، هكذا ربّما قال لنفسِه
وهو يقبعُ كالذاكِرة، ثم باكياً فوق الصدأ

ينفّذ حُكمَ الإعدام في فيل، رأيتُ الرَجُل
يُجَرجرُ وراءَه فيلَ سيرك ضخم بخُطّاف رافِعَةٍ 
قائلاً: كمْ هي بلا رحمةٍ هذه الجاذبيّة، رأيتُ الرجل
النحيبُ وخِرَقٌ تحترق لا لشيء إلا حِفاظاً على عاداتِها 
سَقَطَ الذهب سقطتْ خطوط الهَوَاتِف 
لو أمكَنَه فقط سَمَاع صوتِ شخصٍ ما لاعْتدلَ وَضْع التماثيل
واحِداً واحِداً بلا استثناء لكنّ الذهب سقط
فضَعُف القلب

وتَواصَل الضيقُ ذاتُه حتّى الصباح
كلُّ حُلمٍ يَرسُم معالمَه أحدُ الأشياءِ الساقِطة
عَبْر صِيَغٍ نَظَريّة مَسّد فرو قطه الأعمى
وقاس طولَ الغُرَف، كان يعرف وَزن الماءِ وهو يندلق
على هيئةِ فواتيرَ أو طوابعَ وفي المُواصلاتِ العامّة 
يُطالِبُ بالوَقَار، أُرْز على العَشَاء وأحجارٌ في الأُرز
جَبَلٌ من الأحجار يُخفي آلاف المُسَلَّحين
رأيتُ الرجل وعن بُعد شِختُ

مِثلَ هرمونيكا أُسيء العزفُ عليها شاخَ فمي أكثرَ من اللازِم
ما لم أستطع قولَه بالتركيّة لم يُفقَد في أية ترجمةٍ كانتْ
أردت أن أحكي عن الدَغَل وهو يضطرمُ على سطوح كَسْولَة - لم يَحدُث
عن أوراقِ الشاي تُزَخرِفُ أيْدي سيّدات لهُنّ بَشَرة فاتحة - لم يحدث
أنْ أُعدّد فوائد الكولونيا المُستَخرَجة من التَبغ وداء الحَصْبَة - لم يحدث
مُبتَسِماً في تَشَرُّدي، حتى أنا كنتُ لَأَوَدّ أنْ أُعطي حبيبتي زَهراً
لكنني بدلاً من ذلك ناولتُها سُترة نَجَاة كنتُ رَسَمتُ عليها صوراً
لم أستطع أن أقول أحبّكِ وما إلى ذلك وأنا مُعذَّب بشهادة ميلادي
في الخارج وسْطَ الجُموع عزفتُ الهارمونيكا مرّةً بعد مرّة
يومُك سعيد، حَظٌ جيّدٌ في ذلك الأمر فقط دعني أضيف، قلت
الرجل الذي رأيته، نعم
كان ناقص اسمٍ

وبالتركية، عَصرٌ يَصرُخ بأمّهات بَتْرَاواتٍ.


■ ■ ■


اعتذارٌ رسميّ

هل نذهبُ إلى الاحتجاجاتِ يَدعونني إلى حَدَث مُكْتَظّ
مِثلَ ركوة تُضرِمُ النارَ في أفريقيا وهي تَغلي على الموْقِد؟

أُراكِم اعتراضاتٍ طفيفةً على نفسي: كوْني أستعملُ قَطْرَة العين
نَعَم كلّ هذه الدموعِ وإلّا تَفقِد طَزَاجتها وقد قَصُرَ انتظارُها لشخصٍ ما
تحْتي كرسيّ وأنا أَزأر بأنّ الغابات لي فيأتي الهدوءُ سهلاً وطبيعياً
الآن إمّا أنْ أَصمُتَ أو أُناول شخصاً أنا خائفٌ منه سيجارة

هذا إذن مبلغ مقداري أنا الذي بدأتُ أَشرَب العَرَق مع ليمون
كمْ أودّ لو أنجَبت ابناً آخذُه في الصباح وعيناه يَملأُهما النوْم
إلى النساء اللاتي بدأتُ أُحبّهن، لعلَه يظنُّهن جميعاً أُمَّه
لعلّي أظنّهن جميعاً أُمي
أولئك الذين يَفتَقِرون إلى وسادة نظيفة يا صاحبي
لا يَهُمّهم البَلَد في شيء

مَن تَهمّه أيام السَبْت والموتُ بلا أَلَمٍ
ماذا تُصلِح وجوه نساء لا يَتطلّعن من الشبابيك أبداً
هل نَحضُر اجتماعاتٍ؛ حسنٌ إذن، 
هل نَصيح مرحباً؛ مناسبٌ أيضاً
لنَطحنْ هذه الدولةَ في أيدينا كرمادٍ ناعمٍ
على كلّ حال التعذيبُ يُرضيني، أُدخّن عُلبتين بلا فِلتَر كلّ يوم
كان عمّي أولاً مُناضلاً ثم مَريضَ فُصامٍ لكنّه ظلّ نازحاً من "طرابزون"

ها هي معلومة، مع ذلك:
أنا لا أفهم العِيشَة

عمّي لم يَعد يفهمُها هو الآخر، لقد اختفى الآن على كل حال
وكذلك فتاة الثانوي التي أحبّتْه، مَكتَبٌ في مدرسة أو كَهرَباءُ في الزنازين
إصبعٌ يَضغط الزِرّ، بَلغَمٌ على الوجه المَبْصوقِ عليه، ابني وأنا
بنتي التي لا أثَرَ لها، والمَكتبُ القابِعُ في غُرفتي
يَتخَفّف من الجُثّة المُلقاة عليه، هي الأُخرى لا أثَرَ لها

وفارِكاً لِحيَتي هناكَ، أُحدّق إلى بَعيدٍ ساعاتٍ مُتّصِلة
أمُدّ قدميّ كيْ أُدفِئَهما، لتَحتَرِقْ أفريقيا فأنا أَحتاجُ حَرارَةً
رُؤوس عاريةٌ لا تَفهَم شيئاً مما تقرأُه، إنّنا نَحن 
نُجرّب كلّ طريقٍ أمامَنا وكلٌّ منها مِقصَلَةُ احتِمالات
جَرّبنا الأطفالَ صاروا مواطنينَ مُضَعضَعينَ ينخُرُهم اليَأسُ
يَنزِلون عليّ بالخُطَبِ العَصْماء لأنّي قُلتُ إنّ الحَياة مَسخَرَة
لكنْ هل يَعني ذِكرُ المَوْتِ أنّ نَتَملّق التَصفِيق 
وفي هذه الحالة فقد جرّبنا كلّ كلمةٍ بالفعل 
كلّ كلمة أوْدَعْناها الأشياءَ المُكتظّة إلا واحدةً مُختلِفة مُستَثناة
الكَلَّا
تلكِ التي عِند الحاجة قد يَقولُها نبيّ لإلَهِه

أَمّا عنّي فقد تَحوّلتْ إِلى شَجَرَة طَرحتْ أَوراقَها بالفعل
حتّى الطبيعة تُزعِجُني، الأَلوان، النِظام، جَدَاوِل الضَربِ
تتصاعَد الأحجارُ مِن كلّ صَحنٍ، وأسناني كتُرُوسِ مَصنَع بائِد
مُستميتةٍ ليَعيش لَحمي
ومُنذ زَمَن طويل لا الحياةُ ولا الموتُ لا حقوقُ العمّال 
ولا غراميّاتُ "برانكوسي" لا كِتابٌ لـ"باتي سميث"1
ولا أغانٍ لـ"تيم باكلي"، فمنذ زمنٍ طويل وقد استسلَمتُ
أنا لستُ تُركيّاً لا أميناً ولا مُخلِصاً في عَمَلي2
لا يُمكن أنْ أُحوّل وجودي إلى هديّة، لا
فعلاً لا أستطيع أن أفعل

كلّ قَبضة هي رُمانَة تَندلِق وهي تَلكُم
لم أستَطِع الوقوفَ جنبَ شخصٍ واحد
وكل واحدٍ يَهمِس باسمه.


* Kaan Koç، شاعر تركي وُلد في إسطنبول عام 1986، وتخرّج من قسم العلاقات الخارجية في جامعة كوجالي. له ثلاث مجموعات شعرية: "مياه الشرك" (2009)، "إذا لم نتحدث قليلاً" (2015/الصورة)، "لا تهجر البراغيث" (2017)، وقد حاز جائزة جمال ثريا الشعرية عام 2006.  يعمل في الصحافة الثقافية، كما يكتب عموداً ثابتاً في جريدة "حريات" منذ عام 2010. 

** ترجمة: يوسف رخا

ـــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 برانكوسي نحّات روماني شهير، باتي سميث وتيم باكلي من الأسماء المعروفة في الموسيقى الأميركية، وقد كتبت باتي سميث مذكراتها مؤخراً
2 "أنا تركي أمين ومخلص في عمله" هو مفتتح القسم الذي كان على كل تلميذ تركي ترديده في بداية كل يوم دراسي حتى سنة 2013

 

المساهمون