عصام طنطاوي: أرسم نفسي

18 فبراير 2017
(الفنان في مرسمه)
+ الخط -

بعد بحث بصريّ جاوز ربع قرن في فوضى عمّان المعمارية والبشرية، يذهب الفنان التشكيلي الأردني عصام طنطاوي (1954) إلى تجريد مطلق في معرضه "تكوين" الذي يفتتح مساء اليوم السبت في "غاليري وادي فينان للفنون" في العاصمة الأردنية، ويتواصل حتى الأول من آذار/ مارس المقبل.

شجرتا لوز ترتفعان أعلى مرسمه في جبل اللويبدة الذي يطلّ باتجاه جبل عمّان؛ مشهد العمائر المتراكمة المتسلّقة تلك الجبال تسرّب إلى ذكراته، وباتت تنويعات تكويناتها وظلالها تنعكس في معظم أعماله المسكونة على هذا النحو العبثي من سلاسل حجرية وحارات متراصة المنازل والنوافذ.

في معرضه الحالي تحضر مفردات جديدة من فضاء مختلف تماماً في بعض اللوحات، فنشاهد ضفتي النيل، التي تأتي خلاصة رحلة قام بها طنطاوي قبل سنوات، مرتحلاً في "بحر مصر" من القاهرة إلى أسوان، لتلتقط عدسة كاميرته أكثر من 1200 صورة فوتوغرافية توثّق رحلة استمرت شهراً، لم يستطع خلالها أن يغادر مركبه حتى لا تغيب ضفة من ضفتي النهر عن ناظره، بحسب حديثه لــ"العربي الجديد".

لكن الفنان الذي تعود أصوله عائلته القريبة إلى مصر، يرى أنّ عمّان لم تغب أيضاً عن مشهد النيل، فتجاورت عشوائية مبانيها مع حنين غامض إلى قرى الجنوب المصري البعيد ومساحاتها الخضراء، والترِع المتناثرة بينها، وتخلّل الضوء فيها.

ثمّة عوالم تجريدية لونية متوحشة وصاخبة تظهر في تلك الضفاف التي دخلت اللوحة، ورغم أن طنطاوي لم يلتفت في تجربته إلى العنصر البشري في غالبها، إلاّ أن تشكيلات المكان تبدو في إحدى تجلياتها أناساً يتحرّكون ويتفاعلون ملتصقين ببعضهم كتفاً بكتف؛ سقفاً بسقف في اشتغالاته السابقة على الفضاء العمّاني، وهي اليوم تشكّل تراكماً وطبقات من الطبيعة المصرية في عناقات مفرادتها.

يشتغل على تجربته الجديدة منذ قرابة عام ولم يُخطّط في أي اتجاه تسير، إنما لاحق خيالاته وأحلامه على غير هُدى، وهنا يروي طنطاوي أنه لم يجد غير الرسم لمقاومة الموت، بعد رحيل والدته المفاجئ العام الماضي، مضيفاً "بعد رحيلها، لم يعد لي أقارب وأهل على قيد الحياة سوى عائلتي الصغيرة؛ زوجتي وبناتي، فبحثت عن ملاذي وبهجتي إلى حيث أنتمي وأعيش".

"الفن قبيلتي واسمي ومستقبلي وماضيّ"، هكذا يصف طنطاوي علاقته بالرسم والتصوير الذي لم يمتهن غيرهما في حياته، وتفرّغ لهما بعد عمله أكثر من عشرين عاماً في مجال التصميم الغرافيكي، وهو لا يملّ من ترديد مقولة دائمة لديه: "أنا أرسم نفسي، كلّ فنان يرسم نفسه"، وكأنه يختبر كل ما يراه ويعيشه ويختزنه في دواخله التي تشكلّ في النهاية فنّه وشخصه في آن.

يُذكر أن عصام طنطاوي المولود في القدس، قد أقام العديد من المعارض التشكيلية والفوتوغرافية الشخصية في الأردن والعراق والإمارات وإسبانيا وألمانيا وتركيا وغيرها.

المساهمون