تزداد الهجمات التي تستهدف الشرطة السويدية وتتربص بعناصرها، حتى بات الخوف يسيطر على كثير منهم. عنف العصابات لا تجد الشرطة مفراً من محاولة صده باستراتيجية مرتقبة لم تتضح بعد.
"هؤلاء المجرمون يلاحقون أفراد الشرطة بشكل فردي في محاولة لخلق ضباط وعناصر خائفين" هو تصريح قد يكون غريباً بحق أفراد جهاز مكلف بحماية الناس لا الشكوى، لكنّه جاء على لسان إيما كونبيبرغ، أمينة ديوان المظالم الوطنية "الأومبودسمان". فالمخاوف في السويد مستمرة منذ نحو عامين، في وضع يطلق عليه محلياً وأمنياً "فقدان السيطرة في بعض المناطق". وبحسب وسائل وخبراء أمنيين فإنّ "عصابات عنيفة ومجرمين استهدفوا بالهجوم والتهديد الشرطة السويدية، وقد توسع الأمر إلى حد اتخاذ كثير من أفراد الشرطة احتياطات أمنية".
خلال الأعوام العشرة الأخيرة يتضح أنّ الوضع الوظيفي للشرطة في السويد آخذ في التدهور، إذ تفيد المعطيات الرسمية بأنّ "حرق سيارات الشرطة واستخدام القنابل اليدوية ضد سلطات فرض النظام بات أمراً سارياً، ومن ذلك مهاجمة المراكز بالتفجير والحرق". يتضح أنّ العام الماضي 2017 وحده شهد حاجة 200 شرطي/ة لحماية أمنية وإجراءات سلامة إضافية، بل إنّ أسراً كاملة لبعض رجال الشرطة وجدت نفسها مضطرة للانتقال. بحسب أمينة ديوان المظالم إيما كرونبيرغ فإنّ رجال الشرطة يتعرضون أيضاً إلى "تهديدات بالقتل، بل يقترب بعض أفراد العصابات بسلاحهم من بيوت رجال الشرطة أحياناً لتخويفهم".
المتابع لما يكتبه أحياناً ضباط الشرطة الحاليون والسابقون في السويد من انتقادات لما يصفونه بـ"التسيب الأمني" خصوصاً في الصحف المحلية وتحذيرهم من المستقبل، يكتشف حجم المأزق الذي تعيشه الأجهزة الأمنية. فقد كتبت الضابطة أوسا وولف، من مركز شرطة هيلسنبورغ العام الماضي، إثر هجوم بالمتفجرات على المركز: "زملاء لي وصل الأمر بهم إلى تفقد سياراتهم قبل ركوبها للكشف عما إذا كانت هناك أسلاك موصولة بعبوة ناسفة".
في الوقت الراهن، واستناداً إلى المعلومات الرسمية يتضح حجم الخطر، وتؤكد كرونبيرغ أنّ "التهديد للشرطة سابقاً كان جماعياً للجهاز عامة، لكنّنا اليوم أمام حالات تهديد فردي" وهو ما يشيع الخوف بين رجال الشرطة الذين يشعرون أنّ حياتهم قد تنتهي برصاص أحد أفراد العصابات.
إلى جانب الهجمات التي يتعرض لها أفراد الشرطة في مدن سويدية عدة فإنّ من الشائع "وضع لوائح بأسماء عناصر الشرطة وضباطها وإرسال تهديدات لنشر الذعر"، بحسب كرونبيرغ. وبالإضافة إلى العصابات السويدية ومن بينها راكبو الدراجات و"هيلس أنجليس" و"روك" فإنّ من الواضح أنّ مناطق الانتشار تمتد من استوكهولم حتى مالمو، وفي الأخيرة في ضاحية ومجمع روسنغوورد السكني، تتركز عصابات شبان من أصل مهاجر. يقول مدير الشرطة نيكلاس أندرسون: "هناك تقع حوادث إطلاق نار وحرق سيارات للشرطة ومهاجمة مركزها، وهو أيضاً ما يجري في منطقة رينكبي بالقرب من استوكهولم العاصمة، ما يجعل عمل الشرطة مستحيلاً في مثل هذه الظروف".
تعاني الشرطة السويدية عموماً من "انتشار ثقافة الصمت" في المناطق التي تنتشر فيها الجريمة "حين يرى الناس أنّ منازل جيرانهم تتعرض للسرقة لا يتصلون بالشرطة، وحين نطرق الأبواب للاستماع إلى الشهادات فإنّ أحداً لا يجيب عن أسئلتنا. يخاف الناس، وفي بعض المناطق تنتشر حالة من عدم الثقة برجال الشرطة" بحسب أندرسون، الذي يضيف: "في هذه الظروف لا يمكنك أن تأتي بشهود إلى المحكمة".
بعض المتابعين لهذه التطورات المقلقة، خصوصاً الهجمات والتفجيرات التي تعرض لها مركز شرطة ضاحية روسنغوورد، ذو الأغلبية المهاجرة في مالمو بجنوب البلاد، في الأسابيع الأخيرة، يردّونها إلى "ضغط الشرطة على العصابات الذي جعل عملها مستحيلاً، فالهجمات على الشرطة بهذا الشكل تعبر عن يأس أفراد العصابات" وهو على الأقل ما يعتقده رئيس وحدة "المجلس الوطني للوقاية من الجريمة المنظمة" المعروف اختصاراً باسم "برو" دانيال فيسترهاف. يشير فيسترهاف إلى أنّ "الحضور الكثيف والقوي للشرطة في المناطق المليئة بالمشاكل هو ما جعلها عرضة للهجمات الأخيرة".
في المقابل، يعتبر آخرون أنّ الأمر "ليس كذلك، بل ينم عن جرأة وعدم خوف من الشرطة بوجود كلّ هذا العدد من الضحايا والهجمات والتهديدات التي صارت تطاول حياة وأسر رجال الأمن أنفسهم". ويعترف فيسترهاف أنّ "استهداف الشرطة مؤخراً يمكن أن يرتبط أيضاً بمحاولة أفراد العصابات أن يُثبتوا أنفسهم ويحتلوا موقعاً متقدماً فيها".
من ناحيتها، عبرت مديرة قطاع الجنوب في الشرطة السويدية، كارينا بارسون، عن الغضب من تعرض الشرطة لهجوم في مالمو، لكنّها تؤكد أنّ "الشرطة لن تستسلم أبداً أمام الجريمة". وتبدو هذه اللغة غير التقليدية من الشرطة السويدية كتعبير جاد عن حالة غضب وصلت إلى حد شعور عناصر الشرطة أنفسهم بالتهديد والحاجة إلى اتخاذ وسائل حماية لهم ولأسرهم.
أعمال العنف المتزايدة على مدى السنوات السبع الماضية حصدت أرواح 131 شخصاً وأسقطت 520 جريحاً بالترافق مع أكثر من 1500 حادثة إطلاق نار. قتل الضحايا أو أصيبوا بالرصاص أو التفجير أو الطعن، ومن بينهم أبرياء لا علاقة لهم بالتناحر بين العصابات.
تبقى الإشارة إلى أنّ الشرطة السويدية بالرغم من كلّ المخاوف "ذاهبة إلى تطبيق استراتيجية مختلفة في محاربة العصابات، أكثر شدة وصرامة وفعالية، وتتضمن أساليب غير تقليدية" بحسب الصحافة، لكن من دون تحديد هذه الأساليب.