عزمي بشارة: أستبعد تحوّل الفاشية في أوروبا إلى غالبية

25 مارس 2019
بشارة خلال حواره مع "التلفزيون العربي"
+ الخط -

انقسمت موضوعات الحلقة الثانية من سلسلة الحوارات التي يعرضها "التلفزيون العربي" مع المفكر العربي، الدكتور عزمي بشارة، بين تنامي العنصرية الفاشية في أوروبا، انطلاقاً من جريمة مسجدي نيوزيلندا، والأزمة الخليجية المستمرة، وصولاً إلى الملف اليمني، مع تعريج على التحولات الاستبدادية التي رأى بشارة أن السعودية تمر فيها في ظل حكم ولي العهد، محمد بن سلمان.


واعتبر مدير "المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات"، أن التنظيمات الفاشية في الغرب ليست هي التي أصبحت أقوى مما كانت عليه في السابق، بل التيارات الشعبوية التي تتقبل الأطروحات العنصرية ضد المسلمين خصوصاً، والأجانب عموماً، هي التي كبر حجمها، مستبعداً، في الوقت نفسه، أن يصبح اليمين الفاشي تياراً أكثرياً في المجتمعات الغربية الرئيسية. أما في ما يتعلق بالأزمة الخليجية، فرأى بشارة أن لا رغبة أميركية حقيقية في حل الأزمة، نتيجة استفادة دوائر أميركية رئيسية من الصراعات العربية ــ العربية، في حين أن الحلّ اليمني لم يعد ممكناً فرضه إلا بقرار دولي.

فاشية مكتملة العناصر
وفي تعليقه على جريمة قتل المصلين في مسجدي مدينة "كرايست تشيرش" في نيوزيلندا قبل عشرة أيام، وجد بشارة أن اليمين المتطرف في الغرب اليوم تجتمع فيه كل معايير الفاشية، من التفوق العرقي والعنصرية وتمجيد الزعيم والعداء للأجانب. لكنه اعتبر، في المقابل، أن الجريمة الإرهابية تلك، على هولها وبشاعتها، ليست جديدة لناحية وجود خلايا أو أفراد تندرج تحت عنوان تفوق العرق الأبيض، وسرد في هذا السياق أمثلة قريبة وبعيدة زمنياً لجرائم

مشابهة مثل مجزرة تيموثي ماكفي في أوكلاهوما الأميركية عام 1995، وأحداث كنيسة تشارلستون الأميركية أيضاً عام 2015، وقبلها مذبحة أندرس بريفيك في النرويج عام 2011. وخلص بشارة إلى أن التنظيمات الفاشية في الغرب ليست هي التي أصبحت أقوى مما كانت عليه في السابق، بل إن التيارات الشعبوية التي تتقبل الأطروحات العنصرية ضد المسلمين هي التي كبر حجمها، بالتالي صار الانطباع يفيد وكأن الفاشيين هم الذين اتسع حضورهم.

وأشار بشارة إلى أن المشكلة تكمن في العنصرية نفسها، لا في الحالات الإسلامية المتطرفة والتي تمارس إرهاباً باسم الإسلام مثل "داعش"، بدليل أن هذا اليمين الفاشي موجود قبل "داعش". ولاحظ أن الآخر بالنسبة لهذا التيار الفاشي، يكون تارةً اليهود، وتارةً أخرى يكون المسلمين، ومرات يكون الأجانب بشكل عام.
وعن هذا الموضوع، لفت بشارة إلى أن على المسلمين في الغرب واجباً أساسياً، هو الوقوف إلى جانب القوى الليبرالية المنفتحة في أوروبا والتي تمنح الجميع حقوق إنسان وحريات، ضد الفاشيين والعنصريين والمعادين للمسلمين، ذلك أن اللجوء إلى الغرب حصل بنتيجة خيار وقرار إرادي نحو نمط حياة معين، استقبل المسلمين، وبالتالي على هؤلاء أن يدافعوا عن هذا النمط "لأنه يؤمّن حرية وحقوقاً للجميع".

واستدرك بشارة بأن الضرر الحقيقي لـ"داعش" لم يكن على أوروبا أولاً، "بل علينا نحن خصوصاً" كعرب وكمسلمين. ووصف بشارة حركات مثل "داعش"، بأنها "نسختنا من العنصرية والفاشية"، بالتالي "نحن ندينهم لا لكسب رضى أوروبا، بل نتيجة قناعة بأن هؤلاء يضرّون بنا وبقضايانا أولاً".


غير أن بشارة بدا مطمئناً إلى أن هذا التيار اليميني الفاشي في الغرب، لن يتحول إلى غالبية

في أوروبا، ووجد أن هناك ردة فعل إيجابية داخل الغرب نفسه ضد هذه الظاهرة. وعزا سبب اطمئنانه هذا، إلى وجود ما سمّاه "ذخراً إنسانياً أوروبياً" تعلم من تجارب الحربين العالميتين والنازية ومرحلة نزع الاستعمار.

وتوقف بشارة عند مواقف صدرت عن بعض المسؤولين العرب من ممثلي معسكر "الثورات المضادة"، وجد أنها تحاول تملّق التيارات اليمينية المتطرفة تلك وأطروحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب وفريق عمله، تحت شعار تجريم الإسلام السياسي والأخوان المسلمين مثلاً. وسمّى في هذا السياق محمد بن سلمان ومسؤولين إماراتيين.

كذلك سخر بشارة من تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي التي سمّاها "عنصرية ذاتية" بحديث الأخير قبل أيام عن "لنا عنصريتنا ولكم عنصريتكم" في إطار تبريره القمع والقتل والاستبداد، ليستنتج بأن أطرافاً مثل الحكام القمعيين واليمين الفاشي، والحكام الحاليين للولايات المتحدة ولروسيا، "لا يشكلون تياراً واحداً، لكنهم يعادون الطرف نفسه: الديمقراطية والتعددية".

وعن روسيا، ذكّر بشارة بأن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يعتبره كثيرون من أتباع التنظيمات الأوروبية اليمينية المتطرفة، رمزاً لهم كزعيم أبيض قوي وقومي يحارب المسلمين.

وفي إطار الدعم المعنوي و"الفكري" الذي تتلقاه حركات اليمين الفاشي في الغرب، شدد بشارة على خطورة دونالد ترامب، معترفاً بأن كثيرين قللوا من خطره في البداية، ذلك أن "تصوراته النرجسية والعنصرية كرجل أعمال متوسط الذكاء، تحولت إلى سياسات دول". ولاحظ كيف أنه مع وجود مستشارين عقائديين لترامب، مثل (كبير المخططين الاستراتيجيين المقال من البيت الأبيض) ستيف بانون، "التقت العنصرية مع الطبقة العاملة الأميركية البيضاء، الريفية والفقيرة، المتضررة من العولمة والحاقدة على المدن الكبرى وعلى اليد العاملة المهاجرة" لتصبح العنصرية والعدائية سياسة رسمية لأكبر دولة في العالم. من هنا، حذّر بشارة من أن تجربة ترامب تشجع اليمين المتطرف في أوروبا في ظل محاولات لإقامة تيار عالمي يميني متطرف وعنصري يستغل الخوف على الهوية الأوروبية (المسيحية عند بعضهم) وعلى نمط الحياة الغربية، ويحاول الإيحاء بأن المشكلة تكمن في "اللبرلة الزائدة" وفتح الحدود الجمركية والوحدة الأوروبية والعولمة الاقتصادية.




الأزمة الخليجية: لا رغبة أميركية بحلها
وفي القسم الثاني من الحوار، المخصص لحصار قطر والأزمة الخليجية، قال بشارة إن المشكلة بنيوية وتُختصر بأن مجلس التعاون عاجز عن حل الخلافات، وبعدم احترام سيادة الدول،

وبرغبة دول خليجية في الهيمنة. وأوضح بشارة أنه "حتى خلال الحروب، لا يحصل حصار كالذي فرض على قطر، إذ حتى في الحروب تُستثنى قطاعات من الحصار مثل المدنيين والدواء". ورفض بشارة اعتبار أن السياسة الخارجية القطرية تضرّ بدول أخرى في مجلس التعاون الخليجي، لا بل إنه رأى أنه "حصلت مسايرة إعلامية قطرية أكثر من اللازم للدول التي فرضت عليها حصاراً".
ورداً على سؤال حول العقدة الرئيسية التي تحول دون انتهاء الأزمة، أجاب بأن "العقدة ليست في البحرين، الدولة التابعة التي يحلمون بتحويل قطر إلى شبيه لها"، بل تتمثل بمحمد بن سلمان و(ولي عهد أبوظبي) محمد بن زايد. وبرأيه، فإن حصار قطر والتطبيع مع إسرائيل، لم يكن ممكناً حدوثهما في ظل وجود ولي العهد المُطاح، محمد بن نايف في السعودية. واختصر بشارة المشهد الحالي في التحالف السعودي ــ الإماراتي بالقول إن الأكثر تأثيراً "فكرياً" هي الإمارات، بينما محمد بن سلمان هو المتأثِّر. وأوضح أن هذا المحور، بن سلمان ــ بن زايد، ربما تمكن من إقناع ترامب عبر (صهر الرئيس الأميركي، وكبير مستشاريه،

جاريد) كوشنر بأنه يمكن معاقبة قطر. وكشف بشارة أن فكرة حصار قطر قديمة، لكنها كانت صعبة التنفيذ إلى أن وصل الطاقم الجديد إلى الحكم في السعودية وأميركا.
وجزم بشارة بأن قطر لن تغير سياساتها بإملاءات وبحصار، مع أنه أكد أنها دولة براغماتية لها حساباتها وتقوم بمراجعات على غرار ما تفعله كل الدول. وبرأي بشارة، فإن قطر "ترغب في المصالحة لتبديد الطاقة السلبية التي تذهب هباء ويمكن استثمارها في ملفات عربية ضرورية"، لكن بما أن ما حصل قد حصل، "فقد طورت الدوحة الاقتصاد وتبلورت الهوية والتماسك الداخلي في قطر وتحسنت العلاقة مع المقيمين وحققت نجاحات في سياستها الخارجية". ومع أن بشارة لم يجد "سبباً عقلانياً لاستمرار الحصار"، وخصوصاً أن الجميع في مجلس التعاون الخليجي متضرر، غير أنه استبعد حلّا قريبا، ذلك أنه "في بعض حالات العلاقات العربية العربية، تتغلب المشاعر من غيرة وحسد وكره على المصالحة البراغماتية".
وعن السعودية، أوضح بشارة أن هذه الدولة تمر في مرحلة تحول، بعدما كانت فيها عائلة مالكة حجمها كبير تحكمها هرمية صارمة، ومؤسسة دينية قوية يسود تقاسم عمل فيما بينهما، بينما اليوم تصبح ملكية مطلقة محصورة بشخص واحد، هو ولي العهد محمد بن سلمان، لفت بشارة إلى أنه يبني نظاماً مستبداً يجعل من المستحيل الترويج لمشروع إصلاحي أمام الغرب. واختصر بشارة سمات الحاكم المطلق للسعودية اليوم بالغرور والنزعة إلى المغامرة الممزوجة بالعنصرية التي شاهد العالم ترجمتها في اليمن وفي جريمة قتل الإعلامي جمال خاشقجي. وعلى هذا الصعيد، نبّه بشارة إلى أن الإصلاحات "لا تقتصر حصراً على الترفيه والمهرجانات وقيادة المرأة للسيارات، (التي تبقى حقوقاً بديهية وضرورية)، من دون اللبرلة الحقيقية، أي الحريات والحقوق والديمقراطية".
أما حول اليمن، فجزم بشارة بأنه لم يعد ممكناً فرض حل إلا بقرار دولي، لأن هناك صراعات كثيرة فتحتها حرب "ما يسمى التحالف العربي" على حد تعبير بشارة في الجنوب والشمال وبين القبائل، لافتاً إلى أن المقدمة الضرورية كي تتاح الفرصة للتفاوض حول الحل السياسي، تبدأ في وقف فوري لإطلاق النار.