بالرغم من تجاهل أغلب العراقيين لذكرى السنة الثانية عشرة لسقوط عاصمتهم بغداد، واحتلالها من قبل القوات الأميركية في 9 أبريل/نيسان 2003، وانشغالهم بملفات أمنية وحياتية بالغة الصعوبة والتعقيد، إلا أن هناك من يصر على محاولة تفسير ومعرفة واحد من أقوى أسرار تلك الحرب، وهو مصير عزة الدوري، نائب رئيس مجلس قيادة الثورة في زمن نظام صدام حسين، وأشهر هارب عجزت جميع الأجهزة الأمنية العراقية والاستخباراتية الأميركية عن كشف مصيره بشكل قاطع ونهائي.
لقب الدوري المرتبط بالرجل، مشتق من اسم منطقته الدور، في محافظة صلاح الدين شمال بغداد، فيها ولد عام 1942 وأمضى مرحلة الصبا التي لم تحمل أي صفات أو نشاطات خاصة، سوى ميل نحو التعاليم الصوفية الرائجة في تلك المحافظة، والتي حاول تعميمها فيما بعد على معظم مفاصل المؤسسة الدينية الحكومية، لا يعرف عن الدوري قبل شهرته، سوى تعثره المستمر في إكمال الدراسة سواء في مسقط رأسه أو العاصمة بغداد، حتى انتهى به الأمر في عقد الستينيات من القرن الماضي، كبائع لألواح الثلج، التي كانت مهنة رائجة في بغداد لانعدام أجهزة التبريد آنذاك، فيما توكد مصادر بعثية أن هذه المهنة كانت قناع لتمويه نشاطه وواجباته الحزبية السرية.
صديق الدوري
يستذكر الحاج لطفي القزاز، وهو من السكان السابقين لمنطقة الفضل في شرق بغداد، أن الدوري ظهر في بداية الستينيات بين الشبان النشطين في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي كان ينازع من أجل سلب السلطة من الرئيس عبد السلام عارف. وتنقّل الدوري في تلك الفترة بين منطقتي الأعظمية والفضل، وتم تكليفه بواجبات محدودة، منها المشاركة في الحرس القومي الذي تم حله لاحقاً بأمر الرئيس عارف، والذي زج بالدوري في السجن إلى سنة 1966، مشيراً إلى أن الهارب الأشهر في تاريخ العراق الحديث ظهر إلى الواجهة بقوة بعد حركة تموز 1968 التي أعلنت سيطرة حزب البعث على السلطة في العراق، وقيل إنه قاد إحدى الدبابات التي اقتحمت القصر الجمهوري في بغداد، وأعلنت إنهاء حكم الرئيس عبدالرحمن عارف.
ويضيف القزاز الذي حافظ على علاقة بسيطة مع الدوري أن الحكام الجدد عهدوا إليه بمواقع وواجبات متنوعة، تدرجت من مسؤول عن شريحة الفلاحين، ووزير للزراعة والداخلية، إلى أن وصل إلى منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، وتولى التحقيق في مجموعة انقلابات ومؤامرات مفترضة في صفوف الحزب، وانتهت أغلب تحقيقاته بأحكام الإعدام، مبيناً أن هذه الثقة التي منحها صدام للدوري أهّلته، فيما بعد لنيل منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة.
المخبأ الصوفي الآمن
القزاز يوضح لـ"العربي الجديد" أن ميل الدوري نحو الطرق الصوفية وتقريبه لمشايخها والعلاقة الوثيقة التي ربطته بأغلبهم هي المفتاح لفهم سر تمكّنه من الهرب طوال السنوات الماضية، ونجاحه في البقاء بعيداً عن مصير رفاقه الآخرين الذين انتهوا إلى السجن أو الإعدام فيما نجا قلة منهم بالهرب إلى خارج العراق.
ويتابع الصديق القديم أن أتباع الطريقة القادرية الصوفية هم من عملوا على إخفاء الدوري في عشرات الزوايا والتكايا التي يمتلكونها في محافظات شمال العراق، حيث يتم نقله بحسب جدول زمني لا يزيد على أسبوعين في أماكن مختلفة، وبمقتضى تطورات الأحداث الأمنية في هذه المنطقة أو تلك، لافتاً إلى أن أحاديث المقربين منه لا تستبعد مكوثه في المحافظات الكردية لفترة غير قليلة، خصوصاً في السنوات الأولى التي تلت الاحتلال الأميركي.
ويرى القزاز أن مهمة أتباع الدوري من المتصوفة لم تقتصر على حمايته وإبقائه بعيداً عن عيون القوات الأميركية والعراقية، ولكن تعدتها إلى المحافظة عليه من تنظيمات مثل القاعدة سابقاً، و"داعش" حالياً، والتي دخلت في صدامات عديدة مع "جيش النقشبندية" الذي يتزعمه الدوري في كركوك والموصل، فيما يصر صديق مرحلة الشباب على أن جائزة العشرة ملايين دولار المقدمة من الأميركيين، لم تجد لها صدى لدى حلقة المقربين من الدوري الذي يصر محدثنا على أنه لا يزال يتنقل بسرية تامة داخل العراق، برغم بلوغه مرحلة متقدمة من العمر ومرض سرطان الدم الذي يعاني منه.
الملاذ السوري
يرسم المحلل السياسي عدنان الحاج، سيناريو ثانياً لمصير المطلوب رقم ستة على لائحة القوات الأميركية، إذ يؤكد أن متابعته المستمرة للتصريحات والمقتطفات المسربة من نقاشات عناصر الخط الأول في حزب البعث "المنحل" في الخارج، تشير إلى تهريب محتمل للدوري منذ الأيام الأولى للغزو الأميركي، وأن الوجهة كانت في ذلك الوقت هي الأراضي السورية وتحديداً عن طريق معبر ربيعة في محافظة نينوى.
المحلل الحاج يبين أن جملة مخاطبات لقياديين بعثيين سابقين نشرت أخيراً على مواقع ومنتديات مقربة منهم، تظهر أن الدوري بقي متخفياً في محافظتي كركوك ونينوى طيلة عام 2003 وأن نقله إلى سورية تم في مطلع سنة 2004 وبترتيب من البعث العراقي والمخابرات السورية التي احتضنت العشرات من القيادات البعثية العراقية كوسيلة ضغط وورقة مساومة مع قوات الاحتلال الأميركي والحكومات العراقية التي ستشرف على تشكيلها لاحقاً في بغداد.
ويضيف الحاج في حديث إلى "العربي الجديد": "أن قياديا في بعث العراق يسمي نفسه الرفيق أبو عروبة المرشدي، طمأن زملاءه في ذلك الوقت، وعبر (شبكة البصرة) وهي موقع إلكتروني بعثي بأن الرفيق عزة الدوري في مكان آمن ووسط رفاقه وأشقائه" في إشارة إلى البعث السوري، من دون أن يدلي بمزيد من التفاصيل، مبيناً أن عدد من الآراء تذهب إلى أن الدوري تم نقله في المرحلة الأولى إلى العاصمة السورية دمشق، التي أمضى فيها أياماً قليلة، فيما قال بعضهم إنه نقل إلى مدينة القرداحة في ريف اللاذقية، والتي تعد مسقط رأس الرئيس السوري بشار الأسد ومعقل عائلته وأقربائه.
الحاج يتابع أن الدوري تم اختياره لرتبة "مهيب ركن" ومنصب رئيس العراق بعد إعدام صدام حسين، في نهاية عام 2006، والذي كان بالنسبة للبعثيين لا يزال الرئيس الشرعي للعراق، وأن جميع مهامه وواجباته انتقلت إلى نائبه الدوري الماكث في سورية، مضيفاً أن خلافه مع دمشق، بدأ بعد دعمها للانشقاق في صفوف البعث العراقي، وتأييدها لجناح محمد يونس الأحمد في عام 2007 وأن مغادرته تمت بترتيب وصفقة مع الأسد، وكانت وجهته هذه المرة، كما قال عدد من البعثيين السابقين، هي العاصمة اليمنية صنعاء، والتي انقطعت أخباره فيها، لكن هذا السيناريو يعد الأضعف.
وينقل الحاج عن مصادره الخاصةن أن أغلب التسجيلات الصوتية والمصورة التي بثها الدوري كانت تتم في سورية أو اليمن، مع الحرص على أسلوب التمويه، في الإشارة إلى أنها مسجلة في محافظة بابل أو مناطق عراقية أخرى، قادت إلى حملة تضليل كبيرة، انجر إليها الأمن العراقي وشخصيات سياسية كانت تتسابق للإعلان عن اعتقال أو مقتل الدوري، وهي رواية تكررت لأكثر من عشر مرات، وكان آخرها خبر مقتله في مدينة تكريت بقصف أميركي، إلا أن المطلوب على لائحة الإنتربول خرج بعدها بتسجيل يهنئ العرب على وحدتهم في إطار عملية "عاصفة الحزم".
السيناريو الثالث
السيناريو الثالث، يورده الكاتب والصحافي الكردي نوزاد صباح، فهو بقي مقتنعاً مدة سبع سنوات، بأن الدوري مات بفعل عوامل تقدم السن ومجموعة الأمراض المصاب بها، وفي مقدمتها سرطان الدم، وأن نعي حزب البعث له عام 2005 كان دليلاً دامغاً على هذه الوفاة، غير أن قناعاته تعرضت لضربة، بعد ظهور التسجيل المصور للدوري في عام 2012، لكنه عاد ليعتقد بأن تقنيات المونتاج وأساليب المكياج المتطورة وبراعة فنون التمثيل وتقليد الأصوات، ربما نجحت في صناعة شبيه للدوري، وبإشراف من جهات ترغب في إبقاء الرجل على قيد الحياة.
ويلفت صباح في تصريحات لـ"العربي الجديد":" أن حزب البعث ربما ندم على إعلانه المتسرع عن وفاة الدوري، وأراد بعدها استخدام شبح الدوري في السخرية من رموز وقيادات الحكومات العراقية الذين أصيبوا بحمى السبق الصحافي وأخذو يزفون البشرى تلو الأخرى بمناسبة اعتقال أو قتل الدوري، والذي يعود في كل مرة بمظهر القائد والبطل الذي لا يقهر، برغم ملاحقته من قبل جميع عناصر الأمن العراقيين وقبلهم الجيش والمخابرات الأميركية".
ويشدد صباح على أن مصادر التمويل التي احتفظ بها أعضاء حزب البعث بعد سقوط دولتهم في عام 2003، مكّنتهم من تمويل مجمل نشاطاتهم، فيما بعد، ومنها بعض العمليات المسلحة، وهذا يجعلهم قادرين على الاستعانة بخبرات باهظة الثمن من أجل إيجاد شبيه وتوأم للدوري، خصوصاً أن لهم خبرة سابقة في صناعة أكثر من شبيه لصدام حسين أثناء حياته، بينما لا يستبعد الصحافي الكردي أن يكون البعث قد تحالف في هذا الموضوع مع دولة كبرى، إذ اجتمعت مصلحتهما في صناعة رمز مزعج ومقلق وساخر من الحكومات العراقية التي تلت الغزو الأميركي.
ويخلص صباح إلى أنه وبغض النظر عن شكل السيناريو أو المصير الذى انتهى إليه الدوري، فإنه تمكن أخيراً من لعب دور القائد لأتباعه والموجه لهم، وهو دور عجز عن ممارسته عندما كان في الحكم، في ظل نظام صدام حسين، وبقي طيلة تلك الفترة مادة دسمة للنكات السياسية الممنوعة، والتي تؤدي بمن يتناقلها إلى حبل المشنقة أو السجن في أحسن الأحوال.
لقب الدوري المرتبط بالرجل، مشتق من اسم منطقته الدور، في محافظة صلاح الدين شمال بغداد، فيها ولد عام 1942 وأمضى مرحلة الصبا التي لم تحمل أي صفات أو نشاطات خاصة، سوى ميل نحو التعاليم الصوفية الرائجة في تلك المحافظة، والتي حاول تعميمها فيما بعد على معظم مفاصل المؤسسة الدينية الحكومية، لا يعرف عن الدوري قبل شهرته، سوى تعثره المستمر في إكمال الدراسة سواء في مسقط رأسه أو العاصمة بغداد، حتى انتهى به الأمر في عقد الستينيات من القرن الماضي، كبائع لألواح الثلج، التي كانت مهنة رائجة في بغداد لانعدام أجهزة التبريد آنذاك، فيما توكد مصادر بعثية أن هذه المهنة كانت قناع لتمويه نشاطه وواجباته الحزبية السرية.
صديق الدوري
يستذكر الحاج لطفي القزاز، وهو من السكان السابقين لمنطقة الفضل في شرق بغداد، أن الدوري ظهر في بداية الستينيات بين الشبان النشطين في صفوف حزب البعث العربي الاشتراكي، الذي كان ينازع من أجل سلب السلطة من الرئيس عبد السلام عارف. وتنقّل الدوري في تلك الفترة بين منطقتي الأعظمية والفضل، وتم تكليفه بواجبات محدودة، منها المشاركة في الحرس القومي الذي تم حله لاحقاً بأمر الرئيس عارف، والذي زج بالدوري في السجن إلى سنة 1966، مشيراً إلى أن الهارب الأشهر في تاريخ العراق الحديث ظهر إلى الواجهة بقوة بعد حركة تموز 1968 التي أعلنت سيطرة حزب البعث على السلطة في العراق، وقيل إنه قاد إحدى الدبابات التي اقتحمت القصر الجمهوري في بغداد، وأعلنت إنهاء حكم الرئيس عبدالرحمن عارف.
ويضيف القزاز الذي حافظ على علاقة بسيطة مع الدوري أن الحكام الجدد عهدوا إليه بمواقع وواجبات متنوعة، تدرجت من مسؤول عن شريحة الفلاحين، ووزير للزراعة والداخلية، إلى أن وصل إلى منصب نائب رئيس مجلس قيادة الثورة، وتولى التحقيق في مجموعة انقلابات ومؤامرات مفترضة في صفوف الحزب، وانتهت أغلب تحقيقاته بأحكام الإعدام، مبيناً أن هذه الثقة التي منحها صدام للدوري أهّلته، فيما بعد لنيل منصب نائب القائد العام للقوات المسلحة.
المخبأ الصوفي الآمن
القزاز يوضح لـ"العربي الجديد" أن ميل الدوري نحو الطرق الصوفية وتقريبه لمشايخها والعلاقة الوثيقة التي ربطته بأغلبهم هي المفتاح لفهم سر تمكّنه من الهرب طوال السنوات الماضية، ونجاحه في البقاء بعيداً عن مصير رفاقه الآخرين الذين انتهوا إلى السجن أو الإعدام فيما نجا قلة منهم بالهرب إلى خارج العراق.
ويرى القزاز أن مهمة أتباع الدوري من المتصوفة لم تقتصر على حمايته وإبقائه بعيداً عن عيون القوات الأميركية والعراقية، ولكن تعدتها إلى المحافظة عليه من تنظيمات مثل القاعدة سابقاً، و"داعش" حالياً، والتي دخلت في صدامات عديدة مع "جيش النقشبندية" الذي يتزعمه الدوري في كركوك والموصل، فيما يصر صديق مرحلة الشباب على أن جائزة العشرة ملايين دولار المقدمة من الأميركيين، لم تجد لها صدى لدى حلقة المقربين من الدوري الذي يصر محدثنا على أنه لا يزال يتنقل بسرية تامة داخل العراق، برغم بلوغه مرحلة متقدمة من العمر ومرض سرطان الدم الذي يعاني منه.
الملاذ السوري
يرسم المحلل السياسي عدنان الحاج، سيناريو ثانياً لمصير المطلوب رقم ستة على لائحة القوات الأميركية، إذ يؤكد أن متابعته المستمرة للتصريحات والمقتطفات المسربة من نقاشات عناصر الخط الأول في حزب البعث "المنحل" في الخارج، تشير إلى تهريب محتمل للدوري منذ الأيام الأولى للغزو الأميركي، وأن الوجهة كانت في ذلك الوقت هي الأراضي السورية وتحديداً عن طريق معبر ربيعة في محافظة نينوى.
المحلل الحاج يبين أن جملة مخاطبات لقياديين بعثيين سابقين نشرت أخيراً على مواقع ومنتديات مقربة منهم، تظهر أن الدوري بقي متخفياً في محافظتي كركوك ونينوى طيلة عام 2003 وأن نقله إلى سورية تم في مطلع سنة 2004 وبترتيب من البعث العراقي والمخابرات السورية التي احتضنت العشرات من القيادات البعثية العراقية كوسيلة ضغط وورقة مساومة مع قوات الاحتلال الأميركي والحكومات العراقية التي ستشرف على تشكيلها لاحقاً في بغداد.
ويضيف الحاج في حديث إلى "العربي الجديد": "أن قياديا في بعث العراق يسمي نفسه الرفيق أبو عروبة المرشدي، طمأن زملاءه في ذلك الوقت، وعبر (شبكة البصرة) وهي موقع إلكتروني بعثي بأن الرفيق عزة الدوري في مكان آمن ووسط رفاقه وأشقائه" في إشارة إلى البعث السوري، من دون أن يدلي بمزيد من التفاصيل، مبيناً أن عدد من الآراء تذهب إلى أن الدوري تم نقله في المرحلة الأولى إلى العاصمة السورية دمشق، التي أمضى فيها أياماً قليلة، فيما قال بعضهم إنه نقل إلى مدينة القرداحة في ريف اللاذقية، والتي تعد مسقط رأس الرئيس السوري بشار الأسد ومعقل عائلته وأقربائه.
الحاج يتابع أن الدوري تم اختياره لرتبة "مهيب ركن" ومنصب رئيس العراق بعد إعدام صدام حسين، في نهاية عام 2006، والذي كان بالنسبة للبعثيين لا يزال الرئيس الشرعي للعراق، وأن جميع مهامه وواجباته انتقلت إلى نائبه الدوري الماكث في سورية، مضيفاً أن خلافه مع دمشق، بدأ بعد دعمها للانشقاق في صفوف البعث العراقي، وتأييدها لجناح محمد يونس الأحمد في عام 2007 وأن مغادرته تمت بترتيب وصفقة مع الأسد، وكانت وجهته هذه المرة، كما قال عدد من البعثيين السابقين، هي العاصمة اليمنية صنعاء، والتي انقطعت أخباره فيها، لكن هذا السيناريو يعد الأضعف.
وينقل الحاج عن مصادره الخاصةن أن أغلب التسجيلات الصوتية والمصورة التي بثها الدوري كانت تتم في سورية أو اليمن، مع الحرص على أسلوب التمويه، في الإشارة إلى أنها مسجلة في محافظة بابل أو مناطق عراقية أخرى، قادت إلى حملة تضليل كبيرة، انجر إليها الأمن العراقي وشخصيات سياسية كانت تتسابق للإعلان عن اعتقال أو مقتل الدوري، وهي رواية تكررت لأكثر من عشر مرات، وكان آخرها خبر مقتله في مدينة تكريت بقصف أميركي، إلا أن المطلوب على لائحة الإنتربول خرج بعدها بتسجيل يهنئ العرب على وحدتهم في إطار عملية "عاصفة الحزم".
السيناريو الثالث
السيناريو الثالث، يورده الكاتب والصحافي الكردي نوزاد صباح، فهو بقي مقتنعاً مدة سبع سنوات، بأن الدوري مات بفعل عوامل تقدم السن ومجموعة الأمراض المصاب بها، وفي مقدمتها سرطان الدم، وأن نعي حزب البعث له عام 2005 كان دليلاً دامغاً على هذه الوفاة، غير أن قناعاته تعرضت لضربة، بعد ظهور التسجيل المصور للدوري في عام 2012، لكنه عاد ليعتقد بأن تقنيات المونتاج وأساليب المكياج المتطورة وبراعة فنون التمثيل وتقليد الأصوات، ربما نجحت في صناعة شبيه للدوري، وبإشراف من جهات ترغب في إبقاء الرجل على قيد الحياة.
ويلفت صباح في تصريحات لـ"العربي الجديد":" أن حزب البعث ربما ندم على إعلانه المتسرع عن وفاة الدوري، وأراد بعدها استخدام شبح الدوري في السخرية من رموز وقيادات الحكومات العراقية الذين أصيبوا بحمى السبق الصحافي وأخذو يزفون البشرى تلو الأخرى بمناسبة اعتقال أو قتل الدوري، والذي يعود في كل مرة بمظهر القائد والبطل الذي لا يقهر، برغم ملاحقته من قبل جميع عناصر الأمن العراقيين وقبلهم الجيش والمخابرات الأميركية".
ويشدد صباح على أن مصادر التمويل التي احتفظ بها أعضاء حزب البعث بعد سقوط دولتهم في عام 2003، مكّنتهم من تمويل مجمل نشاطاتهم، فيما بعد، ومنها بعض العمليات المسلحة، وهذا يجعلهم قادرين على الاستعانة بخبرات باهظة الثمن من أجل إيجاد شبيه وتوأم للدوري، خصوصاً أن لهم خبرة سابقة في صناعة أكثر من شبيه لصدام حسين أثناء حياته، بينما لا يستبعد الصحافي الكردي أن يكون البعث قد تحالف في هذا الموضوع مع دولة كبرى، إذ اجتمعت مصلحتهما في صناعة رمز مزعج ومقلق وساخر من الحكومات العراقية التي تلت الغزو الأميركي.
ويخلص صباح إلى أنه وبغض النظر عن شكل السيناريو أو المصير الذى انتهى إليه الدوري، فإنه تمكن أخيراً من لعب دور القائد لأتباعه والموجه لهم، وهو دور عجز عن ممارسته عندما كان في الحكم، في ظل نظام صدام حسين، وبقي طيلة تلك الفترة مادة دسمة للنكات السياسية الممنوعة، والتي تؤدي بمن يتناقلها إلى حبل المشنقة أو السجن في أحسن الأحوال.