عرض السلطة المثير في الفيفا

31 مايو 2015

جبريل الرجوب.. تكرار في الفيفا لمشهد معروف (26 مايو/2015/أ.ف.ب)

+ الخط -
هل كان إعلان رئيس الاتحاد الفلسطيني لكرة القدم، جبريل الرجوب، سحب طلب تعليق عضوية إسرائيل في كونغرس الاتحاد الدولي لكرة القدم "الفيفا" مفاجئاً؟ اختلف المعلقون على الحدث الصاخب، وأسفر رد الفعل عن مفاجأة كثيرين من سحب الطلب، في حين استذكر كثيرون واقعة غولدستون، واعتبروا الأمر تكراراً آخر لمشهد معروف. يمكن أن نرصد هنا عدة ملاحظات على هذا العرض المثير. 
أولها، اللافت هذه المرة هو الزخم، والصوت العالي، ونبرة التحدي التي استبق بها رئيس الاتحاد الفلسطيني انعقاد كونغرس الفيفا، بل إن ناطقين باسم الاتحاد تحدثوا عن "استراتيجيات وطنية"، وقرارات على مستوى القيادة، وبلغ تحشيد المتظاهرين والمناصرين حتى بوابة اجتماع الفيفا، ونجحوا في اختراق الاجتماع، ورفع الأعلام الفلسطينية، وتوقيع عرائض لعشرات الآلاف ضد إسرائيل وتمثيلها في الفيفا. أجواء تسخين غير مسبوقة ساهمت في جعل سحب الطلب على يد الرجوب بمثابة صدمة وتخاذل غير مفهومين.
المهم، هنا، أن ماكينة الترويج والاحتفاء الضخمة التي طورتها السلطة، خلال السنوات الماضية، لمواكبة أي قرارات للرئيس أو "القيادة"، منذ قرار التوجه إلى الأمم المتحدة، ها هي اليوم تنقلب على السلطة، وتفعل فعلاً عكسياً، ونفخ الخطوات وتضخيمها لتبدو مفصلية وتاريخية، أسفر عن انفجار هذه البلالين الضخمة بدوي هائل، يشير، أول ما يشير، إلى حجم الافتعال في الماكينة وأدواتها وخطاباتها، بل وحجم الزيف والتضليل.
وثانية الملاحظات أن الإيهام بأن خلف كل قرار أو مشروع أو تحرك إجماعاً وطنياً واستراتيجيات موسعة ومستويات عليا من القرار والقيادة، ينكشف بشكل مثير، وتتجلّى صورة الشخص الواحد المسؤول والمقرر في مساحة نفوذه. فإن كانت هنالك استراتيجية وطنية وقرارات قيادة ومسار طويل خلف تقديم الطلب، كيف يسحبه رئيس الاتحاد، بعد دردشات جانبية خلال انعقاد الجلسات! بل ويظهر الأمر وكأنه شأن شخصي بحت، يشكر الرجوب من نصحه بشأنه.
هذا يفتح المجال للملاحظة الثانية، وهي أن الشخصنة المفرطة في مسارات كهذه تكشف جزءا من آليات ضغط إسرائيل على السلطة وقيادتها، عبر توجيه الضغط والتحذير والتهديد لشخوص بعينها، والتضييق عليها، وعلى مصالحها الخاصة والشخصية، بدل التعامل مع قيادة وشعب. تتعامل إسرائيل مع صائب عريقات والرجوب وغيرهم كأشخاص محددين، لا كقيادة فلسطينية، ويشرع مجال هائل للضغط على هؤلاء. ونزعات التفرد وتصدر المشهد لدى كثير من هذه "القيادات" هي، في النهاية، عرض مغر لتمكين لإسرائيل منهم، وتحديد وجهة الفعل والضغط. واللافت أن الرئيس أبو مازن يغيب عن المشهد في حالات كهذه، وهذا يتعارض مع "عدم تساهله في شؤون القيادة الأخرى".
الملاحظة الأخيرة حول تلك السقوف الواطئة التي تظل السلطة تبتكرها، ثم ما تلبث تتنازل عنها. وهنا، يمكن ببساطة استنتاج أن السلطة لا تقدم على خطوات وتحركاتٍ إلا بعد التأكد من أنها لن تفتح عليها باب الغضب الإسرائيلي، حتى يبدو وكأن هنالك تنسيقاً في الأمر، ويبدو أن سياسة الحصار المالي فعالة إلى حد بعيد، وأن السلطة لا تتحدى إسرائيل، بقدر ما تناور في الأمتار الأخيرة قبل خطوط الغضب الإسرائيلي. واللافت أن الخطوط الإسرائيلية هذه متحركة، وتقلّص مساحة مناورة السلطة.
هل يمكن لأحد أن يسمي المناورة هذه نضالاً؟ هل جعل رد فعل العدو والخوف منه محدداً لأي فعل أو سلوك سياسي، يتفق مع وصف السلوك على أنه نضال أو مواجهة؟ هذه المغالطة في فهم الفعل السياسي والسلوك النضالي امتدت للفلسطينيين، أيضا، فباتوا يحسبون رد فعل الاحتلال عند الإقدام على وضع أي تصور لسلوكهم ونضالهم، بدل أن يكون التعريف البديهي للنضال والمقاومة أنها كل سلوك يستدعي رداً عنيفاً من الاحتلال.
2BB55568-EFEE-416B-934D-5C762181FE7F
عبّاد يحيى

كاتب وباحث وصحفي من فلسطين