ربّما لم يواكب العراق غالبية التطورات التي يشهدها العالم على مختلف الأصعدة في ظل الحروب والمآسي التي يعانيها. لكن خلال عقد من الزمن، وصلت إليه مظاهر عدة ساهمت في الحد من الأعراف والتقاليد التي عادة ما تتناقلها الأجيال. ويُقسّم الأكاديمي خالد النجماوي الموروث إلى حضاري وثقافي وشعبي، ويعترف بوجود بعض الموروثات القاتلة، والتي قد تكون ناتجة عن قلة الوعي والإيمان بالخرافات كالتنجيم والشعوذة.
إلا أن هذا لا يلغي أن هناك الكثير من العادات الجميلة التي يخسرها العراقيون يوماً بعد يوم، منها احترام الغير وخصوصاً الأكبر سناً. ويلفت إلى أنه بعد عام 2003، باتت الأسواق مختلطة بنسبة 70 في المائة، علماً أنه في الماضي، كان هناك أسواق للنساء وأخرى للرجال. ولم يكن أحد يجرؤ على دخول أسواق الآخر لاعتبارات عدة. لكن في الوقت الحالي، باتت المرأة تعمل في محال بيع الملابس الخاصة بالرجال، ولم يعد الأمر يثير الاستغراب.
من جهته، يقول الحقوقي صلاح العبيدي إنه قبل عام 2003، كان العراقيون أكثر عفوية وبساطة في حياتهم. على سبيل المثال، تجتمع العائلة على مائدة الطعام أو تشاهد التلفاز أو تسهر حتى منتصف الليل. وكان الناس يتواصلون من خلال الهاتف الأرضي أو تبادل الزيارات. إلا أنه مع التطورات التكنولوجية وانفتاح العالم على بعضه البعض، تغيرت أمور كثيرة، وقد أثر الأمر على الروابط الاجتماعية بين الناس، الذين صاروا يلجؤون إلى التواصل من خلال الهواتف الذكية.
ويلفت العبيدي لـ "العربي الجديد" إلى أن أفراد الأسرة الواحدة باتوا يجلسون في مكان واحد من دون أي تواصل، موضحا أن كل فرد بات يجالس هاتفه النقال، ويمضي الوقت على وسائل التواصل الاجتماعي. ويرى أنه لا يمكن اعتبار هذه المتغيرات نافعة أو ضارة، إلا أن المشكلة تتمثل في الإفراط في استخدام الأجهزة الإلكترونية، على حساب تفاصيل أخرى هي أيضاً مهمة في المجتمع.
أما الصحافي يحيى شمس الدين، فيوضح لـ "العربي الجديد" أن المجتمع العراقي عرف تغييرات جوهرية في مختلف مجالات الحياة، لافتاً إلى أن جيله عاش فترة طويلة من حياته من دون أن يشعر بأي قيمة أو دور له، عدا عن التهميش منعه من ابداء الرأي. وبعد الاحتلال الأميركي عام 2003، انفجر المجتمع العراقي على جملة من التغييرات الاجتماعية والانفتاح والتواصل مع محيطه الخارجي. ويلفت إلى أن أي تجديد أو تطوير للعادات والتقاليد لا يحدث من خلال التخلي عنها، بل الحفاظ عليها والعمل على تطويرها. يتطرق إلى نقطة أخرى، مشيراً إلى الزيجات بين العراقيين الذين ينتمون إلى أعراق ومذاهب مختلفة باتت شبه معدومة في الوقت الحالي بسبب الواقع السياسي الذي فرض نفسه بعد عام 2003، والذي أدى إلى تغيرات في أنماط التفكير، علماً أن هذا لم يكن ليحدث في الماضي.
ويرى الناشط المدني محمد الراوي أنه في الماضي، كانت العادات والتقاليد بمثابة واجب لا يمكن عدم الالتزام بها، على عكس الحاضر، الذي انسجم مع التغييرات التي فرضتها التطورات التكنولوجية، والتي كانت سبباً رئيسياً في تغير هذه العادات، على حد قوله.
ومن بين العادات التي تغيّرت في المجتمع العراقي هي الزواج، كما يقول الراوي. في ما مضى، كان على الرجل الزواج من ابنة عمه أو إحدى قريباته من القبيلة نفسها. أما اليوم، فقد تغيرت هذه العادات بشكل كبير، ولم تعد العائلة أو القبيلة تتدخل في قرار الشاب في الزواج، على أن يختار بنفسه المرأة التي يريد الارتباط بها.
كذلك، اختلفت أزياء الشباب، وصار هؤلاء أكثر ميلاً إلى تقليد الغرب، بعدما بات كل شيء مكشوفاً أمامهم، بحسب الراوي. أيضاً، قل التواصل المباشر بين الناس، وحتى بين أفراد العائلة الواحدة، الذين صاروا يلجؤون إلى الهواتف الذكية والتطبيقات المختلفة للتواصل، الأمر الذي يساهم في تفكك الأسر شيئاً فشيئاً.
ويشير الراوي إلى أنه "كلّما تطور العالم، ظهرت عادات وتقاليد جديدة واختفت تلك القديمة، تماشياً مع الأفكار الجديدة. وفي مجتمعاتنا، قد تطمس الكثير من العادات القديمة لتظهر محلها أخرى جديدة". ويرى أن هذه العادات قد تكون "مخالفة للتعاليم الدينية السماوية، إلا أن المجتمع سيتعامل معها في سياق التطور والحرية". يضيف أن المجتمع ليس ضد التغيير الفكري والحضاري والعلمي والعادات الجديدة، لكن لا بد لتلك التغييرات أن تتماشى مع قيمنا، على ألا نتخلى عن العادات القديمة والصحيحة التي ورثاها عن آبائنا وأجدادنا.