عراق الفوضى الأهلية

29 ديسمبر 2015
التوجه إلى المدرسة مغامرة يومية محفوفة بالمخاطر (فرانس برس)
+ الخط -

نصف العراق تقريباً يعيش خارج إطار ما يوصف بأنه الدولة الشرعية أو دولة النظام والقانون، وتسيطر عليه مليشيات داعش وسواها. والمناطق خارج هذا الإطار لا تقل فوضى عن مثيلاتها التي تسيطر عليها قوات ما يسمى الدولة الإسلامية. أعمال العنف والمتفجرات تجعل قصد المدرسة بالنسبة للتلامذة والأهل والمعلمين بمثابة مغامرة يومية محفوفة بالمخاطر. لكن المشهد أكثر تعقيداً مما تقدم، وهو لا يكتمل سوى بالتوقف عند حالتي اللجوء إلى الخارج والنزوح في الداخل.

على المستوى الأول كان معظم اللاجئين يتجهون نحو سورية باعتبارها دولة استقبال للاجئين. منذ سنوات حزم معظم هؤلاء حقائبهم وغادروها. الباقون هم ممن لا حول لهم ولا طول على الرحيل. أما في الأردن فقد تابعوا حياتهم العادية مع أن إمكانيات صمودهم تتقلص باستمرار بعد نفاد مدخراتهم. اللاجئون إلى الدول الأوروبية وأطفالهم يحتاجون ليس إلى أشهر، بل إلى سنوات للتأقلم مع الواقع الجديد، هذا إذا تمكنوا من ذلك، خصوصاً أن عليهم أن يمضوا أكثر من عام من أعمارهم لامتلاك اللغات التي يتوجب عليهم الدراسة فيها. وهؤلاء وذووهم عندما ينجحون بالتكيّف مع الوقائع الجديدة يكون العراق قد خسرهم إلى الأبد.

المصيبة تتبدى في أوضاع النازحين من محافظات الأنبار ونينوى وصلاح الدين وغيرها. مئات الألوف من هؤلاء يعيشون في مخيمات صحراوية نائية عن المدن. ومن هم بالقرب من المدن غالباً لا ينجحون في إلحاق أبنائهم بالمدارس لأسباب متداخلة. ومما يزيد الطين بلّة هو أن الكثيرين من الأطفال قد فقدوا معيليهم، وباتوا حتى وهم أطفال، مسؤولين عن إعالة أسرهم من خلال أعمال بيع الفواكه والخضار وممارسة أي عمل قد يشكل مصدر دخل يعينهم على هذه المهمة المستحيلة. وهؤلاء لن يدخلوا المدرسة بتاتاً. الأعداد حول هؤلاء الذين لن يتابعوا دراساتهم متفاوتة وهي تتراوح بين 30 إلى 45 بالمائة في بعض المناطق، وتقفز عن هذه الأرقام في مناطق أخرى. ويضاعف من مشكلة الدراسة ارتفاع نسبة التسرّب المدرسي ممن يتوفر لهم مقعد دراسي، من دون مستتبعاته. ويتبيّن من خلال آراء الخبراء التربويين العراقيين أنه كلما تصاعدت نسبة النزوح زادت نسبة التسرّب، وبالتالي الأمية بين صفوف التلامذة. وعليه تبدو عملية متابعة الدراسة متعذّرة بفعل حالة الأمن والفقر وفقدان المدارس القريبة والأوضاع النفسية التي تتطلب علاجاً ودعماً نفسياً مفقودين.

رغم ما أشرنا اليه، إلا أن هناك مشكلة أكثر إلحاحا في العراق تتطلب تسليط الضوء عليها، هي قضية المدارس المفقودة في العراق، وعليه إذا ما كان هناك تلميذ يرغب بالدراسة دون أن تتأمن له المدرسة فكيف سيتعلم؟

*أستاذ في كلية التربية، الجامعة اللبنانية

اقرأ أيضاً: مدارس الشتات
المساهمون