"أبو غايب" الذي لم يتزوج طيلة حياته ولا ولد له، لا يعرفُ أحد المرشحين الذين زينت صورهم جدران المحلات التجارية واليافطات المنتشرة في أرجاء حي الكرادة الشعبي وسط العاصمة العراقية بغداد، لكنه ظلّ يتفحص وجوه المرشحات من النساء، يتنقل من الجميلة إلى الأجمل، ويثير الضحك في نفوس كل من تكلم معه عن الانتخابات، فتعليقاته عن أنف هذه وعيون تلك كانت الأبرز خلال الأيام الماضية.
يقول لـ"العربي الجديد" إنّ "الانتخابات في هذه البلاد لا تأتي بجديد، فليس هناك من هو قادر على إمساك زمام أمور هذا البلد، لأنه مثل الزئبق يفلت فجأة... في شبابي كُنت شيوعياً وما زلت أؤمن بالفكر الشيوعي الذي لا يفرّق بين أحد، ولا يتعامل مع الآخر بحسب دينه أو نسبه أو منطقته، لذا توجهت اليوم لأختار شيوعياً أعرفه منذ سنين، وصُدمت حين وجدت صورته مُعلقة في الكرادة قبل أيام، فأنا بصراحة لا أتابع وجوه الرجال، أنا مشغول بوجوه النساء أكثر".
ويضيف: "لم أتزوج بسبب أوضاع البلاد، كنت مشاركاً في كل حروبه ونكباته، وبعد كل حربٍ، كنت أرجع إلى البيت مثقلاً بالجراح، حاملاً معي ذكريات الأحبة الذين عاشرتهم لأشهر وانتهت صداقتنا بفقدانهم".
ويكمل: "بعد كل حربٍ، كنت أعزم على الزواج، لتكون أولى خطوات التوجه نحو تكوين أسرة، لكن الحرب الجديدة كانت تصدني، فضلاً عن الوضع الاقتصادي السيئ الذي عانيت منه والعراقيين جميعاً".
ويشير أبو غايب إلى أن "الانتخابات التي تجرى الآن أفضل من غيرها، لأن العراقيين انتبهوا متأخرين كعادتهم إلى أن المدنية هي الخيار الأفضل لهم، وتركوا الذين ينادون بالكلام الطائفي والمذهبي والديني... خلال الانتخابات الماضية وما قبلها، كان توجه الناس نحو الشيعي الذي يدافع عن الشيعة فقط دون غيرهم، كذلك الحال مع السني الذي يدافع عن السنة دون غيرهم، نفس الأمر مع الكردي، وكانت حصة العلمانيين والشيوعيين قليلة، وكانت تتعرض لوحاتهم الانتخابية والدعائية إلى التشويه الدائم من قبل جمهور الأكثرية الطائفية، لذلك لم أكن أرغب في المشاركة بالانتخابات".
ويتابع: "الوضع اختلف، فالنخبة والطبقة متوسطة التعلم، حتى البسطاء الذين نسميهم (أهل الله)، صاروا يدركون أن البلد بحاجة إلى أخيار لا علاقة لهم بالخطب والأحاديث الدينية والطائفية، صار التوجه نحو المدنية، لكن اللافت أن الأحزاب الإسلامية التي كانت تشارك في كل انتخابات، وهي نفسها التي نادت بالطائفية، توجهت حديثاً نحو المدنية، ولا أعلم هل هو نصر للدولة المدنية المرتقبة أو أنه لضرورة انتخابية وخداع الناس".
ويوضح "انتخبت اليوم أحد الأصدقاء الشيوعيين الذين أثق بعملهم، لأنني أعرف أفكاره وتوجهاته، هو يريد أن يكون العراق جيداً وينادي دائماً بضرورة الاستفادة من المناطق العراقية، لا سيما الجنوبية، كأداة سياحية، من خلال توفير الدعم والأجواء الآمنة".
ويردف "في طريقي إلى المدرسة التي تحولت إلى مركز اقتراع في الكرادة، أوقفني أكثر من سبعة شبان، حاولوا إقناعي بانتخاب أحد قادة الحشد الشعبي المعروفين، وحاولوا إغرائي بكل ما لديهم من قوة إقناع بأن هذا الرجل هو أمل العراق، لأنه حقق النصر على تنظيم داعش خلال المعارك الأخيرة، إلا أنهم استغربوا من كلامي وتركوني حين قلت لهم إن آلاف العراقيين استشهدوا حين قاتلوا داعش، كيف لقائدكم المرشح البقاء حياً وأنتم تروون لي بطولاته وأنه كان في الصفوف الأمامية بمواجهة العدو؟ كيف له أن يبقى حياً أمام الرصاص الكثير والقصف؟ كيف أنه لم يصب بأي أذى؟ حتى إنه لم يتعرض لأي جرح أو إعاقة، يبدو أن قائدكم لم يكن في الصفوف الأمامية، إنه يخدعكم، صدقوني".
ومثل أبو غايب، يقول خليل الكرادي (55 عاماً) لـ "العربي الجديد"، إنه انتخب شخصية علمانية على الرغم من أن قريبه أحد المرشحين للانتخابات البرلمانية. ويضيف "15 عاما كانت كافية من حكم الأحزاب الإسلامية، نريد أن نجرب أشخاصاً لا يتخندقون بالطائفية، عراقيين حقيقيين".
ويتابع "في مركز الاقتراع سألني وكيل لأحد الأحزاب الإسلامية من انتخبت؟ فقلت له انتخبت شخصية لا تأكلنا ولا تظلمنا باسم الله أو الدين".
أما الحاجة أمّ علي (61 عاماً)، فلها وجهة نظر مختلفة، إذ تقول لـ "العربي الجديد"، إنها لم تذهب للانتخابات لسبب واحد، ليقينها أنه "لا يوجد أمل بالتغيير حالياً، فالأحزاب التي جاءت مع الأميركان نفسها تسيطر على المشهد، وفي النهاية رئيس الوزراء يكون بتوافق خارجي إيراني أو سعودي وأميركي، لا نضحك على أنفسنا".
وتوجه اليوم السبت أكثر من 22 مليون عراقي للمشاركة في الانتخابات البرلمانية العامة، التي يتنافس فيها أكثر من سبعة آلاف مرشح على 329 مقعداً.