لم تقتصر الاحتجاجات التي يشهدها العراق منذ أيام على الرجال، بل امتدت إلى النساء اللواتي يعملن ما في وسعهن لمداواة المصابين والتخفيف عنهم، وتقديم الطعام والماء للمحتجين
تشهد الاحتجاجات التي يعيشها العراق مواقف إنسانية عديدة تتجسد من خلال النساء اللواتي تتسع مشاركتهن لتظهر صوراً مختلفة لدعم المحتجين في أوقات مختلفة من اليوم، عبر حضورهن إلى مواقع الاحتجاج أو أداء دورهن من منازلهن، سواء في إعداد الطعام وتقديم الدعم المعنوي. وكان من بين أبرز الصور التي جسدها حضور المرأة القوي في الاحتجاجات، عبارات "أمي" و"أختي" التي ينادي بها محتجون شبان لنساء في مواقع الاحتجاج.
يقول محتجون لم يغادروا مواقع الاحتجاج منذ الخامس والعشرين من أكتوبر/ تشرين الأول الجاري حين انطلقت المرحلة الثانية من الاحتجاجات، إنّهم ينالون رعاية من "أخواتهم" و"أمهاتهم" في التظاهرات كأنّهم في منازلهم. وهو تعبير عراقي ينمّ عن تقدير الرجل صفة الأم أو الأخت حين يطلقها على السيدة أو الفتاة التي لا يعرفها.
مجموعة من النساء أحضرن تنور الخبز وجرة الغاز وأعددن الخبز العراقي، ووزعنه على المحتجين في بغداد. تقول أم نبأ، التي تجهز الخبز في الميدان، لـ"العربي الجديد" إنّ "شباننا المتظاهرين يستحقون أن نخدمهم بأعيننا. لقد ضحوا وخاطروا لأجلنا. أقل ما نستطيع فعله أن نقدم لهم الخبز الساخن اللذيذ".
رند وسالي وهدى ونور، بنات ما زلن في ريعان شبابهن، يحملن على ظهورهن حقائب مليئة بالعصير وشطائر "الهامبرغر" و"البيتزا" ويقلن إنهن أعددنها بأنفسهن ويوزعنها على المحتجين. تقول رند لـ"العربي الجديد" إنّها وصديقاتها لديهن خبرة كبيرة في إعداد الأطعمة الغربية، ويستخدمن في إعداد الشطائر أفضل أنواع اللحوم والأجبان والمواد الغذائية والمطيبات. تضيف: "شعورنا واحد أنا وصديقاتي ونحن بين المحتجين نوزع عليهم الطعام. لم نشعر أنّهم غرباء، بل كأنّهم إخوتنا وكأنّنا نعرفهم. يسمعوننا عبارات كلّها احترام وتقدير وتعظيم، أشعرونا بأنّنا أهم منهم وأنّ عملنا في توزيع الطعام لهم أعظم وأكبر من تضحياتهم ومواجهتهم الرصاص". تتابع: "يمنعوننا من التقدم إلى مواقع يعتبرونها خطيرة، إذ يتجمع محتجون يواجهون القوات الأمنية في حين تستمر عجلات التوك توك في حمل مصابين أو شهداء. لقد زادوا من تصميمنا على مواصلة خدمتهم بالطعام".
الخدمات الطبية والإسعافات من بين الخدمات التي تقدمها النساء في الاحتجاجات لمن يتعرضون لإصابة، وتشاهد العديد من الشابات يتنقلن بين المتظاهرين أو يقفن في مواقع خلفهم يستقبلن من يتعرضون لإصابات سواء بالرصاص أو بقنابل الغازات المسيلة للدموع. يقول نزار طه، إنّه حين سقط مغشياً عليه، من جراء سقوطه بعد إطلاق القوات الأمنية وابلاً من الرصاص فوق رؤوسهم، أفاق على صوت فتاة تناديه بكلمة: أخي". يضيف لـ"العربي الجديد" أنّه رأى الشابة تمسح جبينه ووجهه وهو ممدد على الرصيف حين أفاق. مضيفاً "كانت تبتسم حين أفقت وتقول لي: انت بطل ما بيك شيء (لا تشكو من شيء) لكنّ الأفضل أن ترتاح ساعة أو ساعتين". يؤكد أنّ "مشاعر الحب الأخوي والأمومة التي تفيض بها نساؤنا وسط ساحات الاحتجاج تشعرنا بمسؤولية كبيرة. لقد زادتنا نساؤنا همة لمواصلة الاحتجاجات حتى نهزم الأحزاب الحاكمة وتكون لنا حكومة تمثلنا وتعمل لصالحنا".
نساء كثيرات لا يستطعن الخروج من منازلهن لكنّهن حرصن على أن يكون لهن دور في الاحتجاجات. من هؤلاء أم عبد القادر، التي تقول لـ"العربي الجديد" إنّ أبناءها وبناتها وزوجها يشاركون جميعهم في الاحتجاجات، وترى أنّ دورها بصفتها امرأة لا يقلّ عن دور الرجل في هذا الوقت الذي تصفه بأنّه "يحتاج إلى وقفتنا جميعاً. لن نترك شباننا فقط في ساحات التظاهر". تتابع: "لم أعترض على خروج أبنائي الثلاثة للمشاركة في الاحتجاجات منذ انطلاقها، لكنّي كنت أحثهم على عدم مواجهة القوى الأمنية وأن يكونوا بعيدين عن مواقع المواجهة، لكن مع مشاهدتنا العنف الذي تواجه به القوى الأمنية شباننا المحتجين، أصبح لزاماً علينا أن نشارك جميعنا في الاحتجاجات". تعدّ أم "قدوري" أطعمة مختلفة، مبينة أنّها فقط في أول يوم للاحتجاجات أعدت الطعام وحدها، لكن في الأيام التالية شاركتها جاراتها في إعداده، وأصبحن يطبخن كمية كبيرة من الطعام. تستطرد: "يحمل جاري بسيارته البيك أب، أطباق الطعام إلى مواقع المحتجين، ويوزع الطعام لهم" مشيرة إلى أنّها وجاراتها أخذن على عاتقهن الاستمرار بمهمتهن ما دام الشبان مستمرين بالاحتجاج.
تعزيز الحالة المعنوية ضروري جداً في مثل الوضع الذي يعيشه المحتجون، بحسب نساء يعتبرن أنّ مجرد وجودهن بالقرب من المحتجين يدفعهم للاستمرار. وبذلك، خرجت نساء يحملن الأعلام العراقية ويرددن شعارات تهتف بحبّ الوطن. ابتسام مهدي، وهي ناشطة نسوية كانت تقف مع مجموعة من النساء قرب ساحة التحرير حيث يتعرض المحتجون لقمع من قبل القوات الأمنية، غالباً باستخدام قنابل مسيلة للدموع. تقول ابتسام لـ"العربي الجديد" إنّ "أجمل ما شاهدته هو الخوف علينا الظاهر في عيون الشبان المحتجين وهم ينصحوننا بأن نقف بعيداً لتجنب الإصابة، حين رفضنا وأصررنا أن نكون قريبين منهم وقف شبان أمامنا مثل الدروع كي لا نصاب بأي ضرر" مشيرة إلى أنّ "عبارات احترام أخوية تلقيناها من الشبان المحتجين. الجميع كانوا ينادوننا بكلمة أختي أو أمي، التي تنمّ عن حبّ واحترام وتقدير".