تختلف التسميات بين عيد العمال، أو اليوم العالمي للعمال أو عيد الشغل، وهو المصطلح الذي اختارته الحكومة التونسية مُسقطة كلمة العمال من عيدهم. رغم المظاهر الاحتفالية التي تعم أغلب المؤسسات، خصوصاً بعد ثورة يناير، إلا أن يوم الراحة الذي يتمتع به عمال تونس في هذا التاريخ، والاحتفاء الرسمي بسواعد الوطن كما تسميهم الدعاية الرسمية، لم ينجح في إخفاء الحقيقة التي تعريها تقارير المنظمات النقابية والمجتمع المدني.
رغم الثورة، ومئات الاعتصامات والإضرابات والصدامات العنيفة أحياناً، إلا أن وضع العمال التونسيين لم يتغير، بل تدهور نحو الأسوأ في بعض القطاعات. يقول الباحث الاقتصادي عماد بن سليمان :"إن الوضعية تختلف من قطاع لآخر، لكن تبقى قطاعات على غرار النسيج وعمالة الحضائر (هم عمال يتم انتدابهم من قبل الدولة للعمل في كافة المجالات، البناء، تنظيف طرقات، الصيانة، الحراسة وغيرها، يعملون دون عقود عمل، أو ضمانات اجتماعية وصحية) الأسوأ على الإطلاق، حيث تفيد الدراسات الصادرة عن الاتحاد العام التونسي بأن هذه الأصناف الثلاثة تحملت ارتدادات الركود الاقتصادي عقب الثورة والقرارات الارتجالية"، مشيراً إلى أن قطاع النسيج "يحتكر نصف المؤسسات الصناعية في البلاد، ونصف الصادرات ونصف اليد العاملة، حيث يبلغ عدد مصانع النسيج 2135 وحدة، بطاقة تشغيل بلغت عام 2014 ما يقارب 170 ألف عامل وعاملة، لكن تدهور الوضع الاقتصادي وانكماش التصدير الذي يمثّل 80% من نشاط هذا القطاع أدى إلى غلق 600 مصنع منذ عام 2011 وإحالة 80 ألف عامل إلى صفوف البطالة دون أي تعويض أو توفير بدائل".
اقــرأ أيضاً
لا تتوقف معاناة عمال النسيج عند هذا الحد بحسب الباحث بن سليمان، حيث لم تتمكن المؤسسات الصناعية من مجاراة نسق ارتفاع الأسعار، إذ لم تتطوّر الأجور في هذا القطاع إلا بنسبة 6% حتى عام 2015 حسب معطيات المعهد الوطني للإحصاء، كما أنّ الحدّ الأدنى للأجور في مصانع النسيج لم يتجاوز عتبة 250 دولاراً كحد أقصى".
أما قطاع عمالة الحضائر والنظافة، فهو يشغل بدوره ما يقارب 125 ألف عامل، وقد تعرض هذا القطاع إلى طفرة هائلة بعد الثورة بعد أن تحول إلى أداة للتنفيس وإسكات أصوات المحتجين المطالبين بالشغل، ليرتفع عدد العاملين في هذا القطاع من 63 ألفاً عام 2010 إلى 125 ألفاً عام 2015. يقول بن سليمان :"تزامن هذا الارتفاع مع تعاظم البؤس وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأهل القطاع، فهؤلاء مصنفون كأكثر الفئات الاجتماعية هشاشة على مستوى الأجور التي لا تتجاوز 130 دولاراً بالنسبة للحضائر الجهويّة، و165 دولاراً تقريباً للحضائر الفلاحيّة. وهي أجور لا تفي لتوفير الحد الأدنى من حاجياتهم اليومية في ظل التردي الاقتصادي وارتفاع نسبة التضخم إلى 5% خلال عام 2015". ويضيف محدثنا: "يحرم هؤلاء العمال من حقهم في التغطية الاجتماعية، إضافة إلى غياب الترسيم في الوظيفة ووسائل السلامة المهنية".
تؤكد الدكتورة هبه ضيف الله، أخصائية طب الشغل، أن هذه القطاعات "الصعبة" بحسب تعبيرها تستنزف عمالها بشكل رهيب، ففي قطاع النسيج تفرز الأقمشة نوعاً من الغبار لا يرى بالعين المجرّدة، ويؤدي استنشاق هذا الغبار وتراكمه بالأنف وبالقصبات الهوائية إلى الإصابة بضيق التنفس والحساسية وأمراض الربو. وتقول: "إن معظم العاملات وبعد 5 سنوات من العمل في مصانع الخياطة يستعملن آلات التنفس الاصطناعي، كما تضاعف عدد الإصابات، إذ ارتفع من 135 حالة سنة 1995 إلى 1800 حالة سنة 2015، كما أن 50% من الاعتلالات المدرجة ضمن لائحة الامراض المهنية تصيب الجهاز التنفسي لدى هذه الفئة من العمال".
اقــرأ أيضاً
أما في قطاع الحضائر والبناء والنظافة، فتشير الدكتورة ضيف الله إلى أن أهم الأمراض التي تصيب المهنيين هي التشوهات والكسور والطفح الجلدي، حيث تم تسجيل أكثر من 60 حالة وفاة سنة 2015 إضافة إلى 3200 حالة إصابة عضلية وجلدية مختلفة.
يؤكد الخبير الاقتصادي محمد ياسين السوسي أن سوق الشغل التونسي تعاني من هشاشة التشريعات الخاصة بحماية الطبقة الشغيلة، حيث تبرز معضلة التشغيل الهش كإحدى أهم نقاط ضعف هذه المنظومة، إذ تتجاوز نسبة المشتغلين بعقود محددة المدة نسبة 60% من نسبة العاملين. وهي آليات ضعيفة وهشة ولا يمكن أن تضمن عملاً دائماً للمواطن التونسي وتجعل من احتمال الطرد أو عدم التجديد فرضية عالية مما لا يسهم فعلياً في الحد من نسبة البطالة. كما تعتمد المؤسسات التونسية في تشغيل العمال على العقود القصيرة، هرباً من الأعباء الاجتماعية والالتزامات المهنية، دون أن ننسى حالات الطرد التعسفيّ التي تحولت إلى أداة عقاب جماعية لكل من يحاول الدفاع عن حقوقه، إذ شهد عاما 2014 و2015 طرد ما يناهز 9600 عامل من عمالة الحضائر دون إنذار مسبق أو تعويضات.
من جانب آخر يشير السوسي إلى أن ضغط الوضع الاقتصادي المتدهور أدى بدوره إلى تأزيم وضعية هذه الفئة من العمال، حيث لا يستطيع هؤلاء بأجورهم التي لا تتجاوز في المتوسط 300 دولار كحد أقصى أن يلبوا احتياجاتهم اليومية من مأكل ومسكن وملبس في ظل الارتفاع الكبير للأسعار وتواصل النسق التصاعدي لنسبة التضخم الذي فاق 5% خلال السنة الماضية.
ليختم السوسي: "إن النتيجة الحتمية لرداءة وضعية هؤلاء برزت من خلال تصاعد الموجة الاحتجاجية والتحرّكات المطلبيّة، لتتضاعف بين سنتي 2013 و2014 بنسبة 105%، كما أن ردة الفعل العنيفة من هذه الفئات المسحوقة تنذر بنتائج كارثية على المستوى الاقتصادي، إذا ما تواصل تجاهل صرخاتهم ومطالبهم المشروعة في توفير الحد الأدنى من العيش الكريم.
اقــرأ أيضاً
رغم الثورة، ومئات الاعتصامات والإضرابات والصدامات العنيفة أحياناً، إلا أن وضع العمال التونسيين لم يتغير، بل تدهور نحو الأسوأ في بعض القطاعات. يقول الباحث الاقتصادي عماد بن سليمان :"إن الوضعية تختلف من قطاع لآخر، لكن تبقى قطاعات على غرار النسيج وعمالة الحضائر (هم عمال يتم انتدابهم من قبل الدولة للعمل في كافة المجالات، البناء، تنظيف طرقات، الصيانة، الحراسة وغيرها، يعملون دون عقود عمل، أو ضمانات اجتماعية وصحية) الأسوأ على الإطلاق، حيث تفيد الدراسات الصادرة عن الاتحاد العام التونسي بأن هذه الأصناف الثلاثة تحملت ارتدادات الركود الاقتصادي عقب الثورة والقرارات الارتجالية"، مشيراً إلى أن قطاع النسيج "يحتكر نصف المؤسسات الصناعية في البلاد، ونصف الصادرات ونصف اليد العاملة، حيث يبلغ عدد مصانع النسيج 2135 وحدة، بطاقة تشغيل بلغت عام 2014 ما يقارب 170 ألف عامل وعاملة، لكن تدهور الوضع الاقتصادي وانكماش التصدير الذي يمثّل 80% من نشاط هذا القطاع أدى إلى غلق 600 مصنع منذ عام 2011 وإحالة 80 ألف عامل إلى صفوف البطالة دون أي تعويض أو توفير بدائل".
لا تتوقف معاناة عمال النسيج عند هذا الحد بحسب الباحث بن سليمان، حيث لم تتمكن المؤسسات الصناعية من مجاراة نسق ارتفاع الأسعار، إذ لم تتطوّر الأجور في هذا القطاع إلا بنسبة 6% حتى عام 2015 حسب معطيات المعهد الوطني للإحصاء، كما أنّ الحدّ الأدنى للأجور في مصانع النسيج لم يتجاوز عتبة 250 دولاراً كحد أقصى".
أما قطاع عمالة الحضائر والنظافة، فهو يشغل بدوره ما يقارب 125 ألف عامل، وقد تعرض هذا القطاع إلى طفرة هائلة بعد الثورة بعد أن تحول إلى أداة للتنفيس وإسكات أصوات المحتجين المطالبين بالشغل، ليرتفع عدد العاملين في هذا القطاع من 63 ألفاً عام 2010 إلى 125 ألفاً عام 2015. يقول بن سليمان :"تزامن هذا الارتفاع مع تعاظم البؤس وتدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية لأهل القطاع، فهؤلاء مصنفون كأكثر الفئات الاجتماعية هشاشة على مستوى الأجور التي لا تتجاوز 130 دولاراً بالنسبة للحضائر الجهويّة، و165 دولاراً تقريباً للحضائر الفلاحيّة. وهي أجور لا تفي لتوفير الحد الأدنى من حاجياتهم اليومية في ظل التردي الاقتصادي وارتفاع نسبة التضخم إلى 5% خلال عام 2015". ويضيف محدثنا: "يحرم هؤلاء العمال من حقهم في التغطية الاجتماعية، إضافة إلى غياب الترسيم في الوظيفة ووسائل السلامة المهنية".
تؤكد الدكتورة هبه ضيف الله، أخصائية طب الشغل، أن هذه القطاعات "الصعبة" بحسب تعبيرها تستنزف عمالها بشكل رهيب، ففي قطاع النسيج تفرز الأقمشة نوعاً من الغبار لا يرى بالعين المجرّدة، ويؤدي استنشاق هذا الغبار وتراكمه بالأنف وبالقصبات الهوائية إلى الإصابة بضيق التنفس والحساسية وأمراض الربو. وتقول: "إن معظم العاملات وبعد 5 سنوات من العمل في مصانع الخياطة يستعملن آلات التنفس الاصطناعي، كما تضاعف عدد الإصابات، إذ ارتفع من 135 حالة سنة 1995 إلى 1800 حالة سنة 2015، كما أن 50% من الاعتلالات المدرجة ضمن لائحة الامراض المهنية تصيب الجهاز التنفسي لدى هذه الفئة من العمال".
أما في قطاع الحضائر والبناء والنظافة، فتشير الدكتورة ضيف الله إلى أن أهم الأمراض التي تصيب المهنيين هي التشوهات والكسور والطفح الجلدي، حيث تم تسجيل أكثر من 60 حالة وفاة سنة 2015 إضافة إلى 3200 حالة إصابة عضلية وجلدية مختلفة.
يؤكد الخبير الاقتصادي محمد ياسين السوسي أن سوق الشغل التونسي تعاني من هشاشة التشريعات الخاصة بحماية الطبقة الشغيلة، حيث تبرز معضلة التشغيل الهش كإحدى أهم نقاط ضعف هذه المنظومة، إذ تتجاوز نسبة المشتغلين بعقود محددة المدة نسبة 60% من نسبة العاملين. وهي آليات ضعيفة وهشة ولا يمكن أن تضمن عملاً دائماً للمواطن التونسي وتجعل من احتمال الطرد أو عدم التجديد فرضية عالية مما لا يسهم فعلياً في الحد من نسبة البطالة. كما تعتمد المؤسسات التونسية في تشغيل العمال على العقود القصيرة، هرباً من الأعباء الاجتماعية والالتزامات المهنية، دون أن ننسى حالات الطرد التعسفيّ التي تحولت إلى أداة عقاب جماعية لكل من يحاول الدفاع عن حقوقه، إذ شهد عاما 2014 و2015 طرد ما يناهز 9600 عامل من عمالة الحضائر دون إنذار مسبق أو تعويضات.
من جانب آخر يشير السوسي إلى أن ضغط الوضع الاقتصادي المتدهور أدى بدوره إلى تأزيم وضعية هذه الفئة من العمال، حيث لا يستطيع هؤلاء بأجورهم التي لا تتجاوز في المتوسط 300 دولار كحد أقصى أن يلبوا احتياجاتهم اليومية من مأكل ومسكن وملبس في ظل الارتفاع الكبير للأسعار وتواصل النسق التصاعدي لنسبة التضخم الذي فاق 5% خلال السنة الماضية.
ليختم السوسي: "إن النتيجة الحتمية لرداءة وضعية هؤلاء برزت من خلال تصاعد الموجة الاحتجاجية والتحرّكات المطلبيّة، لتتضاعف بين سنتي 2013 و2014 بنسبة 105%، كما أن ردة الفعل العنيفة من هذه الفئات المسحوقة تنذر بنتائج كارثية على المستوى الاقتصادي، إذا ما تواصل تجاهل صرخاتهم ومطالبهم المشروعة في توفير الحد الأدنى من العيش الكريم.