تتجه الأوضاع في جنوب اليمن نحو مرحلة جديدة عنوانها التصعيد ضد الشرعية اليمنية بقيادة ما يسمى بـ"المجلس الانتقالي الجنوبي"، والذي دعمت أبوظبي تشكيله، وذلك عقب إعلان محافظ عدن السابق، رئيس المجلس، عيدروس الزبيدي، التصعيد ضد "الحكومة الشرعية"، وتأسيس "جمعية وطنية جنوبية"، فضلاً عن إعلان توجيه الدعوة قريباً لاستفتاء في جنوب اليمن حول الانفصال، تزامناً مع احتفالات البلاد بالذكرى الـ54 لثورة 14 من أكتوبر/ تشرين الأول ضد الاستعمار البريطاني، والتي أحياها "الانتقالي" بفعالية جماهيرية حاشدة في عدن.
وأعلن الزبيدي، في كلمته التي ألقاها أمام الجماهير التي احتشدت في ساحة المعلا في عدن، عن تأسيس "الجمعية الوطنية للمجلس الانتقالي الجنوبي" على أن تتكون "من 303 أعضاء من كافة محافظات الجنوب وشرائحه المجتمعية، وهي أعلى سلطة مشرّعة في المجلس الانتقالي الجنوبي، وستدشن الجمعية الوطنية أول أعمالها في نوفمبر/ تشرين الثاني المقبل، كما سيتم تدشين فروع المجلس في المحافظات تباعاً خلال الأيام المقبلة" على حد قوله.
وتباينت التفسيرات إزاء هذه الخطورة بين من اعتبرها "إجراءً تنظيمياً في إطار المجلس"، ومن اعتبرها "خطوة جديدة في طريق الانفصال"، بتشكيل سلطة جنوبية. فبعد أن جرى تشكيل "المجلس الانتقالي"، جاءت "الجمعية الوطنية" بمثابة مجلس تأسيسي أو برلمان لجنوب اليمن.
كذلك أعلن محافظ عدن السابق، ومن المنصة، "التصعيد الشعبي ضد حكومة بن دغر المستضافة مؤقتاً في عدن" بذريعة "فشلها في الخدمات وممارسة العقاب الجماعي ومحاولة إعادة القوات الشمالية التي أخرجها شعبنا بالمقاومة المسلحة، وتغذية النزعة المناطقية، ومحاولة ضرب الجنوب سياسياً واقتصاديا واجتماعياً...".
في مقابل ذلك، أعلن دعمه لما يُسمى بـ"قوات الحزام الأمني" و"قوات النخبة الحضرمية". وهما قوتان تأسستا حديثاً بدعم إماراتي.
وكشف الزبيدي في حديثه "وجود برنامج تصعيد يجري التواصل حوله مع دول التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات، على أن يكون التصعيد بعد احتفالات 14 أكتوبر". وأضاف أن "سفراء دول كبرى أبلغوهم في لقاءات غير رسمية أنهم يعتبرون المجلس الانتقالي الجنوبي ممثلاً للجنوبيين"، موضحاً أن "المجلس أصبح جزءاً من الحلول في المنطقة، ووجوده سهل من السيطرة على أرض الجنوب وبالذات المحافظات المحررة، وهذا الكلام نحن استلمناه من دول عظمى، ولذلك أصبح المجلس الانتقالي جزءاً من الحلول".
وفي الوقت الذي بدت فيه "الجمعية الوطنية" مفاجأة الزبيدي، حملت تصريحاته حول "الاستفتاء" لانفصال الجنوب، العديد من الدلالات والأبعاد المحلية والإقليمية، تحديداً في سياق شهدت فيه المنطقة استفتاء كردستان للانفصال عن العراق، كما شهدت أوروبا استفتاء إقليم كتالونيا في إسبانيا. لكن استفتاء كردستان، على وجه التحديد، ألقى بظلاله على نقاشات اليمنيين الأسابيع الماضية، باستحضار عوامل النجاح والفشل والممكن وضده في الوضع اليمني مقارنة بالعراق.
في غضون ذلك، أتت التصريحات في وقتٍ اعتبر فيه المجلس ممثلاً لسياسة الإمارات أو مدعوماً منها، وكان الزبيدي قد عاد إلى عدن منذ أيام، آتياً من أبوظبي، والتي أقام فيها لأسابيع، وسط غموض أحاط اللقاءات التي أجراها في أبوظبي أو في عواصم أخرى زارها مع قيادات في المجلس في الأشهر الماضية، بما فيها الرياض والقاهرة.
وعلى الرغم من العوائق والمعطيات اليمنية الموضوعية، والتي جعلت من الحديث عن الدعوة إلى "استفتاء" وجدية الخطوة من عدمها، موضع شك، إلا أن هناك في المقابل العديد من العوامل التي قد تسرع الخطوات نحو الانفصال، وتعتمد إلى حد كبير، على الموقف الإقليمي لأبرز دولتين مؤثرتين بالتحالف، وهما السعودية والإمارات، واللتان سيكون موقفهما أو رضاهما عن الانفصال من عدمه عاملاً حاسماً، على أن الواقع بات مهيئاً بحكم السيطرة، لأي انفصال، بعد أن باتت المحافظات الجنوبية والشرقية تحت سيطرة قوات تأسست حديثاً، من أبناء المحافظات نفسها (باستثناء جزء من حضرموت)، فضلاً عن واقع البلاد بين التقسيم والحرب وغياب وجود سلطة معترف بها دولياً، في صنعاء، باعتبار الأخيرة واقعة تحت سيطرة الانقلابيين. في مقابل الصوت العالي لـ"المجلس الانتقالي"، بالدعوة إلى الانفصال، برز صوت الشرعية، المتمسكة بمشروع تقسيم البلاد فدرالياً إلى أقاليم.
في هذا الصدد، جاء تصريح رئيس الوزراء اليمني أحمد عبيد بن دغر، خلال عرض عسكري بمناسبة ذكرى أكتوبر في عدن، أمس السبت، حين قال إن "الدولة الاتحادية هي الحل الوحيد والمقبول على نطاق وطني وإقليمي ودولي واسع لوقف العنف، وحفظ الأرواح والدماء"، داعياً "لنتخلى جميعاً عن العنف أو مجرد التفكير في الاستيلاء على السلطة بالقوة كما فعلوا في صنعاء، وذلك في العرف الدولي، وفي مواثيقه خطيئة ما بعدها خطيئة". وما إن انتهى الاحتفال الذي أُقيم في معسكر "صلاح الدين" بالمدينة، حتى أطلق جنود من "قوات الحزام الأمني" المدعومة إماراتياً، النار، باتجاه المعسكر.